البطاينة: حالة استرخاء سياسي وإستِعادة للأوراق القديمة .. وإجادَةٌ لِلُعبة السياسة الخارجية

وإجادَةٌ لِلُعبة السياسة الخارجية في الرّقص بين الأفاعي ببرغَماتيّة وعقلانية .. وصُعود إقليمي بأدوار جديدة.

148

كتب المهندس سليم البطاينه.

تَعيش حالياً مؤسسات الدولة الأردنية حالة من الإسترخاء السياسي لمغادرتها مربّع الإستعصاء والإنسداد السياسي بعد انتهاء زيارة الملك الأخيرة لواشنطن.

والواقع أن غالبية الأوساط السياسية والإعلامية تترقّب نتائج تلك الزيارة .. ويترصّد المحلّلون والمراقِبون ما يصدر من إشارات وتصريحات تَمنح إضاءات هنا وهناك .. وما هِي استعدادات الدولة ومؤسساتها لديناميّة ما بعد الزيارة ؟

فالملك هو أول زعيم يزور البيت الأبيض ويلتقي الرئيس بايدن .. والزيارة كانت فرصة كبيرة لإستنطاق توجّه الرئيس بايدن وإدارته تجاه المنطقة والأردن وأدواره الإقليمية في المرحلة القادمة وحجم المساعدات المالية المتوقّعة .. والتي هي قضيّة لطالما شكّلت مصدراً من مصادر القلق لدى المسؤولين الأردنيين ومبعثاً لسِجال واسع في الأوساط السياسية وبين النّخب خصوصاً بعد المعاناة التي عاناها الأردن مع الرئيس السابق دونالد ترامب وإدارته وصِهره من زيادة حدّة الإستقطاب بالإقليم وتجذّر الأزمات العربية والإنحياز الأمريكي التّام لإسرائيل والقفز كلياً عن القضية الفلسطينية وملحقاتها.

علماً أن الدور الإقليمي الأردني في تلك الفترة تعرّض لضربات موجِعة من الإخوة والأصدقاء والحلفاء .. وأدّى إلى انعزاله وممارسته دوراً دبلوماسياً فقط خوفاً من معاكسة المتغيّرات الإقليمية وارتداداتها الغير محتملة.

فالفترة السابقة بإعتقادي انتهت وخَرج الأردن من عزلته التي فُرضت عليه بفضل إجادة لعبة السياسية الخارجية التي قادها الملك .. حيث بَرعت وتفنّنت من خلال النهج البراغماتي العقلاني بابتعادها عن المغامرة والنأي بالنفس والإبتعاد عن الإصطفاف في المحاور المتصارعة.

والأردن حقيقة كان الأكثر تضرراً في الإقليم نتيجة الصراعات والتوتّرات .. وتعرّض لضغوط وعمليات ابتزاز لموقِفه من القضية الفلسطينية .. فصِهر الرئيس ترامب ومستشاره ( جاريد كوشنير ) ركّز على كل من السعودية ومصر والإمارات وأهمَل وهمّش دور الأردن وعمِل على استبعاده مدة أربع سنوات .. ممّا أدى إلى طرح المسؤولين الأردنيين تساؤلات حول إذا ما كان الأردن وموقعه الجيوسياسي ومكانته معرضين للخطر ؟

فعلى الرغم من كل تلك الضغوط فقد حافظ الأردن على عدم فراغ كرسي الدفاع عن القضية الفلسطينية .. فالخصوصية الجيوسياسية تفرِض على الأردن دوراً مركزياً في مستقبل القضية الفلسطينية وفي مسار التسوية النهائية.

والملعب حالياً بات مهيئاً بشكل غير مسبوق للأردن للَعِب دور بارز كلاعب أساسي في المنطقة وتحقيق قيمة مضافة لدوره في الأيام القادمة .. وعلى السياسية الخارجية الأردنية السير نحو إعادة تثبيت أقدامها بين اللاّعبين السياسين في المنطقة بعد جلوس طويل على مقاعد الإحتياط وبين الجمهور لوضع حد للتحرّكات التي شكّلت تحدياً كبيراً لإستقرار الأردن ولسياسته الخارجية ولكبريائه الإقليمي.

فموقِع الأردن المحوري والجغرافي وقوّة جيشه وأجهزته الأمنية لا شك أنها عناصر تؤهّله لإستعادة دوره الإستراتيجي السابق .. والدّور الأردني ليس مصطنعاً وهو دور يَستحيل تجاهله وهو مسألة حياة أو موت بالنسبة للأردن .. فهو دور طبيعي يشكّل جزءاً لا يتجزأ من تركيبة المنطقة وتوازناتها منذ إنشاء الإمارة في عشرينات القرن الماضي.

والولايات المتحدة الأمريكية تَعي جيداً أن أي ضعف للنظام الأردني يمكن أن يؤدي إلى تغير الوضع الإستراتيجي لإسرائيل .. فاستقرار الأردن وأدواره الإقليمية بإعتقادي ستبقى قضايا حيوية في المصالح الأمريكية والغربية وتنسَجم مع اعتبارات الأمن القومي الأمريكي.

وعلى أي حال انتهت الزيارة الملكية لواشنطن والتساؤلات حولها كثيرة والمعلومات المتوفرة قليلة ! فجريدة San Jose news الأمريكية تحدّثت عن تلك الزيارة وركزت أن الأردن هو حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية كونه الآن يستوعب أكبر قاعدة عسكرية و ١٦ مركز انتشار للقوات الأمريكية على الجغرافيا الأردنية .. وطالبَت الجريدة الإدارة الأمريكية والكونغرس بتقوية دور الأردن وتقديم المزيد من المساعدات له لتخفيف الضغوط عليه لصالح انعاش وضعه واقتصاده الداخلي واستقراره الإجتماعي والسياسي ليشعر الأردن بالطمأنينة.

فبالموازاة مع نجاح زيارة الملك للولايات المتحدة الأمريكية لابد لِمَطبخ القرار من إيلاء الوضع الداخلي أهمية كبرى .. فلا يتسع المجال هنا لتَفنيد الأخطاء .. ولا نُخفي أيضاّ تشاؤمنا من تدهور الأوضاع الإقتصادية والمعيشيّة للناس .. فهناك احتقان وتمَلمُل شعبي وشلل اقتصادي يضع الدولة أمام تحدّيات جسام أخطرها البطالة وغياب العدالة الإجتماعية وإعطاء الأولوية للشأن الأمني متقدماً بالأهميّة عن مواضيع كثيرة كالإستقرار الإقتصادي الذي أصبح على ما يبدو في ذيل أولويات الدولة.

وبالعودة مرة أخرى إلى الشأن الداخلي الذي يؤرقنا جميعاً فالذي يحدث داخل أروقة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي نعوّل عليها كثيراً مؤسف جداً ويدخل في خانة الرسوم المتحركة .. فما يتم طرحه بجُرأة حول الهوية هي مؤامرة وفخ قادم .. والجميع يسأل هل المطلوب حالياً هي الهوية أم أن الموضوع أكبر من ذلك وهو تصفية القضية.

التعليقات مغلقة.