في ساعة لم يحتسبها الزمن ، رحل الدكتور عارف البطاينه عن عالمنا وغادر إلى الضوء الذي يليق به
الأردن اليوم – المهندس سليم البطاينه- لا شك أن أصعب اللحظات التي يمكن أن يعيشها الانسان ان يكتب نعياً أو رثاء لعزيز على قلبه ،،، فالرثاء صعب ، ورثاء شخص بحجم الدكتور عارف أكثر صعوبة ،،، فالكلمات لا تريد أن تصدق أنه رحل.
فهنالك شخصيات تفرض عليك التوقف أمامها ، بغض النظر إن عرفتها أو لم تعرفها ! حتى في رحيلها تستدعيك لإنصافها ومنحها بعض ما تستحق من الوفاء.
الموت يأتي على الجميع لكن الخلود لا يأتي إلا لمن اراد ! وما بين الموت والخلود يقف النسيان ، فالتاريخ الحقيقي لمن لا يعرف يُكتب بمداد المحبين لا المحايدين ،، وكثيرون يلهثون للّحاق بالمجد والفوز بكلمة أو سطر يحسبه التاريخ لهم ! بينما يلهث التاريخ للحاق بأخرين عله ينير صفحاته بأفعالهم وسيرتهم.
قدّر الله وما شاء فعل ، ولن نقول إلا ما يرضي الله عز وجل ،، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير وأنا لله وأنا أليه راجعون ،،،، فقد كان نبأ وفاة الدكتور عارف كالصاعقة ، ولم يكن ككل الأنباء التي ألفناها ،،،،، فعندما أتكلم عن الدكتور عارف فأنا أتكلم عن زعيم وحكيم وعن زمن جميل ، وعن وطن كبير وحب لا يموت.
لم نعتد أن يستسلم الباشا للمرض بسهولة ،وهو لم يفعل ،،، فعلى أمتداد مرضه كله كان يشعرنا أنه معنا في كل يوم ،، ولعله أنجز في جلوسه في البيت أكثر مما كان لينجزه في المدة ذاتها من حياته المعتادة ،،، فقد كان حاضراً دائماً دون توقف ، وعندما رحل رحل دون توقف ،،، فأكثر من تسعون عاماً عاشها الباشا لم يدر بالاً للكلمات ولا للأذى ،،، فتعامله مع الحياة كان بسيطاً كبساطة أبتسامة لا تحتاج إلى سبب ،، فهي أبتسامة مجانية من القلب إلى القلب.
كان مناوراً ذكياً ومفكراً ومتوحداً في انسانيته ومنسجماً مع ذاته ، ويملك حساً استباقياً مذهلاً عند معالجته لأية مشكلة ! وكان يعالج أية نتوءات عند غيره بمصداقية الصراحة ووضوح الرأي ،،،،، وكلماته الحلوة احيانا كانت تخرج منه كالسهم تفكك طلاسم هذا العالم الرديء.
الكل يعرف أنه ذكي لماح لا يستطيع احد ان يكذب أمامه، فقد كان حاضراً في كل مكان وجزء من حياة الكثيرين ، وكان في علاقاته مع الاخرين لا يدخل عبر مواصفات مقننة بقدر ما كان مفتوح القلب ، فقد نأى عن نفسه صغائر الأمور ، فكان كبيراً وزعيماً.
وكان الرقم الصعب والمعادلة الصعبة، وصاحب مواقف صادقة وثابتة ، سديد الرأي وصادق المشورة، شغوفاً يحب الحياة ، ويحب الناس ، ويترفّع عن الذات وأمراضها ، مليئاً بحيوية مفرطة ،،، أصدقائه ومحبيه عدد النجوم.
شريط متسارع يدور ويدور في ذاكرتي ، حيث تبدو تفاصيل الذكريات معه كما لم أعرفها من قبل !! فقد رحل الباشا عن عالمنا في ساعة لم يحتسبها الزمن.
سيدي لقد أوجعت قلوبنا بفراقك ورحيلك المفاجىء ،،، فلا أملك وانت تغادرنا إلا أن أقول لك لقد خسرناك بحق ، ومن الصعوبة بمكان تعويضك ،، لأنه من الصعب أن يملئ مكانك آخرون من بعدك.
لن ننسى صورتك فالصورة في مكانها والهيبة تملاء أرجاء المكان ،، والحزن لون كل شيء بلونه الرمادي ، وغير طعم كل شيء.
فذكراك ستبقى مورقة بيننا وبين من أحبك ،، وكل الكلمات التي يمكن أن تقال في وداعك أصغر منك وأصغر من هامتك ،،،،، نذكر ابتسامتك وضحكتك وأسلوبك وصوتك وسمو أخلاقك ،،،،، رحم الله ضحكتك التي لا تنسى أبداً ، وبسمتك التي لا تغيب عن بالي.
عجباً من كل هذا الحضور في جنازته ومأتمه وكأنه يعرف الدنيا كلها ،،، فماذا قدم الباشا لينال هذا الحب الذي جعل هذه الجموع تزحف خلف نعشه وفي مأتمه ؟ فلو أنفقت ما في خزانتك ما أستطعت أن تجمع هؤلاء في وقت واحد ! لكن وراء ذلك بالتاكيد سر ،، وهو دون أدنى شك سر رباني.
سيفتقدك الكثيرون من أصدقائك مثل الدكتور حاكم القاضي وياسين الحسبان وممدوح العبادي وجمال الصرايرة وغازي بقاعين ، وداود حنانيا ، وغالب الزعبي ، ويوسف القسوس وكثيرون من لم تسعفني الذاكرة لذكرهم ،،، وسيذكرون له أفعال وأقوال ومواقف أرتبطت بأحداث معينة.
وها انت تغادرنا دون وداع سيكون لك جميل اللقاء مع رفيقة دربك وحبك هيفاء أم علاء عليها رحمة الله.
مصابنا فيك هو مصاب الجميع ، وفراقك أبكاني وأبكى كل من عرفك عن قرب.