هل يجب وقف المساعدات التنموية لإعادة الأنظمة الانقلابية إلى رُشدها؟

61

الأردن اليوم : بعد وقوع انقلابات أو ارتكاب أنظمة لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، تواجه الدول المانحة معضلة في كيفية التعامل مع الأنظمة الفاسدة. فإذا أوقفت مساعدات التنمية، فإنها تتخلى عن السكان المدنيين. وإذا واصلت الدفع، فسوف تُساعد على بقاء حكومات مضطربة في السلطة وتطيل أمد الحروب. كيف تتعامل سويسرا مع هذا التحدي؟

بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته ميانمار في أول فبراير 2021، جمّد الاتحاد الأوروبي مساعداته التنموية. وبعد ذلك بوقت قصير، أوقفت سويسرا أيضًا مُساهماتها. وكانت ألمانيا رابط خارجيعلقت التعاون الإنمائي مع ميانمار قبل فترة طويلة من الانقلاب – لأنها لم تحم أقلية الروهينجا المسلمة.

لكن هل يجوز تعليق مساعدات التنمية بسبب وصول حكومة غير شرعية إلى السلطة؟ هل يمكنك أن تجعل بلدًا متلقيًا يحترم حقوق الإنسان إذا كانت المساعدات متوقفة على الامتثال لهذه القيم؟ أم أن وقف المساعدات التنموية يُسبّب معاناة كبيرة للسكان؟ حاليا، تختلف الدول الأوروبية حول هذه القضايا.

الدول تتعامل مع هذه المعضلة بشكل مختلف

بلجيكا، على سبيل المثال، علقت أجزاء من برنامج مساعداتها لرواندا في عام 2015 بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. وعندما شددت أوغندا العقوبات على المثلية الجنسية في عام 2014، أوقفت الدنمارك وهولندا برامج المساعدة الثنائية. أما فرنسا فهي أكثر حذرا ولا تتخذ هذه الخطوة إلا بعد الانقلابات.

  • دوافع وقف المساعدات التنموية

  • إرسال إشارة واضحة إلى البلد المتلقي

  • ممارسة الضغط – على غرار العقوبات

  • اعتبارات السياسة المحلية في الدولة المانحة

  • لا تلحق الضرر بصورة المساعدة التنموية

  • تحقيق الأهداف موضع تساؤل

  • الاعتبارات الأمنية المتعلقة بالأفراد

تتخذ الصين نهجًا مختلفًا تمامًا: فالقوة العظمى لا تتدخل في السياسة الداخلية للبلدان المتلقية.هذا النفوذ الصيني يؤدي إلى تحولات في ميزان القوى: “للمرة الأولى، يمكن للدول النامية أن تختار ما إذا كانت تفضل العمل مع الدول الغربية أو مع الصين” ، كما يقول فريتز بروغر، أستاذ العلوم السياسية في مركز  التنمية والتعاون التابع للمعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخرابط خارجي (يُشار إليه اختصارا بـ NADEL).

بعض التعسّف في قرارات سويسرا

فما هي السياسة التي تنتهجها سويسرا في هذا الصدد؟ لا يوجد أي أساس قانوني في سويسرا لوقف المساعدات التنموية بعد الانقلابات أو بسبب انتهاكات حقوق الإنسان أو السياسات غير المتعاونة. عموما، تتخذ الحكومة الفدرالية قراراها وفقًا لتقديرها الخاص، حسب الموقف.

ويشير بروغر: “هناك بالتأكيد مساحة من الحرية”. ولكن حتى القرار بشأن البلدان التي يتم تقديم مساعدات التنمية فيها هو في حد ذاته قرار تعسّفي، حيث لا يمكن لسويسرا أن تكون موجودة في جميع دول العالم.

أما إيفيت إيسترمان، خبيرة السياسة الخارجية من حزب الشعب السويسري (يمين محافظ) فترى أن “مثل هذه القرارات التي تتخذها الحكومة الفدرالية هي دائمًا إشكالية. يمكن للحكومة على الأقل إبلاغ البرلمان قبل اتخاذ مثل هذه القرارات، لأنه نادرًا ما تكون هناك عجلة في اتخاذها”. قد يؤدي تقديم المعلومات إلى البرلمان عبر لجنة الشؤون الخارجية إلى إطالة عملية صنع القرار، لكنه سيُمكّن من إيجاد حل مستدام ويحول دون انتقاد الحكومة.

من ناحية أخرى، يعتقد السياسي فابيان مولينا من الحزب الاشتراكي (يسار) أنه من الصواب أن تقرر الحكومة الفدرالية وحدها حيث “يجب أن يتم اتخاذ القرار بسرعة، خاصة في حالة وقوع انقلاب”، على حد قوله. وفي حالة ميانمار، فإن الأمر يتعلق فقط بقرار مؤقت. “إذا كانت سويسرا تريد قطعياً الانسحاب من بلد ما، فيجب على الحكومة استشارة لجان السياسة الخارجية بالبرلمان”.

وفقًا لبروغر، لا ينبغي الاستهانة بالبُعد السياسي المحلي في قرارات الحكومة. إذ تلعب الحسابات السياسية أيضًا دورًا في التقييم، ذلك أن “الحكومة الفدرالية تريد، من بين أمور أخرى، منع تلك القوى التي تشكك بالفعل في المساعدات التنموية من استخدام الوضع للتشكيك في مساعدات التنمية ككل”.

