حال الأمة العربية… بلا مستقبل وفقدان الرؤىوالأهداف الطموحة … مخاطر داهمة
أحمد عبد الباسط الرجوب
في سياق الحديث عما آلت إليه الأوضاع العربية منذ سايكس- بيكو حتى الآن، لا بد من التذكير بمسؤولية الاستعمار عما آلت إليه أوضاعنا، والمثال الصارخ في هذا الصدد هو وعد بلفور الذي كان نقطة البداية في اغتصاب فلسطين ثم كان لتواطؤ القوى الغربية وعلى رأسها بريطانيا النصيب الأوفى في إنشاء إسرائيل بما في ذلك الانسحاب البريطاني بليل لتسهيل ولادة الدولة الإسرائيلية. واستمرت بعد ذلك أعمال العدوان الخارجي في 1956 و1967، وها نحن الآن نشهد المخططات الغربية عامة والأميركية خاصة لتفتيت الوطن العربي استغلالاً لمحنته الراهنة التي نحن بصدد سبر غوار حالتها وتشخيصها…
في نظرة سريعة إلى بلادنا العربية تظهر أن غياب التوافق القومي العربي هو البعد البارز للمرحلة التي تعيشها امتنا العربية وهى في أسوأ الاوضاع وأقسى الظروف في وقتنا الراهن ، وهذا الواقع المرير يمتد ليشمل كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والمجتمعية والتعليمية والاعلامية، فالعرب قد كبوا كبوة، ثم ذهبوا في غياهب النوم غفوة تستوجب على كل صاحب فكر وحامل قلم أن يحاول إيقاظهم من غفوتهم ومن ثم استنهاضهم للوقوف من كبوتهم حيث ان امتنا تعيش منذ فترة طويلة بكل شعوبها واوطانها حالة متساوية من السقوط المهين والفشل المتكرر … فمن مجازر ووحشية الاستعمار إلى نيران المحارق الاسرائيلية والامريكية والبريطانية إلى حالة الانفصام الحقيقي بين ما يفعله الحكام وبين التوجهات الإنسانية للشعوب العربية ، فأمة العرب اليوم ما هي إلا أطلال لأمة العرب بالأمس، فأمتنا بالأمس كانت أمة قوية مهابة، ونحن اليوم ضعفاء نخاف حتى من ظلنا، وأمتنا بالأمس كانت أمة عزيزة بإسلامها والتمسك بثوابتها وتقاليدها…
ظهر التشتت في الهوية والانتماء العربي، وتبعثرت السلطة في ايدي افراد وانتهكت الحرمات والمقدسات في العراق وسوريا والضحايا اليمنين والليبين يوميا بالعشرات… صور عديدة من واقعنا العربي هي نتائج طبيعية لحالة السبات العميق الذي تمر به الأمة وليس ابلغ دليل على الوهن العربي الكبير من عجز الحكومات والشعوب العربية الرد على الاساءات المتكررة لنبي الاسلام والعروبة والمقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس الشريف والحرم الابراهيمي في مدينة خليل الرحمن على يد عصابات الارغون الصهاينة في فلسطين التاريخية …
سبق ذلك صورآخرى اكثرا ايلاما واغراقا في المهانة متمثلة في ركود العقول العربية وتغلغل العقم في المجتمعات العربية الذي عجز بسببه الفرد العربي عن الابداع والابتكار ؛ حتى الثقافة اصيبت بركود وجمود وتمزقت الأمة إلى اشلاء واصطنعت الحدود بين البلدان وبرزت الحروب الطائفية والقومية والدينية والقبلية، وفرضت على بعضها الحصار… كما اظهرت التقارير الدراسية التخصصية لبيوت الخبرة أرقاما مؤسفة ومؤلمة عن الوضع العربي، وعن تعثر التنمية التعليمية العربية، وعن سوء بالغ في الإدارة والتخطيط ومنهجية الحكم والتشريع، فضلا عن فقدان المؤسسات التعليمية والخدمية في الوطن العربي الرؤى والأهداف الطموحة وطرق تحقيقها أو عدم السعي نحوها بجد ومثابرة.
والسؤال هنا لماذا هذا الفشل العربي الذريع في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والفكرية والتعليمية ؟ لو لجأنا لاسلوب المقارنة لتفسير اسباب الفشل فعند مقارنة وضع المنطقة العربية ووضع دول جنوب شرقي آسيا نجد الفرق حيث أن دول المنطقتين كانتا على نفس الخط من الناحية الاقتصادية والعلمية والتنموية، وخلال العقود الاربعة الماضية قفزت دول جنوب شرقي آسيا قفزات هائلة اقتصاديا وتكنولوجيا لتصبح دولا صناعية حقيقية وينظر لها باحترام عالمي… اما المنطقة العربية فكانت في مسار عكسي خلال هذه العقود بدون أن تنفعها الثروة النفطية الهائلة ذات المردود المالي الضخم ، – ولا يمكن هنا إنكار أن هناك نموا قد تحقق – ، لكنه ليس بالمعدل الذي يحقق قفزات حضارية حقيقية.
إن السبب الأكبر لما وصل له حال الأمة العربية اليوم هو الحكومات والانظمة وتسلطها على شعوبها والتضييق على حرياتها والتي كان بإمكانها أن تترك لنفسها هامش مناورة ضد النظام العالمي الذي يستهدف ثرواتها بكل الطرق الممكنة، ولكن هذا الهامش يقتضي من الحاكم أن يتنازل ولو قليلا للمحكوم، لكي يحظى بشيء من الدعم الشعبي، وبشيء من الاصطفاف الوطني، الذي يؤدي إلى جبهة داخلية شبه متحدة أمام أي عدوان أو ابتزاز خارجي ، وعلى الرغم مما تم ذكره سابقا فإن الاسئلة الاهم والاخطرهي التي تشمل جوانب السيادة والامن القومي لكل دولة عربية… لماذا القرار الاجنبي له دور مؤثر وفاعل في تقرير نهج ادارة بلادنا العربية وازماتنا؟ وهل تدار جميع الازمات العربية في مراكز القوى الكبرى؟ وهل هي المحرك لمصائر دول وشعوب عربية؟…
وفي استعراض لما تقدم وددت من باب التذكير وعلى سبيل المثال كيف تتعامل معنا الولايات المتحدة الامريكية وترضخ لها حكوماتنا وبالتنفيذ ولا تنبس ببنت شفاه ” أي دولنا ” ، فكلنا يتذكر ما فعله الكونجرس الأمريكي بإصداره ما سمي بقانون ” جاستا ” ، أو قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب الذي صادق عليه الكونجرس الامريكي في مايو / أيار 2016 وهو متعلق بهجمات سبتمبر / ايلول 2011 التي تعرضت لها مدينة نيويورك في ذاك الوقت، ويتيح القانون للمحاكم الفدرالية في الولايات المتحدة النظر في دعاوى مدنية ضد أي دولة ذات سيادة، قدمت بعلمها أو بنحو متهور دعماً مادياً أو موارد بشكل مباشر أو غير مباشر للأفراد أو المنظمات التي يحتمل بنسبة كبيرة ارتكابها أعمالاً إرهابية …
هذا القانون يتيح لهم محاكمة أي دولة، وأن يحملها مسؤولية ذلك العمل الإرهابي، ولو صدر حكم ضد هذه الدولة من أي محكمة أمريكية ستصبح هذه الدولة مضطرة لتعويض هذا المواطن الأمريكي، أو على الأقل ستكون تحت قصف الإعلام الأمريكي، وعرضة للابتزاز السياسي من العالم كله … وللتنويه فقد اعترض الرئيس أوباما على هذا القانون، واستخدم حق “الفيتو”، لكن الكونجرس استمر في إجراءاته، وأبطل هذا الاعتراض …
وايضا ما فعلة تاجر العقارات ترامب بقرارة الشائن حول اعترافة بالقدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني ولم يجف حبر قرارة بعد ، فلم نرى انه قد تم استدعاء سفير واحد لأي من دولنا العربية وعلى سبيل التشاورعلى قاعدة المناورات الدبلوماسية واظهارا للعتب وليس الغضب … للاسف حالة الوهن العربي حالت دون اتخاذ مثل هذه الاحتجاجات…
