الجيش العربي في مئوية الدولة الأردنية

233

يحتفل الوطن الأشم بمرور مئة عام على تأسيس الدولة الأردنية الراسخة بأركانها، الثابتة على مبادئها التي تبنتها منذ انطلاق الثورة العربية الكبرى وتأسيس الإمارة، فنشأ الجيش العربي مرافقاً للمسيرة الكبيرة للدولة الأردنية، فصاحب تطلعاتها وعايش آمالها وطموحاتها نحو نهضة الوطن المشرق وتقدمه وازدهاره.
الجيش العربي وارث رسالة الثورة العربية الكبرى، والامتداد الطبيعي لجيشها وفيلق من فيالقها، ارتبط تاريخه السامي بتاريخها ارتباطاً عضوياً، وتشكلت نواته من النخبة التي اتحدت تحت راية الأمير عبدالله بن الحسين في الحادي والعشرين من تشرين الأول عام 1920 في معان بعد أن كان لها الدور الكبير في عمليات ومسارات الثورة العربية الكبرى.
ويحمل الجيش العربي الرسالة المقدسة في الدفاع عن حياض الوطن وحماية أمنه وسيادته، والولاء المطلق لقيادته الهاشمية المظفرة، والجيش العربي شامة على جبين الوطن الأبهى، وهو يحظى بسمعة طيبة وشعبية واسعة لما يتمتع به من مبادئ أصيلة وأخلاق كريمة جعلته يسكن القلوب أينما حلّ وارتحل، ويترك أثراً طيباً في النفوس أينما حط رحاله، وكأنه بلسم شاف ونسيم عليل يمسح الآلام ويداوي الجراح.
تعود نشأة الجيش العربي إلى نخبة المقاتلين من جنود الثورة العربية الكبرى الذين قدموا مع الأمير عبدالله بن الحسين، وقد أطلق الملك حسين بن علي على قوات الثورة عام 1917 اسم (الجيش العربي)، وأطلق الأمير عبدالله بن الحسين في عام 1923 على نواة قوة إمارة شرقي الأردن الاسم نفسه، ليظل هذا الجيش جيشاً لكل العرب كما كانت الثورة العربية ثورة لكل العرب.
وكان همّ الملك المؤسس عبدالله أن يكون للإمارة جيش يحمي أرضها ويدافع عن شعبها، خاصة أن ظروف التأسيس كانت بالغة الصعوبة من حيث معاناة ما بعد الحرب العالمية الأولى، فكان أول تنظيم للجيش على النحو التالي: سرية الفرسان، سرية المشاة، فئة رشاشات، فئة لاسلكي، حرس سجون، فئة موسيقى.
وبلغ تعداد هذه القوة حتى عام 1923، 750 مقاتلاً وسميت بالقوة السيارة، وكانت أولى مهام الجيش توطيد الأمن والاستقرار في البلاد، وفي أواخر عام 1930 بدأ الجيش العربي بتأليف وحدة عسكرية من أبناء البادية وجرى إمداده بالسيارات وأجهزة اللاسلكي، وعمّ الأمن والاستقرار رحاب الأرض الأردنية في وقت لم تشهده منذ قرون طويلة.
وبايع عرب فلسطين الأمير عبدالله بعد اجتماعهم في أريحا عام 1950 ملكاً على الضفتين، وأصبح الجيش مكوناً من ثلاثة ألوية، وفي ذلك الوقت أنشئت أول نواة لسلاح الدروع والمدفعية.
وبعد استشهاد الملك المؤسس على باب المسجد الأقصى تولى الملك طلال سلطاته الدستورية فاهتم -طيب الله ثراه- ببناء وتقوية الجيش العربي، فتم تشكيل الحرس الوطني عام 1951.

