العمل الدولية: انخفاض ساعات عمل الدول العربية الآسيوية بنحو 5 ملايين وظيفة في 2020

38

أظهر تقرير صدر، الاثنين، عن منظمة العمل الدولية، بوادر تعافٍ أولية بعد اضطراب غير مسبوق في عام 2020؛ بسبب جائحة كوفيد-19.

وأكدت تقديرات سنوية جديدة في الإصدار السابع من “مرصد منظمة العمل الدولية: كوفيد-19 وعالم العمل” الضرر الكبير الذي لحق بأسواق العمل في عام 2020، حيث تظهر الأرقام الأخيرة أن 8.8% من ساعات العمل العالمية فقدت خلال العام الماضي بأكمله (مقارنة بالربع الرابع من عام 2019)، أي نحو 255 مليون وظيفة بدوام كامل، ما يعادل تقريبا أربعة أضعاف الخسارة المسجلة في الأزمة المالية العالمية لعام 2009.

وسبب هذه الخسائر هو، إما تخفيض ساعات عمل الذين مازالوا يعملون، أو الارتفاع “غير المسبوق” في عدد الذين فقدوا وظائفهم، ويصل إلى 114 مليون شخص.

وأوضح التقرير أن اللافت للنظر أن 71% من خسائر الوظائف (81 مليون شخص) حصل بسبب الخمول، وليس البطالة، أي أن الناس تركوا سوق العمل؛ لأنهم غير قادرين على العمل، إما بسبب قيود الجائحة، أو ببساطة لأنهم توقفوا عن البحث عن عمل. والنظر إلى مؤشرات البطالة وحدها يقلل بشكل كبير من تقديرات آثار كوفيد-19 على أسواق العمل.

وأدت هذه الخسائر الهائلة إلى انخفاض دخل العمل العالمي بنسبة 8.3% (قبل إدراج تدابير الدعم)، أي نحو 3.7 تريليون دولار أميركي، أو 4.4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

فقدان ساعات عمل في 2020

وأكدت تقديرات سنوية جديدة أن جميع أسواق العمل في العالم تضررت في عام 2020 على نطاق غير مسبوق تاريخيا، فقد ضاع 8.8% من ساعات العمل في العالم مقارنة بالربع الرابع من عام 2019، أي نحو 253 مليون وظيفة بدوام كامل.

وكانت خسائر ساعات العمل مرتفعة بشكل خاص في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وجنوبي أوروبا وجنوبي آسيا، وخسائر ساعات العمل في عام 2020 كانت أكبر بأربع مرات تقريباً منها خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2009.

وتحليل هذه الأرقام السنوية والتقديرات الفصلية المعدَّلة يُظهر كيف تطور الوضع على مدار العام، حيث عُدلت التقديرات لتقلل كثيرا من الخسائر في ساعات العمل في الربع الثالث من عام 2020 وتضعها عند مستوى 7.2% (بعد أن كانت 12.1% في الإصدار السادس من تقرير مرصد منظمة العمل الدولية)، مما يعكس انتعاشا أقوى من المتوقع في ساعات العمل، ولا سيما في البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى.

وأوضح التقرير أنه في الربع الأخير، تراجعت ساعات العمل العالمية بنسبة 4.6%، أي نحو 130 مليون وظيفة بدوام كامل.

وفي الدول العربية الآسيوية، بلغت نسبة الانخفاض التقديرية في ساعات العمل 9% في عام 2020؛ أي نحو 5 ملايين وظيفة بدوام كامل.

وفي وقت إعداد هذه التقديرات، لم تكن قواعد بيانات منظمة العمل الدولية تضم أي معلومات من مسوح القوى العاملة عن أثر كوفيد-19 في أي بلد في المنطقة.

ولذلك، فإن عدم اليقين المرتبط بها كبير، حيث تشير التقديرات إلى أن البلدين الأكثر اكتظاظا بالسكان في المنطقة، وهما العراق والمملكة العربية السعودية، قد سجلا خسائر قدرها 8.3% و10.8% على التوالي.

أما في شمال إفريقيا، فتراجعت ساعات العمل في عام 2020 بنسبة 10.4%، أي نحو 6 ملايين وظيفة بدوام كامل.

