البطاينة: اللّجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية والإختباء خلف الملك.. وهندسة الديموغرافيا وهَوس الهويّة يتصاعدان كالدّخان.
كتب المهندس سليم البطاينة..
من يَرصد تصريحات رئيس لجنة تحديث المنظومة السياسية يَلحظ تِكرار اسم جلالة الملك عشرات المرّات كعبارات شدّد الملك وعبّر الملك .. الخ وهي برأيي نُزوع للإختباء خلف الملك خوفاً وخِشية من الإنتقاد وتوجيه التّهم.
فالملك هو رأس الدولة وهو لكل الأردنيين للمؤيد والمعارض والعاتِب والراضي.
والأردنيون ليسوا في مزاد ليتم المزاودة عليهم ، ولعبة الإصلاح السياسي تفقد أهميّتها إن لم نرى فيها أوراقاً تكشف أوراق .. فما نراه أمامنا اليوم يعكس ويجسّد رغبة خفيّة في إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه.
فإنتقاد الناس للتصريحات والتسريبات التي تصدر عن أعضاء اللجنة ليست جريمة يُعاقب عليها القانون فَهم غير محصّنين والبعض منهم تورّط في لعبة التسريبات واللّمزات والغَمزات وأدخل البلاد في مزاج سياسي سيء.
فاللجنة على ما يبدو لا تُحب أن تسمع انتقاداً من أحد .. ولا تُحب أن يتم تتبّع سقطاتها وتسريباتها .. وبعيداً عن الإغتيالات غير الموضوعية فالناظر إلى اللجنة يتأكد يوماً بعد يوم أنها تختبىء خلف عباءة الملك .. وهذه لعبة قديمة أتقَنها معظم السياسين في الأردن لسنوات طويلة.
فالإنجاز هو الفَيصل والحد الفاصل بين جوهر النّقد والإشادة .. والنّقد فيه تقويم إذا كان يعتمد على أدوات قياس ومبنياً على حقائق .. فحاجز الثقة بالأصل مكسور والفَتق أوسع من القدرة على الرّتق والكُل متّهم حتى يَثبُت العكس.
وأزمات اللّجنة تتراكض وحديث رئيسها الرفاعي أمام الملك يتقاطع مع وعود كثيرة حول جدّية الإصلاح المُرتقب .. فما يحدث من تسريبات هو اختلال سَببه الرئيس غياب إجابات لمجموعة من الأسئلة الحرجة التي تحتاج إلى تعريفات واضحة حتى نعرف ما يدور من حولنا لنتمكّن من تجنّب الوقوع في المُحرّمات السياسية والإجتماعية .. فخَلف الكواليس لا نملك معلومات حول ماهيّة المرحلة القادمة والعمليّة القيصرية للجنة التحديث تتمطّى وتنزلق من تاريخ إلى آخر .. وأسئلة الأردنيين لا تكاد تتوقف فهي تَجوب عقولهم تارّة بالهمس وتارّة باللّمز والخوف من تحوّلها إلى صراخ وغضب منفلت لإغلاق ما تبقى من فضائنا السياسي الداخلي.
وإصلاح المنظومة السياسية يجب أن يتضمّن تعديل بعضاً من مواد الدستور وهذا أمر مهم لا يَحتمل التأخير أو التسويف أو المماطلة فهو لا يحتاج إلى اختراع عجلة هذا إن كانت لدينا الإرادة السياسية الحقيقية للمضي قدماً في الإصلاح.
وهنا لسنا بحاجة إلى مفردات جديدة فالكلّ يتّفق على أن الإصلاح المؤثر والحقيقي ينبغي أن يكون كقوس قزح.
فسياسة حرق المراحل أصبحت مكشوفة ولن تقود إلى إصلاح أو تغير .. والمشي على حبل مشدود والحفاظ على التوازن في نفس الوقت غالباً ما يفشل .. فالذكاء السياسي هو أن تكون مرناً تتعامل مع واقعك بعقلانية وعن الحدث بحكمة .. فالإصلاحات القديمة كانت فقط لتجاوز أزمات المراحل.
والمُحزن أن هناك من يستخف في عقولنا ويريد منّا أن نعيش خارج التاريخ والجغرافيا .. ويقول أن الأردنيين لم يصلوا بعد إلى مرحلة تسمح لهم بممارسة الديموقراطية كأداة للحكم وتبادل الأدوار السياسية.
وهذه عبارات ملغومة لطالما زجّ بها المستفيدون وأبناء الورثة والموروثين الذين يخافون على مصالحهم ومصالح أبناءهم وأصهارهم .. فالكُلّ يعرف أنه في ظل تراجع الإصلاحات السياسية سابقاً تسلّلت أسماء كثيرة وفرضت وصايتها على واقعنا السياسي.
فقدرة أي نظام سياسي على الإستمرار والإستقرار يعتمد على مرونته في التجاوب مع المطالب الداخلية .. ونحن مازال حاضرنا مشغول بماضينا .. والهوية تتغير تبعاً لتحركات الخطوط المرسومة للحدود فعندما تضيع اتجاهات البوصلة يصبح مصطلح الهوية مصطلح ملغوماً .. فالمستقبل يعيش في بطن الحاضر .. والحاضر مليء بما يسر وما لا يسر .. وتحليل الماضي يقدم لنا مفاتيح الحاضر ووظيفة الدولة هي تنظيم المجتمع وليس ضبط المجتمع .. فمازلنا نفتقد غياب استراتيجيات فعلية لتنظيم أولوياتنا وشؤوننا الداخلية.
فحين تتصادم الهويات الفرعية تواجه الهوية الوطنية الكثير من المخاطر.
فتضخّم جهاز الدولة السياسي عمل على تراجع الأداء التنفيذي للحكومات ومجالس الأمة .. وبات الأردن من بين دول عربية كثيرة لم تحظى بمراتب مهمة في مؤشر الديموقراطية لعام ٢٠٢٠ حسب تقرير وحدة Economist Intelligence Unit التابعة لمجلة The Economist والتي أشارت في تقريرها أن مؤسسة القصر في الأردن وحدها هي الفاعل الأقوى و الرئيس وهي من تحدد قواعد اللعبة السياسية.
فاللجنة الملكية للتحديث هي آخر اللّجان .. والأيام القادمة ستكشف لنا قدرتها على ولادة مخرجات كبرى يُعتدّ بها وإيصال رسائلها للناس بشفافية من خلال خطابها السياسي المقروء .. فإنتقاد اللجنة أحياناً يَعني الشيء الكثير في العمق.
التعليقات مغلقة.