اعمدة النكبة السبعة

203

كتب د. ماجد الخواجا..

حينما كنت صغيرا كان هناك تساؤلا مريرا أطرحه على والدي: لماذا هربتم ؟
كان يغضب ويصرخ محتدا: لم يكن هروبا أبداً.. كان طرداً ونفياً وتشريداً.. كنا شعب وادع مسالم بسيط.. نفرح لأصغر الأشياء وننتظر المواسم للزراعة.. للزواج.. لقطف الثمار.. للحصاد.. للأعياد.. إن طردنا كان أحد خيارين لاثالث لهما: إما بالخروج والسير للأمام دون أي نظرة للخلف.. وإما برصاصة تنهي حياة من يجرؤ على المقاومة..
لقد كان طردا منظما مخططا له.. كان جماعيا قسريا سريعا وبإتجاه واحد محدد.. لم يتح لنا مجرد التفكير في المقاومة.. ولم تكن متوفرة أمامنا أية إمكانيات لمثل تلك المقاومة..
شعب أعزل في مواجهة أعتى ما أنتجته صناعة السلاح حينها.. والذي كان بيد من لايرحمنا، بل لايعترف بآدميتنا.. وقال لي حينها: عندما تكبر سأقول لك كل الحكاية.. كبرت لكنني فقدت والدي قبل إتمام الحكاية…
كيفية نشوء قضية الللاجئين: هل كان خروجهم بمحض إرادتهم وإختيارهم.. وهل كان خيارهم اللجوء لهذا البلد أو ذاك.. هل غرر بهم بخروج مؤقت كي يعودوا مع طلائع جيوش التحرير العربية.. هل إبتعدوا كثيرا عن مدنهم وقراهم منذ البداية.. أي هل كان واضحا لديهم نية اللجوء.. هل كانت هجرة بحثا عن فرصة عمل أو مورد مالي أو أرض أكثر خصوبة..
وبالتحديد : كيف بدأت النكبة ؟؟؟؟
النكبة هي تكريس ( إسرائيل ) مقابل شطب ( فلسطين ).. ومن أجل ترسيخ الأساطير كان لابد من نسف الحقائق والوقائع.. فجاءت المسألة اليهودية على حساب القضية الفلسطينية.. أورشليم مقابل القدس.. الكيبوتس مقابل المخيم.. المستوطنون مقابل اللاجئون.. المغتصبون مقابل المشردون.. التطهير مقابل المذابح.. إعلان الإستقلال مقابل النكبة.. إنه لتكريس صحة مقولة ( إسرائيل زانجويل ) بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.. فهذ ا يعني لكي يوجد يهودي ينبغي أن يقابله إختفاء فلسطيني.. وكان الإعتقاد الذي أطلقه ( بن غوريون ) بأن اللاجئين سيذوبون ويتلاشون داخل المجتمعات والصحارى العربية.. وبمرور الزمن لن يعود هناك وجود لما يسمى قضية اللاجئين.. في 2 نوفمبر 1917 أصدر ( بلفور ) وعد من لايملك لمن لايستحق ودون مشورة صاحب الحق.. فلسطين التي تدعي الأسطورة الصهيونية بأنها أرض بلا شعب.. كانت في الواقع من أكثر مناطق العالم إزدحاما وكثافة سكانية نسبة لمساحتها..
هل باع الفلسطينيون أرضهم ؟
إن اليهود لم يتمكنوا من الإستحواذ على أكثر من 6% من مساحة فلسطين بما يساوي 1681كم في نهاية عام 1947.. وقد تم شراؤها من كبار الملاكين الغائبين غير الفلسطينيين ومن بعض كبار الملاكين الفلسطينيين ومن الكنائس والمؤسسات الأجنبية.. وأما الفلاحين المرهقين ضريبيا وطبقيا فكان نسبة ما باعوه أقل من 1%.. إن عمليات التهجير بدأت قبل إعلان دولة إسرائيل بربع قرن وذلك عندما قامت عائلة سرسق اللبنانية ببيع ممتلكاتها في 22 قرية في سهل مرج بني عامر مما أدى لتشريد 8000 فلاح فلسطيني.. وفي عام 1937 أوصت لجنة ( بيل ) بالتهجير.. وإن مفهوم الترانسفير ظهر ضمن مشروع (روزفلت) الذي إقترح نقل السكان العرب خارج فلسطين ومتمنيا ألايبقى عربي واحد فيها حتى لو إستدعى الأمر تسييج البلاد..
لماذا تركوا بلادهم ؟
ماالذي يدفع أمة من المزارعين والحرفيين والتجار إلى هجر بلادهم وديارهم.. إنهم لم يرحلوا بناء على طلب الإذاعات العربية أو قياداتها.. ولا إستجابة لرغبات ( المفتي ) كما يدعي الصهاينة.. إنه طرد ونفي وتشريد بإستخدام أبشع صور المذابح والفظائع والمجازر .. ما حدث هو عبارة عن سلسلة من الخطوات المنظمة المنهجية المتراكمة لتحقيق حلم هرتزل وزانجويل ووايزمان في الأرض الموعودة لشعب الله المختار..
هل هربوا ؟
إن أكثر من 90% من القرى نزحت بسبب هجوم عسكري صهيوني.. بالطرد المباشر.. بالخوف من الهجوم.. بالحرب والدعاية النفسية.. بإقتراف المجازر..
لقد إتبع الصهاينة سياسة التنظيف العرقي بما دعوه ( التطهير ).. كانت قواتهم تحيط القرية من ثلاث جهات وتترك الرابعة مفتوحة.. ثم تجمع السكان وتختار عددا من الشباب لإعدامهم وتدع الباقين ليهربوا وينقلوا أخبار المجازر..17 مذبحة إقترفها الصهاينة أثناء الإنتداب.. 17 مذبحة بعد إنتهاء الإنتداب.. وعشرات المذابح التي لم توثق رسميا..
لم يبع الفلسطيني .. ولم يهرب .. ولم يلجأ بعيدا عن مدنه وقراه .. كانت أكبر خديعة تاريخية قضيتنا الفلسطينية.. حقنا أبلج .. لقد ضاقت المخيمات والشتات .. وبقي شيء من الحياة .. ٧٣ سنة من الاحتلال وما زالت فلسطين خضراء القلب والدرب ..

التعليقات مغلقة.