تضرر فئات وقطاعات

وأفاد التقرير أن النساء تضررن أكثر من الرجال باضطرابات سببتها الجائحة في سوق العمل، حيث خسر 5% من نساء العالم وظائفهن مقابل 3.9% للرجال.

وبالتحديد، كانت النساء أكثر عرضة من الرجال للخروج من سوق العمل أو لحالات الخمول، وتضرر العمال الأصغر سناً أكثر من غيرهم، إما بخسارة وظائفهم، أو مغادرة قوة العمل، أو تأخير الالتحاق بها.

وخسر 8.7% من الشباب (15-24 سنة) وظائفهم، مقابل 3.7% للراشدين، حيث يقول المرصد، إن هذا “يكشف مخاطر حقيقية جدا بنشوء جيل ضائع”.

وأوضح التقرير الأثر غير المتكافئ على مختلف القطاعات الاقتصادية والجغرافية وقطاعات سوق العمل، كما يسلط الضوء على مخاوف من حدوث “تعافٍ يأخذ شكل حرف K”، حيث يمكن لعملية التعافي أن تهمل القطاعات والعاملين الأكثر تضرراً؛ مما يفاقم اللامساواة، ما لم يتم اتخاذ تدابير تصحيح.

وبين التقرير أن القطاع الأكثر تضررا هو الفنادق والمطاعم، حيث انخفض عدد الوظائف فيها بأكثر من 20% وسطيا، تليه تجارة التجزئة والتصنيع.

وفي المقابل، ازداد عدد الوظائف في قطاعات الإعلام والاتصالات والبنوك والتأمين في الربعين الثاني والثالث من عام 2020، كما سُجلت زيادات بسيطة في الصناعات الاستخراجية والمرافق العامة.

“3 سيناريوهات للتعافي”

رغم استمرار درجة عالية من عدم اليقين، تظهر أحدث التوقعات لعام 2021 أن معظم البلدان ستشهد تعافيا قويا نسبيا في النصف الثاني من العام، مع تفعيل برامج اللقاحات.

يستعرض المرصد ثلاثة سيناريوهات للتعافي: بقاء الوضع الحالي، وسيناريو متشائم، وسيناريو متفائل، حيث يتوقع سيناريو الوضع الحالي (الذي يستخدم توقعات صندوق النقد الدولي في تشرين الأول/أكتوبر 2020) خسارة 3% من ساعات العمل عالمياً في عام 2021 (مقارنة بالربع الرابع من عام 2019)، أي نحو 90 مليون وظيفة بدوام كامل.

في حين يتوقع السيناريو المتشائم، الذي يفترض حدوث تقدم بطيء لاسيما في اللقاحات، انخفاض ساعات العمل بنسبة 4.6%، ويتوقع السيناريو المتفائل انخفاضها بنسبة 1.3%، وسيتوقف ذلك على مستوى السيطرة على الجائحة وزيادة ثقة المستهلك وقطاع الأعمال.

وفي جميع السيناريوهات، ستخسر أميركا الشمالية والجنوبية وأوروبا وآسيا الوسطى نحو ضعف ساعات العمل المفقودة في المناطق الأخرى.

وأوصى المرصد بمواصلة سياسات اقتصاد كلي ملائمة في عام 2021 وما بعده، بما في ذلك الحوافز المالية ما أمكن، وتدابير دعم الدخل، وتشجيع الاستثمار، وتطبيق تدابير مدروسة للوصول إلى النساء والشباب والعاملين ذوي المهارات الضعيفة والأجور المتدنية وغيرهم من الفئات الأشد تضررا.

المرصد، دعا إلى دعم دولي للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط – التي لا تكفي مواردها المالية لتعميم اللقاحات، وتعزيز التعافي الاقتصادي والتوظيف، وتركيز الدعم على القطاعات الأكثر تضرراً إلى جانب إيجاد وظائف جديدة في القطاعات سريعة النمو.

وأوصى المرصد إلى الحوار الاجتماعي لتنفيذ استراتيجيات التعافي اللازمة لبناء اقتصادات أكثر تشاركية وإنصافاً واستدامة.

