السر الأكبر.. لِمَ نشأت الحياة على الأرض دون غيرها من الكواكب؟
الأردن اليوم – في الفيلم واسع الشهرة “28 Days Later” الصادر سنة 2002، يستيقظ البطل جيم، الذي يلعب دوره الممثل الأميركي كيليا ميرفي، ليجد نفسه وحيدا في أحد المستشفيات اللندنية، الأجواء عشوائية تماما وكل شيء مُحطَّم أو في غير مكانه، الملابس والأجهزة الطبية والأبواب والمقاعد. يخرج إلى الشارع فلا يجد أي أثر لبشر، يتجوَّل في السوق القريب، يركب السيارة ويسافر لعدة أميال، لكن تظل النتيجة نفسها قائمة، يبدو أن شيئا كارثيا ما قد حدث، أين ذهب الجميع؟
هذا هو السؤال نفسه الذي طرحه البشر منذ قديم الزمن حول وضعنا في هذا الكون، ذات مرة قال الفيلسوف ميترودوراس(1)، تلميذ ديمقريطس، الذي عاش قبل ما يقرب من ألفين وخمسمئة سنة: “سوف يكون من الغريب أن توجد سنبلة قمح واحدة في حقل قمح، كما هو غريب أن يوجد عالم واحد مأهول في اللا نهائي المُمتد”.
حينما ظهرت التلسكوبات، واستخدمها الفلكي الألماني ويليام هيرشل في أوائل القرن التاسع عشر، قال إنه حينما نظر إلى القمر ورأى فوهاته بتماثلها الرائع، ظن أنها قد صُمِّمت من قِبَل “أهل القمر”، انطباع مُشابه جاء على لسان الفلكي الشهير كريستان هوينجز الذي ظن أن ملامح المريخ والمشتري في التلسكوب هي سحب ومياه، وأنه ربما يكون هناك سكان من بني البشر، أو غيرهم، يعيشون في هذه المناطق.
لكن مع ابتكارنا للمزيد من أدوات التقنية، وصولا إلى المركبات الروبوتية التي تتجوَّل الآن على سطح كوكب المريخ مثل “بيرزفيرانس” أو “كيوريوستي”، تراجعت تلك التصوُّرات حتّى وصلنا إلى لحظة كتابة هذه الكلمات، حيث لم نكتشف بعد أية صورة من صور الحياة في مجموعتنا الشمسية أو أي نظام نجمي آخر نعرفه، لم نجد حتّى خلية بكتيرية واحدة.
نعيش في كَون وُلد، كما نتصوَّر، قبل نحو 13.8 مليار سنة، به تريليونا مجرة بحسب آخر الدراسات في هذا النطاق، كل واحدة منها تحتوي على مئات المليارات من النجوم، نعتقد كذلك -بعد نحو أربعة عقود من البحث في نطاق الكواكب التي تدور حول نجوم غير الشمس- أن هناك عددا مماثلا من الكواكب، بعضها لديه أجواء تُشبه أجواء أرضنا الدافئة.
في كون كهذا، يمكن لحضارة ما تمتلك تكنولوجيا صاروخية متوسطة قد تستطيع الوصول إلى كامل حدود المجرة الخاصة بها خلال 10 ملايين سنة فقط، في تلك النقطة دعنا نفترض أن هناك كوكبا ما، لنسمّيه “الكوكب كريبتون”، يشبه الأرض في كل شيء تقريبا، وُلد “كريبتون” قبل نحو 6.5 مليارات سنة ضوئية، بينما وُلدت الأرض من باطن السحابة الغبارية المحيطة بالشمس قبل 4.5 مليارات سنة ضوئية فقط، هذا يعني أن كريبتون الآن يتقدَّم عنّا بمليارَيْ سنة كاملة.
هنا سوف نسأل: متى ابتكر الإنسان الكتابة، قبل نحو خمسة إلى سبعة آلاف سنة مثلا؟! إن كل ما نراه من تقدُّم صناعي كان ابن 200 سنة سابقة، ومنذ 20 سنة فقط لم نكن لنتوقَّع أن 6 مليارات شخص من هذا الكوكب سوف يمتلكون هواتف محمولة. إن تطوُّر القدرات التقنية للبشرية يدفعنا، على الأقل، لفهم مدى التقدُّم المتوقَّع إذا استمرت الأمور بهذا النمط.
في تلك النقطة يتدخَّل الفيزيائي الروسي نيكولاي كافيندش(3) ليقول إنه يمكن أن تكون هناك ثلاثة مستويات أساسية لأية حضارة، الأول هو قدرة الحضارة على استخدام وتخزين الطاقة الواصلة لها من النجم الذي تتشمَّس به، والثاني أن تكون الحضارة قادرة على صنع تقنيات تبلغ من الدقة والتطوُّر بحيث يمكن لها أن تُغلِّف نجمها كاملا لتستغل كل ذرة طاقة صادرة منه، والثالث أن تتمكَّن الحضارة من استخدام وتخزين كل طاقة المجرة الخاصة بها.
في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، جادل كلٌّ من كارل ساجان وفرانك دريك، عالِمَيْ الفلك الأميركيين، بأن الأرض كوكب نمطي، عادي جدا، هناك المليارات من الكواكب التي تشبهها في مجرتنا فقط، وبالتالي فإن ذلك يضعنا أمام “احتمالات” كبيرة لوجود الحياة العاقلة في الكون، هذا بالأساس هو ما تسبَّب في تأجُّج مفارقة فيرمي، لأن الاحتمالات كبيرة ولم نرَ أي شيء إلى الآن.
اعتمد الثنائي على مجموعة من الأساسات البسيطة لدعم حجتهما، منها مثلا ما نعرفه الآن باسم النطاق الصالح للحياة، ويعني المنطقة حول النجم التي يمكن لكوكب يوجد بها أن يحتوي على الماء في صورته السائلة، لا يكون قريبا من النجم فيتبخَّر الماء، أو بعيدا فيتجمَّد، نعرف بالفعل نحو 70 كوكبا بهذه الظروف حاليا.
لكن في الثمانينيات من القرن الفائت اقترح كلٌّ من الأميركييْن(4) بيتر وارد، مُتخصِّص علوم الحفريات، ودونالد براونلي، أخصائي الفلك، أن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك، سنفترض مثلا أن كوكبا ما، يُدعى “س”، نشأ في النطاق الصالح للحياة حول نجم شبيه بالشمس، لكنه كان قريبا من مركز المجرة، هنا سيكون من الصعب أن تنشأ عليه حياة، لأنه كلما اقتربنا من مركز المجرة ازداد اقترابنا من الثقب الأسود في مركز المجرة، والنجوم النيوترونية المحيطة بتلك المنطقة، والإشعاع الصادر من هذه الأجرام كفيل وحده بإنهاء الحياة على هذا الكوكب.
من جانب آخر، فإن تلك المنطقة مزدحمة بالنجوم، يعني ذلك أن هناك احتمالية أن يمر أحدها قريبا من هذه الشمس الجديدة التي يدور “س” حولها، فيخل بمداره، وبالتالي تتأثَّر الحياة الناشئة على سطحه، أو ربما تفنى تماما، إن كانت قد نشأت من الأساس.
عند تلك النقطة يظهر ما نُسمّيه “النطاق المجري الصالح للحياة”(5)، ويعني أن هناك شريطا محددا جدا من الإمكانيات لنشأة واستمرار الحياة في مجرة درب التبانة، أو أية مجرة أخرى، يُخفِّض ذلك لا شك من احتمالات وجود حياة عاقلة في مجرتنا بشكل كبير، لكن هناك ما يُصعِّب المهمة بصورة أكبر مما يمكن أن تتصوَّر.
ليست الفكرة أن تنشأ الحياة فقط، ولكن أن تتطوَّر أيضا، أي أن تزدهر وتتنوَّع على مدى مليارات السنين، ويعني ذلك أن تجد الحياة فرصة للاستقرار، في الأرض كانت تلك الفرصة موجودة لأسباب عدة، لفهم الأمر دعنا نتأمل حركة الأرض، فهي تتأثر بانتظام في أثناء دورانها حول الشمس بعدة قوى، فبجانب جاذبية الشمس، هناك أيضا جاذبية الكواكب الأخرى، خاصة العملاقة منها كالمشتري، تؤثر تلك القوى الجذبية مباشرة في مدار الأرض ومَيْل محورها، الذي يقف الآن عند 23.4 درجة.
