فلسطينية تقتحم أسرار الكهوف بـ “رياضة الاستغوار”

70
غير مكترثة بأصوات الخفافيش والتعرجات الخطرة داخل كهف “طور الصفا”، الذي يعد واحداً من أكبر الكهوف في المنحدرات الغربية بفلسطين، تقود الشابة ورود شرباتي، (24 سنة)، وعلى ارتفاع 700 متر فوق سطح البحر، مجموعة من الشباب والمغامرين، لتعرفهم إلى الكهف وتاريخه الجيولوجي وأهميته بالنسبة إلى الفلسطينيين، مبددة خوفهم من ظلمته الحالكة.

وسعياً إلى استكشاف هذا العالم الغامض وسبر أغواره أطلقت شرباتي رياضة الاستغوار، وهي التي تهتم باكتشاف ورسم خرائط المغارات والكهوف وإعلام الآخرين عنها، وضمت المهتمين والمتخصّصين إليها، لاستكشاف العالم الجوفي في فلسطين، والبحث عن مغارات وكهوف جديدة غير معروفة، من أجل تأهيلها لتصبح وجهات سياحية ترفيهية وتعليمية ورياضية.

اكتشاف ومغامرة

تحكي شرباتي تجربتها مع عالم الكهوف والمغارات، في حديثها إلى “اندبندنت عربية”، قائلة “رياضة الاستغوار إلى جانب أبعادها الترفيهية والترويجية، كونها عالماً مليئاً بالمغامرة ومتعة الاستكشاف، فهي علم يهتم بالبحث واستكشاف باطن الأرض، وكشف مشاهد جمال وخلق طبيعي تحفظه الأعماق منذ ملايين السنين”.

وتضيف، “ما زالت الكهوف في بلادنا بحاجة إلى استكشافوتوثيق، كما أن الطبيعة الجبلية والصخرية في فلسطين مواتية لهذه الرياضة الجديدة، لكثرة المغارات والكهوف فيها بسبب وقوعها في منطقة حفرة الانهدام وطبيعة الجبال الكلسية الالتوائية الانكسارية”.

وتتذكر شرباتي، “في السابق كنا نشارك في رياضة المشي بمسارات محددة، وهي تُنظم باستمرار من قِبل مجموعات بيئية وسياحية ومهتمين بالطبيعة، لكن الاستغوار يختلف عن نشاطات رياضات الهواء الطلق، فمستوى الأدرنالين فيه لا يشبه أي رياضة أخرى”.

علم وترفيه

وحول متطلبات هذه الرياضة، توضح، “تحتاج إلى قوى بدنية ولياقة هائلة وجرأة وتجهيزاتمعينة من ملابس ومعدات أمان، لا سيما أن هناك كهوفاً نحتاج فيها إلى ارتداء خوذة الرأس والأضواء الكاشفة للزحف والدخول إلى أماكن صعبة وضيقة، وأحياناً المهمة تتطلب الحبال وأدوات الصعود والهبوط والملابس المضادة للماء، وأحذية تتحمل الطين والرطوبة. بعض الكهوف ننزل إليها عبر فتحات وشقوق صخرية قد يصل ارتفاعها إلى 50 متراً وهي خطرة جداً”.

 

وتتابع، “الفلسطيني بطبيعته يحب الاكتشاف والمغامرة، وبما أننا محرومون من شواطئ بحرنا في يافا وعكا وحيفا (مدن فلسطينية داخل إسرائيل) وقمم الجبال تعلوها المستوطنات الإسرائيلية، قررنا البحث عن جرعات من الهواء النقي في البراري والجبال والمرتفعات”.

وتردف، “قبل تأسيس النادي الفلسطيني للاستغوار عام 2016، لم يكن أحد ليدخل إلى الكهوف إلا للبحث عن آثار وسرقتها إن وجدت، أما اليوم فنحن نقتحمها للبحث والعلم والترفيه في آن معاً، ونقطع الطريق على أولئك المخربين من لصوص الآثار، كما أن المتخصّصين من علماء الجيولوجيا والفيزياء والجيومورفولوجيا (علم شكل الأرض) الذين اصطحبناهم معنا في استكشافات داخل الكهوف، أكدوا أهمية وجود رياضة الاستغوار التي تُوعي المواطنين بأهمية الحفاظ على مكونات الكهوف والمغارات التي نحتتها الطبيعة منذ ملايين السنين”.

