البطاينة: لا وجود لنِظام سياسي في العالم مُعفى من المعارضة.. والإصلاح السّياسي توقّف بالأردن عام 1993.. ولعبة الوَزن والحَجم الديموغرافي تَتَدحرج كَكُرة الثّلج

126

كتب المهندس سليم البطاينة..
كعادتي دوماً ومن وقت لآخر أدخل في نقاش ساخن مع الأصدقاء حول الوضع العام بالأردن .. وفي كل مرّة يأخذ النقاش نفس المُنحنى .. أسوقُ حُجَجي ويسوقون حُجَجهم ونختلف حول من يجب أن يتحمّل مسؤولية ما وصلنا إليه حالياً من أوضاع مُزرية .. ثم ننتهي من حيث بدأنا بأن أحوال الأردن لا تَسُر الخاطر.

واليوم يُطرح أكثر من سؤال وأكثر من علامة استفهام لمعرفة قصّة لعبة الديموغرافيا في قانون الإنتخاب القادم و إلغاء دوائر البادية ودَمج بعضاً من الدوائر ؟ وما صرّح به رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي بمن أَسماهُم بمعارضي الوطن.

علماً أن القاموس السياسي الأردني ما زال حتى الآن لم يُعرّف معنىً للمعارضة السياسية داخل الأردن ضمن النّسق السياسي الأردني .. فما زالت هناك منطقة رمادية تَحُولُ بين كافة الأطراف .. والبعض يقول بأن عدم الإعتراف بالمعارضة هو انحراف سياسي وتَسطيح للفِكر وتهميش للعَقل.

فالنظام السياسي العقلاني والذّكي هو الذي يوفّر الأَقنية والأُطُر المؤسسيّة لقيام معارضة وطنيّة .. والخَطر على النظام السياسي عادةً هو حدوثُ حالة الفراغ في مركز المعارضة .. فَذَلك الفراغ سيُحدث هزّات اجتماعية غير متوقعة .. فمن يوجّه الإنتقاد للدولة فَهو يؤمن بشرعيّة النظام السياسي ويأتي انتقاده لرفضِه السياسات القائمة التي لم تُحقّق طموحات الناس.

وتعامُل الدولة مع معارضة واضحة هي أكثر ضمانة رئيسية لإستقرار نظام الحكم .. فالمعارضة الفرديّة هي مصدر قوة للدولة والنظام وليست مَصدر ضعف.

فالمجتمع الأردني يُعتبر صغير نسبياً وعلاقاتُه السياسية لازالت خاضعة لشروط اجتماعية وثقافيّة تُحدّدها طبيعة المجتمع وتكوينه .. فَلَه آراء لا تقبل المَحْو والإلغاء.

وتعدّ المعارضة السياسية في جميع دول العالم من أحد الأركان المهمة لتطوير الحياة السياسية والبرلمانية ووظيفتها تحقيق التوازن الإجتماعي والسياسي داخل البلاد .. وفي حال غيابها تُجهَض العملية السياسية ويَحِل محلها عملية قهر وابتزاز.

وبالعودة مرّة أخرى إلى حديث رئيس اللجنة الملكية سمير الرفاعي بأن المعارضة هي السبب في تأخّر الإصلاح .. وليتّسع صدره فيما أكتبه.

فمُنذ عام ١٩٩٣ والأردن يعاني من حالة الفراغ والقصور السياسي حيث توقّفت عربة الإصلاح وتمّ وضع الحصان خلف العربة وتمّ تجاوز الدستور و تزوير الإنتخابات عبر التشريع الدستوري وترتيب الدوائر الإنتخابية حسب الرغبة .. وتمّ أيضاً العبث بصناديق الإقتراع وإيقاف الحياة السياسية والبرلمانية لمدة سنتين .. وصولا إلى ما يسمى بالدوائر الشّيطانية (الوهميّة).

فليس من المعقول ومن ذلك التاريخ ونحن نتحدّث عن مشاريع للإصلاح السياسي ونبحث عن قانون انتخاب وأحزاب مفقودَيْن في أعماق المحيطات وتائِهيْن في الفضاء الخارجي.

وهنا لابد لي من التّذكير لمن نسي أو تناسى أنه حينما تم إجراء انتخابات عام ١٩٨٩ لم يُثِر أحد موضوع الحجم والوزن الديموغرافي .. فعلى ما يبدو أن هناك من يعمل على لَوْيِ الحقيقة رغم أنها أمامه فالزمن أفقدَه الذاكرة .. فالرئيس عون الخصاونة عندما كان رئيساً للوزراء ومنعاً للإستمرار في لعبة الديموغرافيا تبنّى قانون انتخاب دستوري .. فما نسمعُه من إلغاء لدوائر أو دمج للبعض منها وزيادة حصص تيّارات أخرى هو برأيي تخبيص سياسي لئيم وعواقبه وَخيمَة جداً .. فإذا عمّت الفوضى السياسية لن يكون هنالك حدود واضحة بين المسموح والمُحرّم.

فأزمة الدولة الأردنية باتَت حالياً أزمة نُخب وقيادات أُستُهلِكت وانتهت صلاحيّتها .. والساحة السياسية بحاجة ماسّة إلى فضاءات سياسية وقيادات جديدة .. فالسياسي الذي يملأ فراغات الجهل لا يَعي المسؤولية ولا يُدرك حجم مخاطرها.

وهنا لدي استفسار لكنّه حقيقة بصيغة سؤال ، هل تمّ عرض رئاسة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية على رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز بطريقة أو بأخرى ؟ وهل اعتذر عن رئاستها لأسباب جيوعشائرية ؟ فالجواب على سؤالي لن أتمكّن من الحصول عليه حالياً فالأيام القادمة ستَضعُنا بصورة كل ما حدث.

التعليقات مغلقة.