تحقيقات وتقارير

هل تسلم موسكو الاسد لسوريا

الاردن اليوم _  شهدت الساحة السورية تحولات دراماتيكية بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، حيث أصبحت البلاد محط أنظار المنظمات الدولية والحقوقية التي تسعى إلى مساءلة المتورطين في الجرائم التي ارتُكبت خلال أكثر من عقد من الصراع. وتتصدر قائمة المطلوبين للمحاكمة الرئيس المخلوع بشار الأسد، الذي لجأ إلى موسكو منذ ديسمبر الماضي، مما يطرح تساؤلات حول إمكانية تسليمه للعدالة الدولية.

مع انهيار نظام الأسد، بدأت فرق التحقيق الأممية والمحلية جمع الأدلة من مواقع كانت تُستخدم كمراكز احتجاز وتعذيب، مثل سجن صيدنايا. هذه الجهود كشفت عن مقابر جماعية وآلاف المختفين قسريًا، لكن العمل على كشف الحقائق وتحديد هوية الضحايا قد يستغرق سنوات طويلة.

في هذا السياق، دعا فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، إلى تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا، مشددًا على أهمية بناء نظام قانوني محلي يُمكّن من إجراء محاكمات عادلة. كما أبدى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم أحمد خان، استعداد المحكمة لدعم السلطات السورية الجديدة في تحقيق المساءلة.

الموقف القانوني لموسكو وتسليم الأسد

منذ لجوء بشار الأسد إلى موسكو، باتت مسألة تسليمه قضية شائكة. موسكو ليست طرفًا في نظام روما الأساسي الذي يُنشئ المحكمة الجنائية الدولية، وسبق أن أكد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن روسيا لا تعتزم تسليم الأسد بناءً على طلب المحكمة الجنائية الدولية، معتبرًا أن الأسد “آمن” في روسيا.

لكن على الرغم من ذلك، هناك اتفاقية ثنائية بين روسيا وسوريا، وُقعت عام 2022، تنص على تسليم المطلوبين في قضايا جنائية بين البلدين. هذه الاتفاقية قد تشكل أساسًا قانونيًا لتسليم الأسد، خاصة إذا قررت السلطات الروسية استخدام هذه الوسيلة لتجنب الضغوط الدولية.

البُعد السياسي والمقايضات المحتملة

التطورات السياسية تلقي بظلالها على قضية تسليم الأسد. موسكو قد تسعى إلى استخدام الأسد كورقة تفاوضية لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية في سوريا، مثل الحفاظ على قواعدها العسكرية في اللاذقية وطرطوس. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو قد يصطدم بمطالب أوروبية وأميركية بخروج روسيا من الأراضي السورية كجزء من تسوية شاملة للصراع.

المختصون في القانون الدولي يؤكدون أن العملية القانونية لتسليم الأسد قد تكون مرهونة بالتوازنات السياسية بين موسكو ودمشق الجديدة، في حين أن التجارب السابقة تشير إلى أن روسيا سبق أن سلمت مطلوبين عبر قنوات مثل الإنتربول.

             العدالة على المحك

تزامنًا مع هذه التطورات، تعمل لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا على إعداد قوائم سرية تضم آلاف المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

الهدف الأساسي هو ضمان محاكمة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، وعلى رأسهم بشار الأسد. وتؤكد اللجنة أهمية التركيز على محاسبة القيادات العليا التي تتحمل المسؤولية الأكبر عن الجرائم المرتكبة.

            استنتاجات وخلاصة

بينما تواصل سوريا مساعيها نحو العدالة الانتقالية وإعادة بناء مؤسساتها، يبقى مصير بشار الأسد في يد موسكو، التي قد تتخذ قرار تسليمه بناءً على اعتبارات سياسية وقانونية معقدة. السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستختار روسيا التعاون مع المجتمع الدولي لتسليم الأسد، أم ستحتفظ به كورقة ضغط لتحقيق مصالحها في المنطقة؟ في جميع الأحوال، يبقى مطلب العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم في سوريا أولوية للمجتمع الدولي وللشعب السوري الذي عانى طويلًا من ويلات الحرب والديكتاتورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى