إعادة ضبط سلوك السياسة الخارجية ، والبدء بتعريف مصالح الأردن الاستراتيجية من جديد
كتب :المهندس سليم البطاينه
الأردن اليوم : يحِلّ الصيف دائماً قاسياً في الشرق الأوسط ، ويبدو أن صيف هذا العام يحمل المزيد من المفاجآت على صعيد التحالفات و الإزاحات الجغرافية السياسية الجديدة.
خسر الأردن أدواراً كثيرة كان من الممكن أن يلعبها بسهولة لولا ارتباطه العميق بالولايات المتحدة الأمريكية ! وتأخر جداً عن ركب الدول من حوله التي تسعى لمصالحها وأمنها وتنمية اقتصادها.
ولا يمكن النظر للمشهد بالمجمل ما لم يتم الاحاطة بكافة عناصره خصوصاً في ظل مشهد إقليمي معقد وعصيٌ على التنبؤ ،،، فالارتباط الأردني بسياسة الدول المانحة والمُقرضة على المستوى الاقتصادي والعسكري أدى إلى زيادة الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية على صانع القرار السياسي ، وكان له الأثر البالغ في تقييد السياسة الخارجية الاردنية في خيارات توجهها وسلوكها ، وتفاعلها تجاه القضايا الإقليمية !
إن الشرح الوافي لمحددات السياسة الخارجية الأردنية بات ضرورة قصوى لمراجعة محددات الأمن القومي الأردني لفتح المجال لإعادة تقييم الواقع السياسي الجديد من حولنا ، ولإجراء مراجعات مكثفة لكل فصول المراحل السابقة ، وإلى دراسات موضوعية لكُل السياسات الخارجية لتقييم مصالحنا من جديد وفقاً لمعادلات الربح والخسارة عن طريق إجراء مراجعة علمية ودقيقة لعلاقاتنا مع دول الجوار والإقليم وباقي دول العالم.
فالدعوة لمراجعة السياسة الخارجية تذكرنا بدعوات الإصلاح إياً كان نوعه ،،، فهي شيء صالح لكل زمان ومكان.
المد والجزر قد تكون العبارة الأكثر وصفاً لعلاقات الأردن بدول الجوار والإقليم ، فلا تكاد تكون العلاقات متينة حتى تتعكر لسبب ما ؟ فالفعل هنا يستهدف شيئاً ما ،، وردة الفعل تعيق وتصدُ هذا الشيء !
وبسبب ذلك تم تجاوز الاردن سياساً وأقتصادياً وتهميش دوره واضعافه ، وفقدانه للمناورة السياسية ( اللعبة التي كُنا نجيدها سابقاً ) خصوصاً في ظل غياب الكثير من رجالات الدولة الخبراء الذين نحتاجهم في هذه الظروف.
الأردن عملياً انتقل إلى مرحلة الاستهداف الفعلي ! وبتنا لا نعرف أين نحن الآن من الجغرافيا السياسية الجديدة لمناطق النفوذ الإقليمي في المنطقة ،،، ومن الخارطة الدبلوماسية الجديدة التي تتشكل من حولنا ؟!
ما نراه أن هنالك مرحلة جديدة بدأت في التحالفات والمصالحات داخل الإقليم ،،، حيث تشهد منطقة الخليج إعادة ترسيم خارطتها الدبلوماسية وإزاحتها الجغرافية نحو ايران وسوريا وروسيا.
فعلى ما يبدو أن حالة من الضبابية والغموض بدأت تسيطر على المناخ السياسي الأردني بعد الخطوة السعودية بإعادة علاقاتها مع إيران ، وما يجري يكشف عن إرهاصات لتغيرات تتشكل في الإقليم بشكل جديد ستفضي إلى خارطة دبلوماسية جديدة.
وإن السياسة الخارجية كما نعرف متقلبة حكماً ، وهي دائماً تخضع لعنوان عدو الأمس قد يكون صديق اليوم ،،، والأخير قد يكون عدو الغد.
فجميع الدول تسعى عبر سياستها الخارجية الى ترتيب أوضاع مستقبلية خارج حدودها خدمة لمصالحها ،،، وكلما امتلكت الدولة عناصر القوة كلما كانت أكثر قدرة في تحقيق أهدافها الخارجية ، وخدمة مصالحها القومية التي تشمل حماية الدولة وضمان أمنها.
لكن المعضلة أن سياستنا الخارجية تعددت مرجعياتها داخلياً وخارجياً وما زالت نائية بنفسها عن محيطها مما جعلها تسير بإتجاه الحذر والتردد ،،، فإبتعاد الأردن عن محيطه والقفز عنه سيجعله في خانة ضيقة جداً ! فعلى ما يبدو أن البراغماتية تفرض علينا الجمع بين ما يبدو غير قابل للجمع.
يعوم الأردن اليوم في بحر أزماته من فقر وبطالة وحراك غاضب في الشارع ، وركود في معظم قطاعاته الانتاجية ، وكل ذلك يفرض علينا البحث عن بدائل وحلول سريعة لمحاولة الخروج من مستنقع أزماتنا ، والبدء فورًا في عملية مراجعة دقيقة وعلمية للمواقف السياسية الخارجية بإزاحة جغرافية قدر المستطاع باتجاه محاور الإقليم.
ولنتذكر عندما أراد الاردن فتح أسواقه التصديرية لتقوية اقتصاده مع سوريا ، تم منعه من قبل موظف صغير في السفارة الأمريكية بعمان ،،، والحجة قانون قيصر.
لم نعد نحتمل ! ولماذا لا نعترف أننا مستهدفون ،،، قلنا كلمة متأكدين منها ! إلى متى الانصياع والانقياد السياسي للولايات المتحدة الأمريكية ؟ فأمريكا تُمارس إبتزاز الاردن وتريده أن يكون أداة لتنفيذ مشاريعها بالمنطقة مستغلة الوضع الاقتصادي وارتفاع الدين العام لمستويات غير مسبوقة.
فالسياسة الخارجية تحتاج نظرة ثاقبة وتحليل دقيق وعقلاني وخبرة حكيمة ودراية ببواطن الأمور ، وتعاطياً متزناً مع الوقائع والأحداث المستجدة والمستقبلية ،،، كما تحتاج إلى قدرة عميقة لترتيب الأفكار واستنساخ العبر للخروج بنتائج منطقية ومقبولة تُحاكي الظرف الراهن.
تعاني السياسة الخارجية الاردنية أحيانًا من غياب الرؤية الاستراتيجية ،،، ناهيك عن أنها مغيّبة عن منظومة التحالفات الإقليمية ! و هناك تناقضات في ممارسات السياسة الخارجية مع الاهداف المعلنة ،،، حيث تعكس سياسة الأردن داخل الإقليم هواجس متعددة لا تتماشى مع مكانتها السياسية في المنطقة ،،، إضافة إلى افتقارها المشاركة الوطنية الحقيقية في تحديد المصالح الوطنية للأردن بعيدة عن استقلال القرار الوطني الاردني وعدم التبعية لقوة دولية على حساب أخرى وعن الهيمنة الأمريكية ،،، والنتيجة خَلُصت أن السياسة الخارجية الأردنية لا تراعي بدقة حسابات المصلحة المبنية على حسابات الربح والخسارة.