دغ بلغ ! عبارات السفير الامريكي في عمان تعزز غموض المشهد الاقتصادي القادم.

311

بقلم : المهندس سليم البطاينه

في الآونة الاخيرة بدأنا نسمع كثيراً من المصطلحات ذات أبعاد معقدة يتداخل فيها السياسي والاقتصادي دون الانتباه لحمولتها المعرفيه والسياسية لانها كناية عن شيء غير الذي تعنيه ،،، مصطلحات نحن لا ندرك معناها كالهوية الجامعة التي القت حمولتها الزائدة على مفهوم الهوية الوطنية ،،، و وضِّفت توضيفاً عائماً وضبابياً لأغراض الشيطنة السياسية ،،، ومفردة الاردن الجديد ،،، ونمو اقتصادي محفوفٌ بالمخاطر قد يتطلب التضحية ،،، وتضحيات اقتصادية مؤلمة تنتظرنا ، بحيث صار مألوفاً اعادة مضغ وتدوير تلك المصطلحات والمفردات ذات المعاني المجهولة والمقلقة.

 

نحن هنا امام عقلانية سياسية تحاول ان تحلل وتحكم على كلمة السفير الامريكي المنتهية ولايته في عمان Henry T .Wooster في مناسبة احتفال سفارة امريكا بالذكرى ٢٤٧ لإستقلال الولايات المتحدة الامريكية ،، والتي نشرتها صحيفة عمون الاخبارية باللغة العربية بتاريخ ٧/١٠/٢٠٢٣ ، وهي منشورة باللغة الانجليزية على موقع السفارة الامريكية في عمان.

 

عادة ما يستعمل السياسيين مصطلحات يميزون فيه بين معنى الكلمة ومرجعها وعلاقتها بما تعنيه من أشياء، فبعض العبارات باللغة الانجليزية قد تبدو غامضة وتحمل معاني غريبة اذا دققنا بها !وعبارات السفير التي لم ينتبه لها احد جاءت غامضة تحفل بالاستعارات اللغوية لمن قرأها باللغة الانجليزية ،،، لكن ما يهمنا في كلمته عندما أشار الى ان النمو الاقتصادي الاردني محفوف بالمخاطر وقد يتطلب التضحيات ،،، فقبل اكثر من خمسة عشر شهراً قال وزير المالية الدكتور محمد العسعس ( ان هناك تضحيات مؤلمة تنظرنا !! ) ثم اختفى وتوارى عن المشهد ! وهو بالتأكيد لا يحتاج الى مناورة ليقول لنا ذلك.

 

يصعُب على القارىء أو المستمع غير المتخصص الاستدلال في فهم معاني كلمات السفير الامريكي Henry T .Wooster ، وإن ينفذ الى مقاصده لوعورة أسلوبه وبراغماتية آراءه وكثرة مصطلحاته وتعقُدها وضبابيتها ! فهو من أكثر الشخصيات السياسية الامريكية التي تُجيد فن المراوغة واللعب بالمصطلحات ، فقد وصفه رئيس تحرير جريدة الواشنطن بوست الامريكية بالسفير الشبح ،،،، فهو صاحب مصطلح ( الاردن الجديد ) الذي اطلقه امام لجنة الاعتماد بالكونجرس الامريكي قبل مجيئه للأردن بأيام ،،، ذلك المصطلح الذي أثار جدلاً واسعاً بين الاردنيين ،، وهو ايضاً صاحب مصطلح لقد تحالفنا مع الدولة العميقة في الاردن ( كان ذلك بمحاضرة له بالجامعة الاردنية في آذار ٢٠٢٢).

 

كعب أخيل في الخريطة الاردنية هو الاختناق الاقتصادي الذي انعكست اثاره على الخارطة الاجتماعية والسياسية الداخلية ، فقد تعددت الحكومات في الاردن وتبادل معظمها أدوار الفشل فيما بينها ،،، فلا يحدث الخراب إلا في بلد فشل في التنمية ، وفشل الحكومات في الاردن ناتج عن غياب القدرة على تطوير وسائل الانتاج وميلها المُزمن للأستدانة وانتظار المنح والمساعدات ،،، فالاقتصاد الاردني ما زال حتى الآن عاجزاً في قدرته على توليد فرص العمل ! والحكومات جمعيها ساهمت في تحويل الاقتصاد الاردني الى اقتصاد استهلاكي ودمرت هيكل الانتاج المحلي الاجمالي في قطاعات الصناعة والزراعة وقطاعات اخرى.

 

ان الفقر يفسد الاصلاحات بشكل عام أياً كان نوعها ،،، فلا مواطنة مع الفقر ولا مشاركة سياسية حقيقية في انتخابات او انخراط في الاحزاب السياسية ! فالتمتع بالحقوق السياسية رهين بالتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والاردن لم تعد تحتمل المزيد من تسويف الوقت وضياع الفرص ،،، فالاردنيون ملوا من انتظار الحلول التي لا تأتي أبداً واصبحوا غير قادرين على تحمل الوضع الاقتصادي الحالي لانه وضع يدفع الى الهلاك نتيجة البطالة والفقر الشديد ،،، فالانفلات الاقتصادي هو أشد خطورة من الانفلات الامني.

 

وفقراء الاردن ومن تبقى من افراد الطبقة الوسطى لم يعودوا مستعدين لمواصلة لعب دور الضحية ، لأنهم كانوا دوماً يدفعون الثمن وحدهم دون غيرهم، وكما يتراءى لنا أصبحو ضحية تيه نفسي وعقلي ! ولم يعودوا يفهمون ما يحدث وسط كل اللامعقول واللا مقبول من تناقضات ،،،، واصبح ليس باستطاعتهم تحمل عشر سنوات قادمة من الوعود.

 

للاسف نحن نعيش مع ملهاة مستمرة لا نهاية لها ! ونعرف ان اقتصادنا لطالما افتقر الى الشفافية ، لكن لابد من مصارحة الناس الى اين نسير ؟ وعند أي محطة سنتوقف ؟ ففي حياتنا الكثير من اللحظات التي تضطرنا لحبس أنفاسنا بأنتظار شيء لا نعرف حقيقته.

 

فهنالك فرقٌ بين الخوف والقلق ،، الخوف يعني ان هناك ثمة شيء تخاف منه ،،، أما القلق فليس بالضرورة ان تعرف مصدره.

التعليقات مغلقة.