“إغلاق أماكن عمل”

أوضح التقرير أن نسبة العمال الذين يعيشون في بلدان فرضت قيودا لوقف انتشار كوفيد-19 بقيت مرتفعة، حيث يعيش 93% من عمال العالم في بلدان ما زالت حتى مطلع كانون الثاني/يناير 2021 تطبق نوعا من تدابير إغلاق أماكن العمل.

وتدريجيا، باتت هذه التدابير تستهدف مناطق وقطاعات بعينها أثناء تفشي الجائحة، وهي لا تزال تؤثر على 77% من العمال مع بداية العام؛ (وهو رقم يقترب من الذروة البالغة 85% التي سجلت أواخر تموز/يوليو 2020).

“فرص عمل وبطالة”

على الصعيد العالمي، تُرجم انخفاض ساعات العمل في عام 2020 إلى خسائر في الوظائف، وتراجع ساعات عمل من بقي يعمل مع تباين كبير بين المناطق، حيث بلغت الخسائر في الوظائف أقصاها في الأميركتين، في حين كانت أدنى مستوياتها في أوروبا وآسيا الوسطى، حيث حالت خطط الاحتفاظ بالوظائف دون تراجع ساعات العمل كثيرا، ولا سيما في أوروبا.

وفي الإجمال، كانت هناك خسائر غير مسبوقة في الوظائف عالميا في عام 2020؛ إذ بلغت 114 مليون وظيفة مقارنة مع عام 2019.

ومن الناحية النسبية، كانت خسائر الوظائف أعلى في صفوف النساء 5% منها في صفوف الرجال، كما كانت أعلى في أوساط العمال الشباب 8.7% مقارنة بالعمال الأكبر سنا.

وتجسدت خسائر الوظائف في عام 2020 أساسا في تزايد الخمول وليس البطالة، فالخمول يمثل 71% من خسائر الوظائف في العالم، حيث زاد عدد الخاملين بمقدار 81 مليون شخص؛ مما أفضى إلى تراجع معدل المشاركة في القوى العاملة في عام 2020 بنسبة 2.2 نقطة مئوية ليهبط إلى 58.4%.

وازدادت البطالة في العالم بمقدار 33 مليون شخص في عام 2020، مع ارتفاع معدل البطالة بنسبة 1.1 نقطة مئوية ليصل إلى 6.5%.

“خسائر دخل العمل”

تشير التقديرات إلى أن دخل العمل في العالم (دون الأخذ في الحسبان تدابير دعم الدخل) في عام 2020 انخفض بنسبة 8.3%، أي نحو 3.7 تريليون دولار، أو 4.4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وتعرض العمال في الأميركتين لأكبر خسارة في دخل العمل، حيث بلغت 10.3%، بينما سُجلت أصغر خسارة في آسيا والمحيط الهادئ 6.6%.

“انتعاش في 2021”

توقع تقرير منظمة العمل الدولية حدوث انتعاش اقتصادي قوي في النصف الثاني من عام 2021 مع بدء التطعيم ضد كوفيد-19، إلا أن الاقتصاد العالمي لا يزال يواجه مستويات عالية من عدم اليقين، وثمة احتمال ألا يكون الانتعاش متساوياً.

وتشير أحدث التوقعات إلى استمرار العجز في العمل في عام 2021.

واستنادا إلى جملة أمور منها التوقعات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي والصادرة في تشرين الأول/أكتوبر 2020، يتوقع التصور الأساسي استمرار خسارة ساعات العمل بنسبة 3.0% في عام 2021 مقارنة بالربع الأخير من عام 2019، وهو ما يعادل 87 مليون وظيفة بدوام كامل.

وفي سيناريو أسوأ الاحتمالات، ستبقى خسائر ساعات العمل في عام 2021 عند نسبة 4.6 %، أي 131 مليون وظيفة بدوام كامل مقارنة بالربع الأخير من عام 2019.

وحتى في أفضل السيناريوهات الذي يفترض تشكل ظروف أفضل، لا يزال من المتوقع حدوث خسارة بنسبة 1.3% في ساعات العمل العالمية (أي 36 مليون وظيفة بدوام كامل) في عام 2021 مقارنة بالربع الأخير من عام 2019.

