الماء والغذاء محور الجغرافيا السياسية وأزمات يختل فيها التوازن

218

المهندس سليم البطاينه

 

يُطرح  الآن  سؤالٌ  هام  حول  مستقبل  الماء  والغذاء في الأردن حيث تعتبر قضية الماء والغذاء مصدر قلق كبير ولهما أبعاد جيوسياسية ومن الضرورة التكامل بين السياسات في مجالي الأمن المائي والغذائي اللذان باتا يواجهان مستقبلاً غامضاً مما يجعلهما عرضة لعدم الإستقرار اقتصادياً واجتماعياً ، وقد يكون من الضروري وجود سيناريوهات من نوع مختلف لحل هذه المشكلة .. فالتخطيط الزراعي في الأردن غالباً ما يتم بدون الأخذ في الإعتبار القيود الحالية والمستقبلية على المياه.

لذا فثمة إشكاليات خطيرة تواجه الأمن المائي والغذائي في الأردن كالنمو السكاني المضطرد والسريع والنسب المتدنية من الأراضي الزراعية التي ذهبت للسكن ، ونسبة التصحر والجفاف وقلة الأمطار وما يترتب عليه من طلب متزايد من المياه والغذاء .. وعليه فإن أهم ما يهدد نوعية الحياة في الأردن الآن هو شح المياه وقلة الموارد الطبيعية.

حيث سيكون لتزايد ندرة المياه تداعيات خطيرة على قدرتنا على إنتاج الغذاء خصوصاً في ظل التغير المناخي الحاصل في الكرة الأرضية .. فالمياه هي بكل تأكيد عامل أساسي لإنتاج الغذاء ، والحصول على ما يكفي منه يعني ما هو أكثر بكثير من الإنتاج الزراعي ، وإن معادلة الأمن الغذائي تقوم على خمس ركائز ( المياه والطاقة والتكنولوجيا واستصلاح الأراضي وتصنيع الزراعة ).

فقد شكل معدل سحب المياه الجوفية نمواً مُضطرداً بنسبة كبيرة ، وقطاع الزراعة مسؤول عن ٦٠٪؜ من معدل سحب المياه العذبة الجوفية.

فعلى سبيل المثال فإن إنتاج سعرة حرارية واحدة من الغذاء يتطلب لتراً واحداً من المياه .. حيث يبلغ متوسط السعرات الحرارية اليومية عالمياً نحو ٢٨٠٠ سعرة للشخص الواحد .. لذلك فإن المياه اللازمة لتلبية متطلبات الغذاء اليومية لكل شخص على وجه الأرض تبلغ ٢٨٠٠ لتر.

وبعبارة أخرى ومن أجل الحصول على قطعة همبورغر واحدة نحتاج إلى ٢٤٠٠ لتر من المياه ، وللحصول على كوب من الحليب نحتاج إلى ٢٠٠ لتر من المياه ، وللحصول على بيضة واحدة من بيض المائدة نحتاج إلى ١٣٥ لتر من المياه .. ونحتاج إلى ٤٠ لتر للحصول على شريحة خبز.

إذاً الماء هو المفتاح والمحدد لتحقيق الأمن الغذائي ومفهوم الأمن المائي هو مفهوم نسبي وليس مطلق.

والمستوى المقلق لإستنزاف المياه الجوفية في الأردن يتطلب إجراءات عاجلة .. ونقص المياه سينعكس بشكل أكبر على الزراعة.

وعملياً الأردن تم تصنيفه تحت خط الفقر المائي وثاني أفقر بلد في العالم بالنسبة لحصة الفرد من الموارد المتاحة .. وهنا لابد من التفريق بين مصطلح ( الفقر المائي ) والعجز المائي ، فالأردن مثلاً فقير مائياً لكن العراق غني بالموارد المائية إلا أنه عاجز مائياً فهناك أكثر من مليون دونم في العراق خرج عن الإستخدام بسبب سوء الإدارة المائية.

وفي عام ٢٠١٨ قدم معهد الموارد الدولي WRI وهو مؤسسة بحثية مستقلة ومقرها واشنطن وترتكز نشاطاته في ستة مجالات هي ( الغذاء والماء والغابات والطاقة والمدن والرياح ) قدّم صورة قاتمة عن الوضع المائي العربي .. وتم تصنيف الدول ال ٣٣ الأكثر تضرراً من نقص الموارد المائية بحلول عام ٢٠٤٠ ، وبحسب التقرير جاءت الأردن بالمركز الرابع عشر .. والبحرين وقطر والكويت في المراكز الثلاثة الأولى ، والسعودية وعُمان ولبنان في المركز التاسع عشر والحادي عشر على التوالي.

فالأمن المائي والغذائي هو جزء لا يتجزأ من الأمن الوطني للدولة ، ويصعب القول بوجود أمن اقتصادي بمعزل عن الأمن الغذائي والذي هو النتيجة الحتمية للأمن المائي.

والماء والغذاء هما محور الجغرافيا السياسية ، وأزمات يختل فيها التوازن ، ولهما من الأهمية العظمى في التنمية البشرية والإقتصادية ، وقضية مركزية ساخنة في مسألة الإستثمار.

فالصورة قاتمة للمستقبل المائي والغذائي في الأردن .. ونحن أمام واقع مجنون نرى نهايته في ظل واقع يبدد المخزون الإستراتيجي من المياه الجوفية ( أي بمعنى ، نحن أمام عطش قادم لا مفر منه ) ، فموارد المياه والغذاء المحلية باتت تحت ضغط لم يُسبق له مثيل في ظل الزيادة المستمرة والتي لا نعرف نهاية لها مما يشكل ضغط على الإقتصاد والبنى التحتية والموارد الشحيحة.

فأثناء جائحة كورونا تزايدت الضغوط على الأمن الغذائي وانكشفت التحديات البنيوية للمنظومة الغذائية ، وكان هناك أكثر من ٣ مليون أردني معرضون لإنعدام الأمن الغذائي.

التعليقات مغلقة.