 

نودي بجلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله ملكاً على الأردن، وحين تسلم جلالته سلطاته الدستورية في أيار عام 1953 شرع ببناء الأردن القوي المنيع؛ فكان من الطبيعي أن يوجّه جلالته أقصى اهتمامه لبناء الجيش العربي، حيث بلغ عدد قوات الجيش في تلك الفترة 17 ألف جندي.
لقد كان الجيش العربي في فكر جلالة الملك الحسين منذ أن كان طالباً في كلية ساند هيرست العسكرية البريطانية، وكانت رؤية الحسين منذ البداية أنه لا بد من التخلص من القيادة الأجنبية للجيش العربي لقناعته بأن هذه القيادة تقف حائلاً بين تحقيق طموحات وأماني الجيش وطموحاته، فكان قراره التاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي في الأول من آذار عام 1956 بالاستغناء عن خدمات الفريق كلوب رئيس أركان الجيش وتسليم قيادة الجيش إلى ضباط من أبناء الأردن الأوفياء المخلصين.
خاض الجيش العربي منذ عام 1948 معارك الشرف والبطولة، واستبسل أبطاله الأشاوس في الحروب التي جابهوا فيها العدو الإسرائيلي الغاشم، وقدموا قوافل الشهداء الأبرار دفاعاً عن تراب فلسطين الطهور، وسجلت القوات المسلحة الأردنية في 21 آذار عام 1968 نصراً مؤزراً على العدو الإسرائيلي وحطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر في معركة الكرامة الخالدة، كما شاركت في المعارك والحروب إلى جانب الدول الشقيقة دفاعاً عن أرضها وعروبتها.
وشهدت وحدات المشاة تحديثاً ملموساً في عهد الحسين رحمه الله أهمها شمل الأسلحة المستخدمة لقوات المشاة، وتجهيزات قوات المشاة من حيث النوعية والوزن وملاءمة الظروف، إضافة لتطوير وسائل التعليم والتدريب واستخدام الميادين التعبوية والإلكترونية، لرفع مستوى كفاءة الأفراد القتالية، بالإضافة إلى استعمال المعدات الليزرية في التدريب والتأهيل، وعمل جلالته على بناء سلاح جو حديث يستطيع الدفاع عن سماء الوطن، واهتم -رحمه الله- بإعادة بناء السلاح وتزويده بالطائرات الحديثة.
وكان للقوات الخاصة الملكية نصيب وافر من الرعاية والاهتمام، وتمثل ذلك بتكليف الأمير عبدالله الثاني قيادة هذه القوات في 20 تشرين الثاني 1994، حيث خدم مع جنودها وتعايش معهم وشاركهم في كافة التدريبات مبدئياً توجيهاته لتنفيذ العديد من التمارين المشتركة مع القوات الصديقة والشقيقة بهدف زيادة المعرفة والخبرة العسكرية لدى منتسبيها وتزويدها بأحدث الأسلحة حتى وصلت إلى ما خطط لها من درجة عالية من الاحتراف والتميز، وفي 20 تشرين الأول عام 1996 عُيّن جلالته قائداً للعمليات الخاصة بعد أن دمجت القوات الخاصة ولواء الملك حسين بن علي ومدرسة العمليات الخاصة في تشكيل واحد (العمليات الخاصة).
ومنح جلالة الحسين -رحمه الله- اهتمامه الكبير لتطوير سلاح خفر السواحل، وذلك بتعزيز قدرات هذا السلاح عن طريق تجهيزه بالزوارق الحربية المتوسطة والخفيفة وجميع المعدات اللازمة، وتمكنت هذه القوات من مسايرة التطوير والتحديث، كما زودت في السنوات الأخيرة بزوارق حربية جديدة مجهزة بالأسلحة والمعدات الحديثة لحماية الشواطئ الأردنية، وتأمين الحماية والمساعدة الكبيرة في ثغر الأردن الباسم للسفن التي ترسو في ميناء العقبة لتنشيط الحركة التجارية التي ترفد الاقتصاد الوطني.
وشاركت القوات المسلحة في قوات حفظ السلام بالعديد من الدول للحفاظ على الأمن والسلم العالميين، وقدمت المساعدات الإنسانية للدول التي تتعرض للكوارث الطبيعية؛ شاملة عمليات النقل الجوي والإخلاء والبحث والإنقاذ، وقدمت المستشفيات الميدانية وخدمات الإغاثة والتي تشمل المواد الطبية والغذاء والألبسة والمؤن للمناطق المتضررة بالكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات في مختلف أنحاء العالم.

التعليقات مغلقة.