“أثر غير متناسب وانتعاش غير متكافئ”

تكشف أحدث بيانات مسح القوى العاملة (حتى الربع الثالث من عام 2020) عن وجود تناقض بين الخسائر الهائلة في الوظائف في القطاعات الأكثر تضررا (كالسكن، وخدمات الإطعام، والفنون والثقافة، والبيع بالتجزئة، والبناء) والنمو الإيجابي الواضح للوظائف في عدد من قطاعات الخدمات ذات المهارات الأعلى (مثل المعلومات والاتصالات، والأعمال المالية والتأمينية).

ويميل هذا التناقض إلى مفاقمة عدم المساواة داخل البلدان، وفي الوقت نفسه، ثمة تباين كبير بين البلدان في حدة آثار الأزمة على الوظائف في القطاعات الأشد تضررا.

وفي المثل، تبين أدلة مستقاة من البيانات المتاحة عن الدول أن أثر الأزمة على “دخل العمل بعد الدعم” (يشمل دعمَ الدخل الذي يتلقاه العمال) كان متفاوتا بين مختلف فئات القوى العاملة رغم أن تدابير دعم الدخل قد خففت من آثار الأزمة.

وبشكل عام، كانت الخسائر في دخل العمل بعد الدعم أكبر نسبيا في صفوف العمال الشباب والنساء والعاملين لحسابهم الخاص والعمال ذوي المهارات المتدنية والمتوسطة.

ولطالما كان فقدان الوظائف يؤثر على العمال ذوي الأجور والمهارات المنخفضة أكثر من غيرهم، حيث يشير هذا إلى احتمال حدوث انتعاش غير متكافئ، مما يعني زيادة حدة التفاوت في السنوات المقبلة.

“دعم تعافٍ يركز على الإنسان”

يستقبل العالم عام 2021 وهو لا يزال يواجه أزمة غير مسبوقة على صعيد الوظائف والدخل، وتزايد مستويات عدم اليقين. وعلى مدار العام، على سياسات المواجهة الجمع بين حملات التطعيم وتدابير الصحة العامة ودعم التدابير المتعلقة بالاقتصاد والوظائف. وينبغي أن يسعى واضعو السياسات إلى دعم انتعاش قوي وواسع القاعدة يركز على فرص العمل والدخل وحقوق العمال والحوار الاجتماعي: انتعاش محوره الإنسان.

ودعت منظمة العمل الدولية، واضعي السياسات إلى اتباع سياسة ملائمة للاقتصاد الكلي لدعم الدخل والاستثمارات، ومساعدة البلدان متدنية ومتوسطة الدخل في تدابير التطعيم والسياسات العامة.

وأوصت بضمان دعم الفئات الأشد تضررا؛ (وخاصة الشباب والنساء والعمال ذوي الأجور والمهارات المتدنية) في إيجاد وظائف لائقة وعدم تعرضهم لأي آثار على المدى الطويل، وتحقيق توازن بين احتياجات شتى القطاعات مع اتخاذ تدابير فعالة في مجال السياسة العامة دعماً للمنشآت (ولا سيما الشركات الصغيرة) ولعمليات انتقال العمال إلى سوق العمل.

ودعت أيضا إلى تنفيذ استراتيجيات للانتعاش تستند إلى الحوار الاجتماعي، وتعزز التحول إلى عالم عمل شامل ومرن ومستدام.

وقال المدير العام لمنظمة العمل الدولية غاي رايدر: “بوادر التعافي الحالية مشجعة، لكنها هشة وغير مؤكدة بدرجة كبيرة، وعلينا أن نتذكر أنه لا يمكن لأي بلد أو مجموعة التعافي بمفردها”.

“نحن على مفترق طرق: أحدهما يقود إلى تعافٍ غير منتظم وغير مستدام يترافق مع تزايد اللامساواة وعدم الاستقرار، واحتمالات وقوع المزيد من الأزمات، والآخر يركز على تعافٍ محوره الإنسان لإعادة البناء بشكل أفضل، وإعطاء الأولوية للتوظيف والدخل والحماية الاجتماعية وحقوق العمال والحوار الاجتماعي. إذا كنا نريد تعافياً دائماً ومستداماً ولا يستثني أحداً، فهذا هو المسار الذي يتعين على واضعي السياسات سلوكه”، بحسب رايدر.

المملكة

اترك رد