طلاب غزة يقاومون بسلاح التميز الدراسي

113

الاردن اليوم : 

لكل فلسطيني طريقته الخاصة في المقاومة والصمود، فليس السلاح العسكري وحده فقط ما يمتلكه الفلسطيني للوقوف في وجه المحتل، فالكثير من طلاب الثانوية العامة تسلحوا بسلاح التميز في مدرستهم والحصول على أعلى المعدلات رغم تزامن امتحاناتهم مع العدوان الأخير على قطاع غزة والهجمة الشرسة على الشيخ جراح والقدس، بل وتعرض بيوتهم للقصف والتدمير. التقت “الشرق” بعدد من الطلبة ليسردوا حكايات صمودهم رغم الظروف الصعبة التي مروا بها.
أحمد ابن الأسير منتصر شلبي الذي نفذ عملية كان واحدًا من هؤلاء المتميزين والذين حصل على معدل 91.7 في الفرع الأدبي رغم مروره بأقسى الأيام، وقال “للشرق”: “رغم التحديات الجسيمة التي تعرضتُ لها في أوج دراستي وعلى شرفات الاختبار، إلا أنني بفضل الله حصلت على معدل ممتاز كي أخبر الاحتلال أنه لن يشفي غليله مهما فعل وأنه لن يُفشلنا مهما تجبر”.

وأضاف: “لقد حاول المحتل أن يحبط كل صمودنا ومعنوياتنا المرتفعة، سواء من خلال اعتقاله لأبي منتصر شلبي أو عبر أذيته لأهلي وأمي تحديدًا أو هدم بيتنا تمامًا، لكنه يفشل دومًا”.
في الساعة الثالثة فجرًا فجر جيش الاحتلال بيت الأسير منتصر الذي نفذ عملية إطلاق نار قرب حاجز زعترة العسكري بالضفة الغربية، وكان أحمد حينها يمسك بكتابه ويذاكر استعدادًا لامتحانات الثانوية التجريبية، دخلوا بالعشرات بهمجية يسبقهم كلبُهم، أوقعوا أحمد أرضًا وراح الجندي يضربه برقبته بالبندقية.
وروى: “أطلقوا سراح الكلب الشرس في ذات الغرفة التي حبسوني فيها مع والدتي، فهاجم الكلب والدتي المذعورة، فيما حاولتُ أن أبعده عنها بكل ما أوتيت من قوة، واستمر الصراع مع الكلب مدة ربع ساعةٍ، حيث فتحوا الباب ونقلوني للغرفة الأخرى للتحقيق معي مدة وصلت الخمس ساعات”.
وفي الصباح عصبوا عيني أحمد واقتادوه للتحقيق في أوج امتحاناته ليقضي في الزنازين القمئة 13 يومًا من العذاب، يصف: “الزنزانة وسخة وصغيرة والطعام رديء وبائت وماء الشرب هو ذاته ماء الحمام، وفي الليل يقوم الجندي بضرب الباب برجله كلما مر”، 13 يومًا قضاها أحمد في التفكير في ما آل إليه حال والدِه وفي حال أمه وفي امتحاناته أيضًا.
خرج أحمد وقد انعكس حقد الاحتلال عليه تحديًا وصمودًا، فقرر ألا يشفي غليل المحتل بتأثير الحال الذي يعيشونه على دراسته، يحكي: “هدد الاحتلال بيتي بالهدم في أول ليلة من ليالي امتحاناتي النهائية، وأنا أعلم أن الاحتلال يقصد أذيتي وأذية عائلتي قدر استطاعتي، وأراد تشتيتي في أوج امتحاناتي كي ينال من أبي ثم هدم بيتي في آخر يوم من الامتحانات، فكنت كلما أمعن الاحتلال في أذيتي أمعنتُ في المذاكرة”.
شموخ المنتصر
اليوم يقف أحمد أمام بيته المدمر شامخًا، يحمل صورة والده الأسير وقد حصل على معدل ممتاز 91.7، يهدي تفوقه لوالده ويوصل رسالةً للمحتل مفادها أن حياة الفلسطيني تسير وإن مورس بحقه كل ألوان العذاب لأنه صاحب الحق، يختم “إننا منتصرون وإن أسرتم أحبتنا وهدمتم بيوتنا، فأحبتنا سيخرجون مرفوعي الرؤوس رغمًا عن المحتل وبيوتنا سنعيد بناءها وتشييدها، لأن جذورنا مغروسة في هذه الأرض، وإننا باقون والاحتلال زائل لا محالة”.

