أم كلثوم في حيفا

60

حمادة فراعنة

ليست ساذجة ولا سطحية، «هوشة» إطلاق اسم الفنانة الخالدة أم كلثوم على أحد شوارع حيفا على الساحل الفلسطيني، ليست مجرد مناكفة بين ممثلي: 1- أهل حيفا الفلسطينيين من خلال أعضاء المجلس البلدي ومعهم أعضاء تقدميون من الإسرائيليين غير العنصريين من طرف، في مواجهة ممثلي 2- الاتجاهات القومية والدينية الصهيونية العنصرية من طرف آخر.

إنها معركة سياسية بأدوات تمثيلية واقعية وتاريخية ومستقبلية بوضوح، يفهمها أهل حيفا من الفلسطينيين ويعملون لأجلها:

أولاً: يريدون المباهاة بماضيهم أن مدينتهم حيفا عربية فلسطينية، فكانت تأتيها أم كلثوم للغناء، للتدليل على أن هذه المدينة كان أغلبية سكانها من الفلسطينيين العرب الذين كانوا يعيشون حياتهم وثقافتهم قبل النكبة والتهجير عام 1948.

ثانياً: يهدفون إلى تكريم أم كلثوم الفنانة التي كانت تأتيهم وقت العز في الثلاثينات والأربعينات.

ثالثاً: يريدون أن يفرضوا حضورهم ويجددوه ويواصلوا طريقهم ويربطوه بماضي شعبهم.

رابعاً: يسعون لتأكيد ذاتهم أنهم شركاء في إدارة المدينة حتى ولو كانوا أقل من ربع السكان حالياً.

وهي معركة لممثلي الاتجاهات اليمينية القومية والدينية العنصرية الإسرائيلية الذين يسعون لرفض كل مظاهر التاريخ والحاضر والصراع على المستقبل باتجاه أن حيفا مدينة عبرية إسرائيلية ليس لها علاقة بالعروبة وفلسطين حتى ولو بقي خُمس أو ربع السكان من الفلسطينيين العرب في مساماتها، فهم أقلية لا يقررون سياستها وعنوانها ويفرضون ماضيها البائد، على معالمها الحاضرة.

لقد ثار ثائرة اليمين وحكومة المستعمرة حينما تم إطلاق اسم ياسر عرفات على أحد شوارع قرية عربية، فهو العدو، أما إطلاق أسماء من المجرمين الإسرائيليين الذين ارتكبوا جرائم إبادة وتطهير عرقي بحق الفلسطينيين فهذا جائز ومهم ومطلوب، فالشارع الأرقى والأهم والأكثر حيوية في حيفا مثلاً شارع بن غوريون، رغم أنه مليء بالمطاعم العربية التي تقدم السلطات والفول والحمص والمشاوي والمازات العربية، في شارع بن غوريون.

معركة الشعب الفلسطيني ضد المشروع الاستعماري التوسعي تسير بثلاثة اتجاهات، وثلاثة مسارب، لثلاثة أهداف:

الأول من أجل المساواة ضد التمييز والعنصرية في مناطق الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة .

الثاني معركة الاستقلال والدولة وفق قرار التقسيم 181 ضد الاحتلال والاستيطان والحكم العسكري في مناطق القدس والضفة والقطاع.

الثالث حق اللاجئين من أبناء اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبيسان وبئر السبع بالعودة إلى بيوتهم وقراهم وفق القرار 194، واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها.

معركة بأدوات مختلفة، تصب في مجرى واحد من أجل نجاح وانتصار المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني بكامل فروعه ومكوناته، وفشل وهزيمة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي برمته، ومعركة تسمية شارع أم كلثوم، إجراء بسيط ولكنه عميق الدلالة وذات مغزى كما عبر عنه رجا زعاترة عضو بلدية حيفا واصفاً قرار تسمية شارع باسم أم كلثوم على أنه «إنجاز نوعي هام للفلسطينيين العرب في حيفا، على مستوى تأكيد الوجود والبقاء والتجذر: ماضياً وحاضراً ومستقبلاً».

اترك رد