جريمة قتل سبب في توقف مساعدات التنمية

في هذا السياق، يُظهر مثال مدغشقر أن الدوافع السياسية المحلية يُمكن أن تؤدي إلى إلغاء مساعدات التنمية. ففي عام 1996، قُتل فالتر أرنولد، وهو مواطن سويسري كان يعمل في مجال المساعدة التنموية، خنقا ً في العاصمة أنتاناناريفو. أثارت هذه الحادثة صدمة كبيرة في سويسرا، وكان على الحكومة الفدرالية أن تتخذ إجراءً لتهدئة الأمور.

وبالفعل تم ذلك نظرًا لأن السلطات في مدغشقر تصرّفت بشكل غير متعاون في التحقيق في الجريمة، فقامت سويسرا بإغلاق المكتب التابع للوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في أنتاناناريفو وسحبت مدغشقر من قائمة البلدان ذات الأولوية بالنسبة للمساعدات السويسرية.

لكن نظرة متأنية على الماضي تفيد بأن هذا القرار كان إشكالياً، إن لم نقل متعجّلاً: هناك الآن شك في أن أرنولد رابط خارجيقد قُتل لأنه اتهم زملاءه السويسريين في العمل باختلاس أموال مساعدات التنمية – من بين أمور أخرى، حيث يُزعم أن نائب مدير مركز التنمية المستدامةرابط خارجي آنذاك استخدام أموال المساعدات السويسرية في إدارة بيت دعارة. وفي هذه المسألة، استأنف مكتب المدعي العام الفدراليرابط خارجي الإجراءات في عام 2017.

لذلك ربما كان لحادثة القتل وللتحقيق غير الجدّي علاقة بسويسرا أكثر مما هو بمدغشقر. ومع ذلك، لم تعد مدغشقر دولة ذات أولوية لبرامج المساعدات التنموية السويسرية في العالم. وبعد ثلاث سنوات من الانسحاب، عادت سويسرا على الأقل مرة أخرى إلى مدغشقر ببرنامج تنموي خاص.

تمديد الحروب بفضل مساعدات التنمية

أما في ميانمار، فمن الواضح أنه يجب تعليق مساعدات التنمية، ذلك أنه “بعد الانقلاب العسكري، فمن المشكوك فيه ما إذا كانت سويسرا وميانمار ستتمكنان حتى من تحقيق الأهداف التي اتفقا عليها”، وفقًا لبروغر.

في المقابل، يبدو الوضع أكثر صعوبة في البلدان التي توجد فيها تحولات تدريجية نحو نظام استبدادي. على سبيل المثال في موزمبيق، حيث أقام المقاتلون من أجل التحرير السابقون نظامًا شديد الفساد يسيطر على أجهزة السياسة والإدارة والاقتصاد. في هذا الصدد، يشير بروغر إلى أنه “في موزمبيق، تواجه الدول المانحة صعوبة في إيجاد موقف واضح”، ويشرح قائلا: “غالبًا لا تفكر  الدول جيداً كيف أن أموال المساعدات تساعد في إبقاء الحكومة الفاسدة في سدة السلطة”.

الخبير في السياسة الخارجية فابيان مولينا لا يرى وجود معضلة من هذا القبيل، ويُلفت إلى أن “سويسرا لا تعمل مع الحكومات ولكن مع المجتمع المدني”. عليك الاعتماد على السلطات المحلية، لكن سويسرا تعمل بشكل أساسي مع السكان والمنظمات غير الحكومية. أما مسألة الأمن فأكثر تعقيداً: “الحروب الأهلية أو القمع يمكن أن تكون شديدة الخطورة على الموظفين والموظفات بحيث عليك أن تسأل نفسك ما إذا كان لا يزال من الممكن إنجاز العمل”. معظم البلدان المتلقية للمعونات لديها مشاكل مع حكم القانون أو الديمقراطية، وهذا ليس سببًا للانسحاب.

وفقًا لـبروغر، فإنه يمكن ممارسة بعض الضغط من أجل إحداث تغييرات إيجابية من خلال إيقاف مساعدات التنمية، لكنه يشير إلى أن “بعض البلدان المتلقية تجري إصلاحات على الورق من أجل استرداد الأموال”، وهذا لا يحل المشكلة.

أما الخبيرة في السياسة الخارجية إيفيت إيسترمان، فتطالب بما هو أبعد من هذا. فمن وجهة نظرها، ينبغي لسويسرا من حيث المبدأ أن تجري تعاونًا إنمائيًا مع الدول المُتعاونة. وهنا يتعلق الأمر بالسلوك المتعاون ليس فيما يتعلق بوضع حقوق الإنسان والديمقراطية في البلد المتلقي فحسب، ولكن أيضًا بالمصالح السويسرية: فعلى سبيل المثال، يجب ألا يتلقى أي شخص يُعارض إعادة قبول طالبي اللجوء المرفوضين (من مواطني بلاده) أيّ أموال للمساعدة الإنمائية. لكن إيسترمان تستدرك مشددة على أن “المؤكد هو أن البقاء في الدولة المتلقية للمساعدات والحفاظ على العلاقات بدلاً من القطيعة هو أفضل طريقة لممارسة تأثير مستمر وفعّال هناك”، حسب رأيها.

مصدر التقرير : اضغط هنا

التعليقات مغلقة.