توعية وتوثيق

ولم تكتفِ شرباتي بتأسيس ناد للاستغوار عام 2016 ضمّ قرابة 50 شخصاً مهتمّين بتلك الرياضة، بل تسعى إلى أن يدرس الفريق إمكان استكشاف ودراسة الظواهر الكارستية الجوفية، ومعرفة امتداد المغاور في باطن الأرض وتوثيقها بكتاب رسمي، تقول “نهدف للحفاظ على الكهوف والمغاور في فلسطين وتوعية المجتمع بأهميتها، وأن نعمم الاستكشافات عبر المنشورات والمؤتمرات والمعارض والأفلام الوثائقية والسياحية والبعثات التعليمية وإقامة شراكات مع المؤسسات التي تهتم بأنشطة مشابهة على صعيد محلي وعالمي”.

وتواصل، “ما إن أطلقت فكرة الاستغوار حتى تنمّر عليّ كثيرون ووصفوني بالمجنونة، فكيف لفتاة أن تخاطر بأنوثتها وتلطخ ملابسها بالوحل، وتراهن على قوتها لدخول كهوف ومغارات مجهولة محفوفة بالمخاطر، لكن رأيهم يتغير فور تجربتهم، ما دفعني إلى الاندماج بدورات خارج فلسطين متخصصة بالتسلق وتقنيات الدخول إلى الكهوف، وشجّعت فتيات أخريات على ممارسة تلك الرياضة، مع أن معظم أعضاء النادي من الذكور، وهو ما عرّضني لانتقادات إضافية تجاهلتها بالتطور وتوسيع الفكرة وحشد المؤيدين، حتى أصبحت رياضة الاستغوار مرغوبة في فلسطين على صعيد واسع”.

نحو إيفرست

ضمن برنامج يعمل على تأسيسه الرحّال الفلسطيني علاء الجنيدي لرفع الوعي حول السفر ونشر ثقافته وأهميته في تحقيق أحلام الرحالة الشباب حول العالم، انضمت شرباتي عام 2019 في رحلة نحو إيفرست (أحد جبال الهملايا، ويعتبر أعلى قمة في العالم) امتدت عشرين يوماً، تمكنت فيها من الوصول إلى ارتفاع 5364 متراً.

وحول تلك الرحلة تقول، “قبل الانطلاق إلى قاعدة إيفرست كثفت تدريباتي، فمارست رياضة المشي مسافات طويلة، والتحمل والتعب، وجهّزت الأمور الفنية واللوجيستية المطلوبة لإنجاز هذا التحدي، الذي استمر أسبوعين متواصلين من المشي وسط الجبال في ظروف بيئية ومناخية صعبة. كانت نقطة الانطلاق من بلدة لوكلا في نيبال على ارتفاع 2880 متراً، إلى أن وصلنا مخيم قاعدة جبل إيفريست على ارتفاع 5364 متراً، والأجمل من كوني أول فتاة فلسطينية تصل إلى هناك، على ما أعتقد، فإنني رفعت علم بلادي عالياً فوق أعلى سلسلة جبال في العالم (الهمالايا)، إلى جانب كثير من المتسلقين من دول أجنبية مختلفة، وسأتدرب جيداً خلال السنوات المقبلة لأصل إلى القمة”.

مستقبل واعد

بحسب متخصّصين فلسطينيين، فإن رياضة الاستغوار التي تلقى رواجاً بين الشباب الفلسطيني تحتاج إلى حرصوحذر شديدين، خصوصاً في ما يتعلق بالكهوف والمغارات غير المكتشفة، فقد يتسبب جهل المستغورين بطبيعةالتربة ونوعية الصخور التي تشكّل منها الكهف، في حدوث إصابات خطرة جراء التزحلق أو العبث بالصواعد والهوابط، أو الاختناق لنقص الأوكسجين في أعماقها والشقوق الصخرية وغيرها من الحوادث.

يوضح متخصص الجيولوجيا في الضفة الغربية أحمد نوباني، “رياضة الاستغوار في فلسطين تحمل مستقبلاً واعداً، خصوصاً إذا لقيت الاهتمام اللازم من الجهات المعنية. ومع فرادتها وتعدّد فوائدها، فإنها تشكو عدم تنظيمها وهيكلتها بالشكل السليم والمتكامل، فوجود متخصّصين وباحثين لدراسة الكهوف والمغارات من كثب هو بداية جدية لإحصائها وإعداد دراسات علمية تهتم بالجوانب الجيولوجية والبيولوجية والمناخية للكهوف”.

ويستكمل، “في ظل سيطرة إسرائيل على الثروات الطبيعية في فلسطين التي تقف عائقاً أمام المتخصّصين للتوثيق والدراسات، يجب العمل على إعادة الشباب إلى الطبيعة والبيئة والاستفادة من دورهم الفعّال في إحياء كثير من المناطق المهمشة والمنسية، والاستعانة بالصور والفيديوهات التي يصوّرونها في المسارات البيئة والسياحية والترفيهية، في تثبيت الحق الفلسطيني في البيئة والطبيعة بكل مكوناتها”.

التعليقات مغلقة.