الترويض السياسي والإنتقال من مقعد المعارضة إلى كرسي الإعتراف .. وإلى مربع جديد في الإصلاح السياسي.

482

بقلم    المهندس سليم البطاينه

 

الترويض السياسي والإنتقال من مقعد المعارضة إلى كرسي الإعتراف .. وإلى مربع جديد في الإصلاح السياسي.

إن أخطر ما يواجه السياسيين والمثقفين هو قراءة الحاضر والواقع بعين واحدة بصرف النظر عن أيّة مستجدات تُثير الإنتباه .. ولعلي هنا سأظلم الواقع وأظلم نفسي إن زعمت أنني قارىء وكاتب ومحلل ومتبحّر بالأحداث.

لكن ذلك لا ينفي بأي شكل من الأشكال أن أدلي وبتواضع جم برأيي لعلي أراه صواباً أو أقرب للواقع منه إلى الخيال .. فهو أولاً وأخيراً يأتي في سياق الإجتهاد .. فسابقاً كانت كل كائنات الغابة السياسية يمكن ترويضها إلا كيان الإسلام السياسي.

فالحياة السياسية الأردنية تُثير في سياقِها العام الكثير من الأسئلة حول اللعبة السياسية والميكانيزمات المحركة للحياة السياسية لفهم ما يجري حالياً خصوصاً بعد انتهاء اللجنة الملكية من أعمالها ولتسليم مخرجاتها إلى الملك.

حيث أن كل لاعب له مصالحه وأهدافه التي تختلف عن اللاّعب الآخر ، رغم أنهم جميعاً يسعون جاهدين من أجل تحقيق تفوق سياسي لتقاسم الكعكة وليكونوا جزءاً من اللعبة السياسية القادمة وبمُصطلح جديد وهو ( المعارضة الأليفة ).

صمتٌ مطبق لم نعتد عليه والمشهد بات أكثر وضوحاً في الإستعداد لركوب حصان الإنبطاح ، فكل ما كان مُحرماً أصبح مُباحاً .. فقد سقط الماضي وآن أوان التنازل طمعاً في ذهب المُعِزْ.

فالتيارات السياسية التي شاركت في أعمال اللجنة الملكية على مدار ثلاثة أشهر تمّ تروضيها وغادرت موقع المعارضة إلى كرسي الإعتراف .. وعملت على نقل الإصلاح السياسي إلى مربع جديد.

فما قاله ميكافيلي قبل قرون من الزمن بأن السياسة مثل البشر متقلبة كان دقيقاً ، وجملته المشهورة ( الغاية تبرر الوسيلة ) كانت أكثر دقة.

وبغض النظر أيضاً عن كل النظريات السياسية الفلسفية والفكرية ل Socrates , و John Dewey و John Stuart mill و Martha Nussbaum ، فالنفاق السياسي له ما يبرره من التذبذب والمراوغة والتناقض بين القول والفعل والممارسة.

فلطالما أخفقت تيارات سياسية كبيرة في إدراك الخطوط الفاصلة بين مصالحهم السياسية وبين المصالح الوطنية .. وحاولوا إيقاف عقارب الساعة كي تمضي كما يريدون في مراكمة مصالحهم الأنانية.

فالتضاد في الفكر السياسي حالة صحية ، وفي السياسة لا توجد قطيعة وهناك ممرات لا يمكن إلا طرق أبوابها .. لكن المطلوب برغماتية وطنية لا مصالح وعزف في إناء الإنتهازية.

فتلك الحالات تُمثل لحظات كاشفة تمنح المراقب قدرة على كشف المشهد .. لذا نراهم ينهضون حاملين معهم كل العجز الذي سكنهم منذ سنوات طويلة ويَلوكُون الأفكار التي أوصلتهم إلى هذا العجز.

وما يميّز الإنتهازية السياسية هو أن حدودها غير واضحة ومتحركة دوماً .. والإنتهازيون باستطاعتهم أن يتصنّعوا السياسية والبرغماتية بنفس الوقت.

فهناك فرقاً شاسعاً بين مصطلحي النهز والإنتهازية .. فالنهز عبارة عن دفع وتحفيز وحركة ، أما الإنتهازية فهي اغتنام الفرص واستغلال جميع الوسائل لتحقيق مصالح ذاتية في المقام الأول.

وهنالك مقولة أعجبتني للمفكر والكاتب الفلسطيني ( سلامة كيلة ) الذي يُعد من أبرز الكتّاب العرب في الماركسية واليسار والقومية ( بأن اليسار الذي حاول أن ينهض من سرير الموت كرّر السياسات نفسها التي أوصلته إلى القبر وظل يفكر في الطريقة التي أماتَتْه ).

التعليقات مغلقة.