بالمثل يلعب القمر، بسبب حجمه الكبير نسبيا مقارنة بكوكب الأرض، دورا في الحفاظ على مَيْلها، يشبه الأمر راقصيْن على الجليد، حينما يمسك كلٌّ منهما بيدَيْ الآخر فإنهما يحافظان على اتزان بعضهما، مقارنة بالحالة التي يرقص فيها كلٌّ منهما منفردا، كذلك هو الحال بالنسبة للأرض والقمر، ولذلك عادة ما يُطلَق عليهما “النظام الأرضي القمري”.
المريخ على سبيل المثال لا يمتلك تلك الميزة(6)، لأن قمريْه صغيران جدا بالنسبة للكوكب، “ديموس” بقُطر 15 كيلومترا فقط، و”فوبوس” بقُطر 25 كيلومترا، لذلك فإن الكوكب غير ثابت في مَيْله بسبب جذب المشتري القريب، وكثيرا ما يتغيَّر مَيْله (يستغرق الأمر مئات الآلاف من السنوات)، لكنّ تغيُّرا طفيفا في المَيْل يضرب المناخ تماما، وبالتالي يُهدِّد استقرار الحياة، إذ يتركَّز ضوء الشمس على سطح الكوكب في مناطق دون غيرها مع كل تغيُّر، وبالتالي تتغيَّر قيم درجات الحرارة والبرودة والنظام المناخي بصورة جذرية، قد يكون المناخ رطبا جدا ثم يصبح جافا جدا، أو قد يتحوَّل المكان ذو الطبيعة الصحراوية إلى غابة مطيرة، إلخ.
الأمر لا يتوقَّف فقط على الأرض، بل له علاقة بكل مكونات المجموعة الشمسية، ولفهم هذه النقطة المعقَّدة دعنا نتأمَّل ما توصَّل إليه علم البحث عن كواكب خارج نطاق الشمس إلى الآن بعد اكتشاف أكثر من 4000 كوكب، حيث ظهر أن الشكل الذي تتخذه المجموعة الشمسية حاليا نادر، أو قل “غير معتاد”، عادة ما تكون الكواكب العملاقة قريبة إلى النجم الذي تدور حوله (وليست بعيدة كحالة المشتري)، وعادة ما تكون الكواكب الصخرية أكبر من الأرض ورفاقها، تُسمى في هذه الحالة أرض فائقة (Super Earth)، وتقف في الحجم بين الأرض ونبتون.
ما الذي حدث في حالتنا إذن؟ يتصوَّر الباحثون في هذا النطاق أنه في بداية تاريخ المجموعة الشمسية تكوَّنت 3 كواكب صخرية أكبر من الأرض في حجمها وكتلتها (أرض فائقة)، كان المشتري في تلك الفترة قد تكوَّن في الخلفية بعيدا، ثم كما هو المعتاد تحرَّك ناحية الشمس، وكان المفترض أن يصل المشتري إلى منطقة قريبة من الشمس، ويُحطِّم بوجوده الكواكب التي كانت في تلك المنطقة، ويقف مكانها.
لكن في حالة الأرض الخاصة، فإن المشتري خضع لما يُسمى “فرضية تغيُّر الاتجاه الكبرى”(7) (Grand tack hypothesis) التي تقول إنه بعد تشكُّل المشتري على بُعد 3.5 وحدة فلكية من الشمس (الوحدة الفلكية هي نحو مئة وخمسين مليون كيلومتر)، هاجر الكوكب إلى الداخل حتى مسافة 1.5 وحدة فلكية من الشمس، قبل أن يعكس مساره ويعود مرة أخرى إلى مسافة 5.2 وحدة فلكية.
حدث ذلك بسبب ظهور زحل في خلفية المشتري، فارتبطا جذبويا معا، وتمكَّن زحل من منع المشتري من المُضي قُدما لتدمير منطقة الكواكب الصخرية نهائيا، وجذبه للخلف مرة أخرى، لكن حينما اقترب المشتري من منطقة الكواكب الصخرية تسبَّب في بلبلة شديدة بين كواكبها، فتحطَّمت وكانت النتيجة تكوُّن 4 كواكب صخرية أصغر من الثلاثة الكبيرة.
هل يعني ذلك أن وجود كوكب زحل كان أساسيا لنشأة واستقرار الحياة على سطح الأرض، أم أن وجود كوكبين عملاقين بالنموذج نفسه ضروري لإبقاء الحياة على كوكب ثالث أقرب للنجم؟ إنه سؤال مهم جدا في سياق حديثنا عن فرص الحياة على الكواكب الأخرى، خاصة حينما نعرف أن سفر المشتري للخارج مرة أخرى تسبَّب في بلبلة إضافية للصخور الثلجية المحيطة به، والغنية بالماء، بسبب ذلك، انطلقت ملايين الضربات التي تلقَّتها الأرض في تلك الفترة، وكانت السبب في حصول كوكبنا على مائه.
لكن هذا الماء الثمين لم يكن ليبقى مستمرا على الأرض طوال أربعة ونصف مليار عام لولا الصفائح التكتونية(8)، وهي الحركة الدائمة لقطع القشرة الأرضية تجاه بعضها بعضا، تلتقي الصفائح التكتونية معا فتصنع الجبال، مثل الهيمالايا، وتبتعد عن بعضها فتصنع القيعان والوديان، مثل الوادي المتصدع الكبير في شرق قارة أفريقيا، وتنزلق قبالة بعضها بعضا فتصنع البراكين، وكل ذلك كان يُعيد تدوير الماء وثاني أكسيد الكربون، ومعهما العناصر الضرورية للحياة، عبر مليارات السنوات.
هل نجد في المجموعة الشمسية كواكب تحتوي على صفائح تكتونية متحركة؟ للأسف لا، يُعتقد أن المريخ كان كذلك يوما ما قبل عدة مليارات من الأعوام، الأمر الذي ساعده بالفعل على الحفاظ على الماء وربما النباتات والحياة، لكنه توقَّف. كذلك فإننا نمتلك فقط تقنيات محدودة لتكشف لنا مدى شيوع الصفائح التكتونية في الكواكب حول النجوم الأخرى.
كل هذا ونحن نتحدَّث فقط عن إمكانية وجود الحياة على سطح كوكب ما، ولم نتطرَّق بعد إلى الحياة نفسها، نشأتها وتطوُّرها وتنوُّعها، يكفيك أن تعرف أن فريقا من جامعة كارديف(9) البريطانية كان قد فحص قبل عدة أعوام اثنتين من بقايا الانفجارات النجمية الهائلة (المستعرات العظمى) ليجد أن نِسَب عنصر الفسفور بها ضعيفة جدا، الأمر الذي يؤثر على تصوُّراتنا عن شيوع الحياة بالطبع.
الفسفور هو واحد من ستة عناصر أساسية توجد في الحمض النووي للكائنات الحية (أدينوسين ثلاثي “الفوسفات”)، وبالتالي فإن ندرته تعني في المقابل ندرة في وجود الحياة نفسها، وبالطبع فإننا هنا نتحدَّث عن صور للحياة كتلك التي نعرفها، لكن في تلك النقطة يجب توضيح أن الحياة “التي نعرفها” قد تكون أيضا أسهل صور الحياة، وبالتالي أكثرها احتمالا.
لفهم تلك الفكرة دعنا مثلا نتأمَّل الفارق(10) بين ذرة كربون وذرة سيليكون، كلاهما يمكن أن يحتوي على أماكن تقبل بإنشاء أربع روابط كيميائية، يعني ذلك أن كليهما يُمثِّل فرصة أفضل للعمل عمودا فقريا كيميائيا لصور مزدهرة ومتنوِّعة من الحياة مقارنة بذرات أخرى تمتلك فقط رابطتين كيميائيتين أو رابطة واحدة (تخيَّل الفارق بين فرص قطعة ليجو بأربعة أماكن وقطعة أخرى بمكانين في العمل كهيكل لشكل تبنيه).
لكن مقارنة بالسليكون، فإن روابط الكربون أكثر مرونة في أثناء تفاعلها مع العناصر الكيميائية الأخرى، وبالتالي يعطي ذلك فرصة أكبر لتفاعلات كيميائية أفضل، ويعني ذلك فرصة أفضل لنشأة وتنوُّع الحياة، التي هي -بشكل مجرد- صورة لتفاعلات كيميائية معقدة ومرنة، وبالتالي فإن صور الحياة المعتمدة على الكربون تمتلك فرصة أفضل للوجود في هذا الكون مقابل صور الحياة المعتمدة على السليكون، إن أمكن أن توجد من الأصل.
حسنا، يصب كل ما سبق، وهي مجموعة من الأمثلة من ضمن عدد أكبر، في فرضية اقترحها وارد وبراونلي تُسمى “الأرض النادرة” (Rare Earth hypothesis)، التي ترى أن وجود الحياة على سطح كوكب ما يتطلَّب عددا كبيرا من العوامل المعقدة، وبعضها نادر، تُخفِّض جميعها إلى حدٍّ كبير احتمالات ظهور الحياة في الكون، يتفق ذلك مع فرضية سابقة اقترحها روبن هانسون أستاذ علم الاقتصاد بجامعة جورج ميسون(11).
تؤكِّد فرضية روبن أن أية حضارة تبدأ من نجم وكوكب في النطاق الصالح للحياة، لكن هذا هو شرطها الأول فقط، بعد ذلك نحتاج إلى الشرط الثاني وهو وجود جزيئات الحياة (الحمض النووي)، ثم ظهور الأشكال الأوّلية وحيدة الخلية، ثم التعقُّد الخلوي التالي، ثم ظهور التكاثر بالتزاوج، ثم ظهور الكائنات متعددة الخلايا، ثم يتمكَّن كائن ما من استخدام دماغه، ثم المرحلة التي نحن البشر فيها الآن، وأخيرا القدرة على استعمار كواكب أخرى والنفاذ إلى جوانب المجرة، أو الكون كله.
لكن ماذا لو كان أحد تلك الشروط يُمثِّل عجزا حقيقيا لا يمكن تجاوزه بسهولة في طريق أية صورة من صور الحياة؟ يُسمى ذلك العجز بالمصفاة العظيمة أو المرشّح العظيم (Great Filter)، قد تكون سببا أوّليا كنشوء الحياة، أو سببا يقع في مرحلة متقدمة كأن تقوم النسبة الكبرى من الحضارات بتدمير ذاتها في أثناء تخطّي مرحلتنا (التي نقع فيها الآن) إلى مرحلة تقدُّم حضاري أكبر يسمح باستعمار كواكب أخرى.
من تلك الوجهة، فإن الأرض إمّا كانت ضمن عدد قليل جدا من الكواكب المحظوظة بالمرور من تلك المصفاة الدقيقة قبل عدة ملايين/مليارات من السنين، أو أنها ربما مُقبلة على كارثة كونية أو حضارية، فالحضارات قد تفنى بضغطة زر من “مخبول” كوري أو أميركي أو روسي مثلا، ربما نجونا من حروب سابقة، لكن هل نضمن أن ننجو في سياق تطوُّر هائل في علوم الحرب، وهل تطوَّرت عقولنا كفاية للتكيُّف مع كل هذا؟!
حينما يسأل إنريكو فيرمي: “أين ذهب الجميع؟”، فإن إجابة وارد وبراونلي ومايسون هي: “لا يوجد جميع كما تظن”، لكنها ليست الإجابة الوحيدة، هناك افتراضات أخرى تقترح أن تلك الحضارات موجودة لكنها لا تريد التواصل معنا لأسباب كثيرة، فإما أننا بدائيون للغاية، وإما أن الأمر مُكلِّف اقتصاديا ولا نتائج جيدة من ورائه، على جانب آخر فإن حجم التقنيات الرصدية الخاصة بنا لا تُمكِّننا -بمعيار فلكي- إلا من النظر قبالة أعيننا في المجرة.
بحسب “معادلة دريك الإحصائية”(12)، فإنه يمكن أن تكون هناك نحو 4590 حضارة ذكية في مجرتنا، وبفرض أنها جميعا توجد على المسافة نفسها من بعضها بعضا، يجعل ذلك من المسافة بين كلٍّ منها 28 ألف سنة ضوئية، وإذا أضفت إلى ذلك حدود التفاؤل الخاصة بالمعادلة فستصل تلك المسافة إلى رقم ما بين 1361-3979 سنة ضوئية، بينما أقصى حدود تلسكوباتنا البشرية هو 500 سنة ضوئية فقط، نعم، قد يكونون هناك بالأعلى لكننا لم نستطع رصدهم بعد.
التعليقات مغلقة.