قصة أخرى ترويها طالبة الثانوية العامة وفاء أبو النجا والتي حصلت على معدل99.1 في الفرع العلمي، رغم قصف بيتها بالكامل في العدوان الأخير على قطاع غزة.
فتروي “للشرق”: “لم أحتمل أن أترك كتبي المدرسية داخل بيتي المهدد بالقصف الصهيوني في أي لحظة، فقد خرجتُ برفقة عائلتي في خان يونس جنوب قطاع غزة إلى بيت أحد الأقارب خاصة وأن بيتنا مهدد بالقصف في أي عدوان يقع على قطاع غزة وقد قصف فيما قبل 4 مرات، فأخي شهيد في مسيرات العودة وعمي شهيد عام 2014 وعمي الآخر شهيد عام 2001”.
منحة المحنة
لم تكترث وفاء لأصوات القصف من حولِها ولا للصواريخ العشوائية، كان كل همها أن تعود لبيتِها فتخطف كتبَها وتواصل دراستها، خرجتْ مسرعةً ووصلت بيتها وجمعت كل ما له علاقة بالثانوية العامة، ثم ودعت غرفتها وحديقة بيتِها الشاهدة على ليالي دراستها وصباحاتها النشيطة.
قالت: “أسبوع كامل لم ألمس فيه كتبي، حيث هرعنا ساعة العدوان لبيت أكثر أمانًا تاركين خلفنا كل شيء، حاملين كل حزن، وفي ذات الوقت كان قلبي يتألم على كل دقيقةٍ تضيع مني دون أن أدرس وأنا التي خططت للحصول على أعلى درجات التميز، في حين لم يبق لموعد الاختبارات سوى أسبوعين”.
بعد يومين من إحضار الكتب وصل وفاء وعائلتها خبر قصف البيت وتدميره، وإن كان ذلك مُتوقَعًا حيث تم قصفه سابقًا 4 مرات إلا أن الحزن الذي تملكها كان أكبر من أن تدرس بروحٍ عالية وهمة، تصف: “كنت كلما مرت نسمة من أمام نافذة البيت الذي أوينا إليه لاح في خاطري نسيم حديقة منزلها المدمر”.
لكن روح التحدي التي غرسها حب الأرض والصمود والمقاومة في نفس وفاء حالت دون رضوخِها وانهيارِها، لقد جعلت من محنتها منحةً توصلها للعلا باستكمال خطتها الدراسية والاعتماد على أوراق المراجعة الكثيرة ومتابعتها الإلكترونية، ثم تقديم الامتحانات والحصول على معدل يرفع رأسها ورأس عائلتها وكل فلسطيني ثم تهديه لروح الشهداء.
الحال لم يختلف على الطالب يحيا السقا الذي حصل على معدل 94.9 في الفرع العلمي، رغم قصف غرفته في العدوان الأخير على قطاع غزة وتدمير مكتبه وحرق كل كتبه الدراسية ودفاتره وتلخيصاته، جراء قصف البيت المجاور له.
قال يحيا “للشرق”: “لم أكن معتادًا على الدراسة إلا على مكتبي، لكنني فقدته مع كل غرفتي، فلجأت لبيت أختي وحاولت قدر استطاعتي التأقلم فسلاحي في هذه المرحلة ليس إلا التميز والتفوق الدراسي”.
ويضيف في رسالة للاحتلال الصهيوني: “مهما حاول الاحتلال قتل روحنا المعنوية أو حتى قتل أجسادنا إلا أننا قادرون على المواصلة واستمرار الصمود، لأننا نملك حقًا عظيمًا بالأرض، والنصر لأصحاب الأرض والحق، ولن يكون للاحتلال يومًا مهما تجبر”.

موقع الشرق

التعليقات مغلقة.