مقالات

الحياري تكتب: قمة الرياض المرتقبة: نقطة تحول أم فرصة أخيرة ضائعة؟

الأردن اليوم – في مرحلة دقيقة تتشابك فيها المصالح الإقليمية والدولية، تبرز قمة الرياض المنتظرة كاستحقاق سياسي مفصلي بشأن القضية الفلسطينية، وبالتحديد مأساة غزة المستمرة. ليست القمة مجرد اجتماع عربي لمناقشة تطورات الأزمة، بل تمثل محكًّا استراتيجيًا لقدرة النظام العربي على إنتاج موقف موحد وفاعل، يوازن بين اعتبارات السيادة الوطنية والمصالح القومية في ظل بيئة إقليمية مضطربة وضغوط دولية غير مسبوقة، فقد بادر جلالة الملك عبد الله الثاني بخطوة مهمة وأساسية، لدى لقائه الرئيس الامريكي الثلاثاء الماضي، بربط غزة والقضية الفلسطينية ببعدها القومي العربي، وقرارهم بذلك.

تأتي القمة في توقيت بالغ التعقيد، حيث تتصاعد التوترات الإقليمية، وتتحرك القوى الدولية لإعادة رسم ملامح الشرق الأوسط وفق مصالحها. في ظل هذا المشهد، فوحدة الموقف العربي ليست خيارًا، بل ضرورة استراتيجية لا مجال معها لأي تردد أو انقسام، لحماية الأمن القومي العربي بأسره.

لن اتحدث اليوم عن ما هو مطلوب تجاه غزة باعتبارها مشكلة إنسانية ذات أبعاد سياسية و أمنية، بل كونها قضية أمن قومي عربي. إن استعادة الملف الفلسطيني إلى الإطار العربي يتطلب إعادة تعريف طبيعة الأزمة في غزة، ليس فقط بوصفها كارثة إنسانية تحتاج إلى إعادة الإعمار، بل باعتبارها جزءًا أصيلًا من معادلة الأمن العربي.

فإعادة الإعمار هنا تتخطى كونها مجرد التزام أخلاقي، بل ضرورة استراتيجية. فبقاء غزة في حالة دمار يعني استمرار الفوضى، وتغذية التطرف، وإبقاء المنطقة في دائرة النزاعات. ومن هنا، فإن أي مشروع عربي لإعادة الإعمار أو المشاركة فيه، يجب أن يرتبط برؤية سياسية شاملة، تتضمن آلية عربية واضحة لإدارة المساعدات، وضمان عدم استخدامها أو توظيفها.

لن يكون التوصل إلى موقف عربي موحد أمرًا سهلًا، فالتباينات في أولويات الدول العربية، والضغوط الدولية، والرغبة في تجنب مواجهة مباشرة مع القوى الكبرى، كلها عوامل تُعقد صياغة رؤية عربية متماسكة. مع ذلك، فإن استمرار التجاذبات دون بلورة موقف حاسم سيؤدي إلى مزيد من التهميش العربي في المعادلة السياسية، ليخرجه منها في وقت لن يكون بعيد أبدا.

من المهم أن تخرج قمة الرياض بقرارات حازمة تضع خارطة طريق عربية متكاملة، تشمل آلية تنفيذية لإعادة إعمار غزة، وتشكيل موقف عربي موحد في المحافل الدولية لمنع محاولات تصفية القضية الفلسطينية وتعزيز الدور العربي في الملف الفلسطيني بعيدًا عن الانقسامات، وربط الدعم الإنساني باستراتيجية سياسية طويلة الأمد تصون حقوق الفلسطينيين.

قمة الرياض لن تكون مجرد اجتماع طارئ؛ بل لحظة اختبار تاريخي لقدرة العرب على استعادة زمام المبادرة، في ظل التحولات الجيوسياسية، لذا يجب أن ندرك كعرب أن ترك غزة الان لن يكون خطرًا على الفلسطينيين فحسب، بل سيمتد إلى كل دولة عربية.

إن بناء موقف عربي موحد تجاه غزة اليوم، هو استثمار في استقرار المنطقة غدًا. فهل تكون قمة الرياض نقطة تحول، أم تظل فرصة أخرى ضائعة في تاريخ العمل العربي المشترك؟!

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى