الإشاعات ونظريات المؤامرة.. أسبابها ومخاطرها وجاذبيتها
الأردن اليوم : أبدًا ! ما هي إلا خدعة، والفيروس غير موجود، والسبب الحقيقي للإغلاق هو منع الهجرة أو وضع نظام مراقبة جماعية على نطاق واسع.
كلام فارغ ! الواضح أن الذي صنع الفيروس هو بيل غيتس لتقليل عدد سكان العالم، أو أنه سلاح من الفضاء لتدمير البشرية.
وفقًا للاستطلاع الذي أجرته باحثتان عبر الإنترنت وشمل حوالي 1600 شخص في ألمانيا والأنحاء السويسرية المتحدثة بالألمانية، يؤمن 10٪ من الأشخاص، الذين استَطلع فريق سارة كُون وتِيا ساندر شيلينبيرغ من جامعة بازل آراءهم، بقوة بواحدة على الأقل من نظريات المؤامرة المذكورة آنفا أو بإشاعات أخرى مشابهة.
كما اتضح أن نسبة 20٪ آخرين يصدّقون قليلًا أو نسبيًا بواحدة من تلك النظريات على الأقل، بينما صرح 70٪ أنهم لا يُؤمنون بها أصلا.
“هذه الأرقام ليست مفاجئة”، يقول باسكال فاغنر – إيغر، الأستاذ في جامعة فريبورغ الذي يُعنى بدراسة ظاهرة الإيمان بنظريات المؤامرة (والإذعان لها) من وجهة نظر علم النفس الاجتماعي.
وفعلًا، سبق لاستطلاعات رأي مماثلة أجريت في بداية انتشار الوباء أن أظهرت نفس النّسَب، أي أن 10٪ يقتنعون بصحة إحدى نظريات المؤامرة وأن 20٪ يقتنعون إلى حد ما، وحتى قبل ظهور فيروس كورونا، كانت الدراسات المعنية بالإشاعات ونظريات المؤامرة تعطي نفس الأرقام، وربما أكثر.
وبعد عام من انتشار الوباء، يقول الأستاذ بجامعة فريبورغ: “أجدني متفاجئًا لعدم زيادة النسب المئوية، ولربما يكون خبرًا جيدًا”، لكنه حذّر في نفس الوقت من مثل هذه البيانات.
إذ أنها بقدر ما هي مثيرة للاهتمام ومغرية من وجهة نظر صحفية وسياسية، إلا أن الحديث عن النِّسب في هذا المجال دائمًا ما يكون حسّاسًا، والأوساط العلمية لا تعتدّ بها كثيرًا.
ذلك أنه عندما يجيبك شخص بقوله: “أعتقد”، فإنه يكون دائما من الصعب تقييم ما الذي يعنيه بالضبط.
الخطورة
وحتى وإن لم توجد دراسات تؤكِّد، يكفي مجرد القيام بجولة على وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة مدى انتشاء تلك الظاهرة، إذ يصعب عدم العثور على تعليق تآمري، ولو واحد، أسفل ما يُنشر من أخبار حول فيروس كورونا وجائحة كوفيد -19، ولا يُمكن أن يكون هذا الوضع صحيًا.
ويقول البروفيسور: “وجدنا في دراساتنا أن هذه الاعتقادات مرتبطة بمشاعر مناهضة للعلم واللقاح، وهذا يمثل بالطبع مشكلة حيث نعتقد أن اللقاح سلاح فعّال في مواجهة الجائحة”.
ومؤدى هذا ، وجود تبعات سلبية على مستوى السياسة والديمقراطية، حيث أنه بمجرد نشوء اعتقاد بأن معظم الصحفيين والسياسيين والعلماء فاسدون، تتزعزع الثقة بالمؤسسات، وتنشأ معها ميول سياسية عنيفة وغير سوية.
وليس من قبيل المصادفة انتشار هذه النظريات وسط قطبي الطيف السياسي، وخاصة في صفوف أقصى اليمين، بل وأيضًا لدى أقصى اليسار، أي حيثما يسود خطاب التحريض على الثأر من النظام الذي يُراد استبداله.
محض افتراء
تجدر الإشارة إلى أننا نتحدث عن خطورة “اعتقاد” وجود تآمر، ومع أن الواقع تاريخيا وحاضرًا شاهد على وجود مؤامرات حقيقية، ولكن ذلك لا يُسوّغ لنا القبول بالإشاعات ونظريات المؤامرة: “كونه نوع من الاعتقاد العقيم الذي لا يُفيد في شيء ويقود إلى نتائج عكسية، حتى لو جاء من قبل معارضي النظام، نظرًا لأنه لا يستند إلى دليل، وبالتالي يعجّ باحتمالات الكذب”، كما يؤكد الأستاذ باسكال فاغنر – إيغر.
وبعبارة أخرى، قد تثبت صحة إشاعة ما (مع أن أغلبها ليس كذلك)، لكنّ إلقاء التهم جزافًا ومن دون دليل حقيقي إنما هو محض افتراء.
ثم إنه: “إذا تبين صحة إشاعة ما، فذلك بفضل جهود المحققين أو الباحثين المخلصين، وليس أبدًا بفضل أشخاص يتواجدون على الإنترنت يُصدّقون كل إشاعة معقولة وغير معقولة”.
كيف نشأت الإشاعات؟
مع كونها ظاهرة ، أضحت اليوم مثيرة للجدل وملفتة للنظر بشكل خاص، إلا أن نظرية المؤامرة قديمة جدًا، فقد وُلدت “بدون شك حينما استقرّت المجتمعات، وبدأ الصراع على السلطة”، كما يبيّن الأستاذ الذي يُمايز بين ثلاثة عوامل لتفسير الرّواج الذي تحظى به اليوم هذه النظريات والإشاعات التي لا أساس لها.
الأول، الذي سبق أن أشرنا إليه، هو العامل الاجتماعي السياسي، حيث يميل المُناوؤون للمؤسسات والنظام القائم، كالمتطرفين السياسيين، إلى إيجاد المبررات لأنفسهم عبر إطلاق الإشاعات والترويج لنظريات المؤامرة.
ومن العوامل المغذية لها أيضًا الظلم والتفاوت الاجتماعي، فقد أظهرت العديد من الأبحاث أنه كلما زاد التفاوت الاجتماعي في بلد ما، زادت خصوبة تربته لرواج نظريات المؤامرة التي هي غالبًا ما تكون وليدة أحاديث النقمة لدى الفئات المحرومة.
وأكد الباحث أنه “على الرغم من أن الفقر قد تقلّص في العالم، إلا أنه أبعد ما يكون عن التلاشي، حتى أنه قد زاد مع انتشار الوباء، كما أن الفجوة بين الأكثر غنى والأشد فقرا آخذة في الازدياد، وهذا يغذي خطاب المؤامرة”.
أما الثاني فهو العامل النفسي، حيث أننا بطبيعتنا نفكر بطريقة ساذجة وغير علمية، خاصة في المواقف المقلقة كهجوم إرهابي أو جائحة صحية.
وضرب الأستاذ مثالاً لشخص يسير بمفرده ليلاً في غابة، فإذا سمع صوتا أو ضجيجا، اعتقد على الفور أنه حيوان مفترس أو شخص يريد إيذائه.
وهذا راجع إلى أن أدمغتنا قد تشكّلت على هذا النحو، فقد كان أكثر أسلافنا حذرًا أحظاهم بالنجاة، والمبادرة إلى سوء الظن منجاة من الهلكة، أما اليوم فلم يعد الحال كذلك، ولكن بقي الطبع.
“تظهر العديد من الدراسات أن تشوّه الطبع، كمثل هذا النمط من التفكير من أجل البقاء على الحياة، يُهيّج الإيمان السلبي، ليس فقط بالتآمر وإنما أيضًا بالخوارق، كتوهّم الأشباح والنوايا البشرية، كل هذا ورثناه من ماضينا كبشر”، يشرح فاغنر – إيغر.
العامل الأخير هو الإنترنت، حيث لا يُمكن نشر هذه النظريات بسرعات فائقة فحسب، ولكن حيث لا يُنسى أي شيء. فعند البحث عن معلومات حول نظرية مؤامرة أو شائعة معيّنة، يُمكن للمرء أن يعثر بسهولة على نظريات وأقاويل أخرى مماثلة كانت منتشرة في الماضي، والتي يتم اكتشافها وتعود مجددا إلى التداول ولولا شبكة الانترنت لطواها النسيان.
عودة إلى الوضع الطبيعي
من أجل إيجاد حلول لمواجهة الشائعات ينبغي البحث في نفس مجالات نموها، كالحد من التفاوت الاجتماعي والفساد، وضمان صحافة نزيهة، وتقاسم السلطة، كلها طرق مفيدة لمكافحة هذه الظاهرة.
من وجهة نظر نفسية، يري فاغنر – إيغر أن الحل يكمُن في التعليم، في تعليم الشباب التفكير النقدي، وليس التصديق على الفور، والتحقق من المعلومات، نعم ، قد يفتنك ما هو غريب ومجهول، وتشعر بمتعة، ولكنك تُخاطر – من دون توفر أدلة ملموسة – بأن تقع في الفخ.
وأخيرًا ، حتى لو قَلّت الشائعات ونظريات المؤامرة على شبكة الانترنت مع نهاية الجائحة، فإن “الأخبار الزائفة” ستظل مشكلة كبيرة وسيتعيّن علينا مواجهتها لفترة طويلة، بيد أنه يتم السعي فعليًا لاحتوائها من خلال اعتماد خوارزميات أو من خلال حظر أولئك الذين ينشرون الإشاعات الكاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
غير أنه، كما يستدرك الباحث، “ليس من الجيّد أبدا فرض الرقابة، ولكن إذا أخذنا مثال تويتر أو فيسبوك، فلا أعتقد أنه يُمكن القول أنها رقابة حقيقية، لأنها خدمات خاصة، ويُمكن لمن يتم حظره فرصة الانتقال دائما إلى موقع آخر”، ويؤكّد على أن “الأمر يتعلق باستبعاد هذه الأفكار عن الخطاب العام وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل مجيء الإنترنت، أي في بطون كتب “جماعات العهد الجديد” ولدى المتخصصين في الترويج للإشاعات ولنظريات المؤامرة”.
باختصار، سيُمثل ذلك عودة إلى الوضع الطبيعي من حالة شاذة يُجسّدها الوضع الحالي، حيث عُرضت هذه النظريات على جمهور هائل، وهو ما منحها بالتالي وزناً أكبر مما لديها في الواقع، كما يستنتج فاغنر – إيغر.
التعليقات مغلقة.