وفي سياق هذا الاطار وفي رأينا فإن حقيقة الأزمة في أمتنا هي أن الأنظمة تعتبر علاقتها مع الولايات المتحدة أساس البقاء في السلطة، وتعتبر شعوبها خطرا عليها، والحل الوحيد هو أن ينعكس هذا الوضع، فيتصالح الحاكم والمحكوم (صلحا حقيقيا لا مجرد شعارات)، وأن تتغير طبيعة العلاقات العربية الأمريكية من تحالف استراتيجي إلى علاقة الند بالند وتبادل المصالح البناء والمتوازن، ووقف دفع الجزية السياسية التي داوم العرب على دفعها منذ عشرات السنين…هل يمكن أن يحدث ذلك؟ … من الناحية النظرية ممكن، ولكن من الناحية العملية مستحيل، لا تستطيع أي دولة أن تقف ضد الولايات المتحدة وحدها، وهناك أوزان في السياسة الدولية لا يمكن تجاوزها، والشيئ بالشي يذكر فعنما كان الزعيم المصري جمال عبد الناصر رحمة الله يقود الخط القومي للامة كان هناك تجاوبا معهة من جميع الدول العربية على كثير من القرارات ولم تكن الولايات المتحدة متغلغلة بدولنا كما هو اليوم …اذن الحل في القاهرة وهى دوما معقد امال الامة واليها تتجة البوصلة العربية بكل الازمنة والازمات…
الخلاصة
لما تقدم ترافق هذه الصور المحزنة مجموعة من الاسئلة المثيرة للجدل فلماذا هذا التخلف الذي وضع أكثر من نصف العرب تحت خط الفقر؟ ولماذا أكثر من ثلث الدول العربية تعاني الندرة الشديدة في المياه؟ ولماذا مجموع الناتج القومي لكل الدول العربية أقل من دولة وأحدة هي ايطاليا؟ لماذا يحظر ثلث الدول العربية قيام الأحزاب السياسية ؟ ولماذا تفرض الدول العربية قيود مشددة على حرية الرأي والتعبير والصحافة ؟ لماذا جميع الدول العربية مرصودة في السجل السيئ للتقارير الدولية والعربية عن حقوق الإنسان وممارسة الحريات العامة ؟ لماذا هذا الارتفاع المذهل لمعدلات المحسوبية والرشوة والفساد مع تراجع كبير على الصعيدين الفردي والمجتمعي عن القيم والمبادئ الاجتماعية والدينية ؟ ولماذا هذا التردي الواضح في الخدمات الصحية والتعليمة المقدمة للمواطن العربي ؟ لماذا اصبحت البطالة وانعدام الأمل ظاهرة تعكس حالة يأس بين قطاعات من الاجيال العربية ؟
إن ما يزيد الالم هو المقارنة بين ماضي الأمة وحاضرها، وما يزيد اليأس عمقاً استسلام الأمة تماماً لأسباب الضعف ، وبكل صراحة وشفافية فالمشهد في المنطقة العربية لا يسر، ولا يبشر بخير فالصور قاتمة تدفع نحو مزيد من الاحباط والحقيقة تؤكد أن السقوط في براثن الاحباط والفقر والجهل والقهر والاستبداد والتخلف والاستسلام هي حالة عامة تئن من وطئتها الشعوب العربية، اضف إلى ذلك الهجمات الخارجية الشرسة التي تجعل الوضع العربي الراهن اكثر هشاشة وضعفا وقابيلة للاختراق والانصياع نحو رغبات ومطامع القوى الكبرى…. مما يجعل بريق الامل نحو الخروج من هذا النفق المظلم يكاد يكون ضعيف وصعب في نفس الوقت في ظل الاوضاع الحالية ، واصبح اليأس يلازمنا ، وكيف لا نشعر باليأس، وقد أصبحنا ننظر في الأفق علنا نرى بصيص نور ينبئ بمستقبل أفضل يخلص الأمة من هذا الحاضر البائس التعيس فلا نرى إلا ظلماً يلفه ظلام؟ وكيف لا تأتي كلمات الكتابة عن حال العرب مغموسة بالأسى والحزن وأمتنا تعيش ضعفاً مزرياً وانكساراً مهيناً مذلاً؟ …
وختاما ها هو حال الامة العربية التي تواجه الضعف والتفرق والمعارك الجانبية وتفتقد الى زعيم يمكنه ان يقوم بدور الوسيط في حل الخلافات المتزايدة بين الزعماء العرب والى قائد محنك يقودها الى بر الامان ، ويسوي مشاكلها ويحل قضاياها ويصلح بين زعمائها ويترفع عن الصغائر ويرتفع الى مستوى المسوولية التي يتطلبها الوضع الصعب الحالي الذي تمر به هذه الامة من تكالب الاعداء عليها والخلافات الكبيرة بين دولها … إلى اللقاء…