مقالات

الأحزاب ودروس الانتخابات الأخيرة

بقلم فادي السمىدلي

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

الانتخابات النيابية انتهت قبل أشهر قليلة وكشفت نتائجها عن صورة المشهد السياسي، فالأحزاب التي فشلت في تحقيق نتائج ملموسة، وخاصة تلك التي تملك تاريخًا سياسيًا والتي صوبت وضعها بموجب قانون 2022، وجدت نفسها في مواجهة حقائق صادمة فبعض هذه الأحزاب التي اعتمدت على تكرار الاساليب والشعارات الرنانة واللعب على أوتار متعددة، دون تقديم برامج حقيقية تعالج القضايا الاجتماعية والاقتصادية الملحة، تعرضت لانتكاسة عميقة أفقدتها الكثير من ثقة جماهيرها.

الأحزاب القديمة والتي ظنت أن مجرد حضورها في الساحة السياسية كفيل بأن يمنحها الدعم الكافي للنجاح، تجاهلت الحقيقة الأهم أن المشهد السياسي تغير، وأن الشعب لم يعد يقبل بالتسويات الشكلية أو الوعود الجوفاء فهذه الأحزاب لم تدرك أنها باتت تعيش في عصر لم تعد فيه الولاءات التقليدية كافية، وأن اللعب على مشاعر الانتماء العاطفي أو إثارة المخاوف والتخويف من الآخر لم يعد يجدي نفعًا مع ناخب بات أكثر وعيًا وقدرة على التفريق بين من يقدم حلولًا واقعية ومن يبيع الأوهام.

لقد اعتمدت بعض هذه الأحزاب على أساليب مستهلكة بالية، ظنًا منها أن القاعدة الشعبية ستظل أسيرة لروايات قديمة واستراتيجيات أثبتت فشلها مرارًا وتكرارًا فتلك الأحزاب تناست أن الشعب هو صاحب الكلمة الفصل، وأنه لا يمكن خداعه إلى ما لا نهاية وظنت أن بإمكانها ارتداء “طاقية الإخفاء السحرية”، في محاولة للهرب من محاسبة الجماهير، واستخدمت كل الوسائل الممكنة لإيهام الناخبين عبر وعود غير واقعية وهمية لا تلامس حقيقة احتياجات الناس والنتيجة كانت صفعة قوية لهذه الأحزاب التي باتت خارج معادلة التأثير القوي فقد أصبح تأثير بعضها بلا طعم ولون ورائحة.

الأحزاب التي فشلت، ونؤكد خاصة القديمة منها (قبل قانون 2022)، عانت من شيخوخة سياسية مبكرة وعجز عن مواكبة التغيرات المجتمعية والاقتصادية فهذه الأحزاب لم تقم بمراجعة ذاتية حقيقية، بل بقيت تعتمد على البيروقراطية الداخلية وتجاهل الأصوات الجديدة والشابة، مما جعلها بعيدة كل البعد عن نبض الشارع فركزت على تعزيز مواقع قيادتها التقليدية دون فتح الأبواب للوجوه الجديدة أو طرح أفكار مبتكرة ولذلك، عندما حانت لحظة الحسم في صناديق الاقتراع، اكتشفت أن جمهورها ولى عنها هاربًا، فقد كشفها على حقيقتها وتخلى عنها لأن الزمن تجاوزها.

من ناحية أخرى، هناك جانب آخر وهو أن تلك الأحزاب القديمة لم تعد قادرة على قراءة المشهد بشكل صحيح وكأنه أصابها العمى وظلت تراهن على تاريخ وبأدوات قديمة بالية، متجاهلة تطور العالم وأن الاعتماد على التاريخ لم يعد مضمونًا أو مجديًا فقد ارتكبت هذه الأحزاب خطأً قاتلًا حينما اعتقدت أن بإمكانها الاستمرار في تكرار ذات التكتيكات دون إدراك، ظنًا منها أن الدعم سيأتي من *المارد الخفي*، ونسيت أن المرحلة تتطلب تغييرًا جذريًا في الفكر والخطاب والرؤية.

الأحزاب التي فشلت لم تعِ درس الانتخابات الأخيرة إلا بعد فوات الأوان فالجمهور الذي كانت تعتمد عليه قد انفض عنها لصالح أحزاب أخرى كانت أكثر استعدادًا وقدرة على التعامل مع الواقع فأحزاب استطاعت قراءة المزاج العام وتقديم حلول قد تبدو معقولة للقضايا التي تهم الناس وأما البعض الآخر من الأحزاب القديمة، فقد ظلت عالقة في ماضيها، متشبثة بذكريات أيام مجد لم تعد تعني شيئًا للشعب الذي يبحث عن حلول جذرية لأزماته اليومية.

في النهاية، بعد هذه الهزيمة الانتخابية لهذه الأحزاب، لم يبق أمامها إلا خياران إما الانسحاب من الساحة السياسية وترك المجال لأجيال جديدة، أو القيام بمراجعة جذرية لطريقة عملها وفكرها السياسي لكن هذه المراجعة لن تكون سهلة إذا استمر التعنت والتمسك بالكرسي على حساب المصلحة العامة فالأحزاب التي تعتمد على ثقافة سياسية تقليدية غالبًا ما تجد صعوبة في التكيف مع التغيرات الجديدة وإذا لم تستطع إعادة بناء نفسها بسرعة وتقديم خطاب سياسي جديد يتناسب مع تطلعات الناس، فإنها ستنتهي إلى أن تصبح جزءً من الماضي السياسي المنسي عاجلا ام آجلا فالمواطن اليوم يريد حلولًا واقعية ووجوهًا بأفكار جديدة تلامس همومه ، فلا يريد أحزابًا تعيش في ظلال تاريخها، بل أحزابًا قادرة على مواجهة تحديات المستقبل بحلول عملية وشجاعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى