سرين وسدين تعريان النظام الصحي وتنيران ظلام أروقة المستشفيات
أعاد وفاة الطفلة سرين بسبب عدم وجود سرير لها في مستشفى البشير، أعاد إلى الأذهان حادثة مشابهة وقعت قبل نحو ثلاثة أعوام للطفلة سدين، والتي توفيت بسبب بطء الإجراءات وتعنت أحد الأطباء المعالجين لحالتها.
عشرات بل مئات المنشورات التي ذكرت وزارة الصحة ووزيرها الحالي سعد جابر بتلك الحادثة، التي تثبت بحسب منشوراتهم بأن ثمة خلل كبيرا جدا في المنظومة الصحية في المملكة، بعيدا عن الترويج المبالغ حول جودة النظام الصحي في البلاد.
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي باسل الرفايعة وجه رسالة تذكير لوزير الصحة ووضعه أمام مسؤلياته التي لطالما تمكن أصحاب القرارا من التملص منها بكل سهولة، والأردن اليوم كذلك تعيد نشر مقابلات أجريت مع أسرة سدين عام 2017 للتذكير والربط بما حدث وما زال يحدث داخل أروقة مستشفياتنا، وتاليا نص منشور الرفايعة ووحديث أسرة سدين:
“عفواً معاليك. لا نطالبُ بخدمة “مايو كلينيك”. مطالبنا، مثل أحلامنا أقلّ كثيراً. نريدُ سريراً في مستشفى البشير لـ”سيرين”، مثلما كنا نحلمُ بجراحة عاجلة لـ”سدين” مطلع 2017.
أودُّ تذكيركَ بـ”سدين”، إذا سمحت. وهي طفلة أردنية من كفر يوبا، في محافظة إربد، التي تبعدُ كثيراً عن روتشيستر في ولاية مينيسوتا الأميركية، حيثُ “مايو كلينيك”. وأعتذرُ عن هذا الإزعاج:
سدين طفلةٌ أردنيّةٌ، كان عمرها تسع سنوات، ومن قبحِ الأقدارِ أنْ تكونَ أردنيّاً وفقيراً، فتموتُ تحتَ أنقاضِ بلادك. البلادُ التي يرخصُ فيها الإنسانُ تنهارُ، وتتحَّولُ إلى مقبرة. البلادُ التي لا تجدُ فيها طفلةٌ طبيباً ولا مستشفى ولا خبزاً، ليست إلا فضيحة.
“كنّا نلعب مع سدين، وماتتْ، وحطوها في القبر..”. يَقُولُ شقيقها أمام بيتها الذي كان في كفر يوبا. مرضتُ الطفلةُ بصداعٍ شديد، فنقلها ذووها إلى مستشفى الأميرة رحمة التعليمي، حيث طلبَ الأطباءُ لها صورةً طبقيّةً كلفتها 50 ديناراً، تأخّرَ إجراؤها، ريثما يتدبّرُ الأبُ المبلغ.
أظهرت الصورةُ لاحقاً أنَّ سدين تعاني من اتساعٍ في حُجيرات الدماغ، وتحتاجُ جراحةً عاجلة، غير متوفرة في “الأميرة رحمة”.
طلبَ الأبُ تحويلَ سدين إلى مستشفى الملك المؤسس، فرفضَ الطبيبُ، متذرّعاً بعدم وجود تأمين صحي، أو إعفاءٍ من كلفة العلاج. توسّلَ الأبُ إلى الطبيب أنْ يحولها، ثمّ يتدبرُ أمرَ الإعفاء الذي يحتاجُ إلى ثلاثة أيام على الأقل. لكنّ الطبيب أصرّ على موقفه، وتركها تعاني آلاماً قاسية لخمسة أيام، وقال: إنها تستطيعُ الاحتمالَ ريثما يأتي الإعفاء.
في الْيَوْم الأخير، ساءت حالُ سدين، مع إجراءاتٍ طبية أكثر سوءاً، فأُدخلت غرفةَ العناية المركزة، ثمّ نُقلت إلى مستشفى الملك المؤسس، وهي متوفية دماغيّاً، إلى أنْ فارقت الحياة.
ماتت لأنّ بلادها لا تحتملُ علاجها من دون تأمين أو إعفاء. ماتت، لأنّ القسوة ترتدي “لاب كوت” أحياناً، وتنامُ في مستشفى، ولأنّ البلادَ كلها باتت في العناية المركزة.
أفاقت سدين دقائقَ في يومها الأخير، وطلبت مِن أمها أنْ “تجدلَ جدائلها الصغيرة”. كانت تأملُ أنْ تهربَ من المستشفى، وتعودَ إلى ساحة اللعب مع أشقائها، لكنّ الإعفاءَ تأخّرَ، والجرّاح تأخّر، وهذه البلاد أكثر بطئاً من معاملةٍ رسميّة. وحدها سيارةُ الإسعافِ كانت سريعةً، وهي تحملُ جثةَ سدين إلى المقبرة..”