ندوة علمية افتراضية بحثاً عن ماهية النخب العربية المؤثرة

96

الأردن اليوم – بحثاً عن إجابات لأسئلة شائكة عن ماهية النخب العربية المؤثرة وأسباب تراجع دورها وكيفية استرجاع مكانتها وتأثيرها، نظمت الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية بالشراكة مع منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) ندوة علمية افتراضية بعنوان “النخب العربية في أزمنة التحول”، شارك بها من لبنان أستاذ العلوم التربوية الدكتور عدنان الأمين، ومن تونس أستاذ علم الاجتماع الدكتور منير سعيداني، ومن اليمن أستاذ علم الاجتماع الدكتور سمير الشميري، ومن لبنان الباحث الفلسطيني في علم الاجتماع و المعرفة الدكتور أحمد مفلح، ويسر الندوة الإعلامي اللبناني عباس زلزلي .

“مجتمعٌ كسيحٌ ونخبٌ متوحشة” كان عنوان مداخلة الدكتور سمير الشميري الذي كان في طيات حديثه يقين كبير بأن ثمة نخب مترعة بثقافة الارتزاق تتهالك على السلطة والمال والشهوة ومن صفاتها التلون والمراهنة والمصانعة، دأبت على إشباع غرائزها وهدر الحريات وإباحة الدماء في فضاء الظلام والبطش، فتلاشت نخب وبزغت نخب سياسية واجتماعية جديدة متوحشة منزوعة الهوية الأخلاقية والوطنية”.

ظهر المجتمع الكسيح في سياقات الحرب والاضطرابات والتقلبات بعد ثورات الربيع العربي وفقاً للشميري، الذي عدد سمات هذا المجتمع وعلى رأسها انهيار المؤسسات وانهيار مداميك السكينة والرضوان، واستشراء البلادة الذهنية والفكرية، وهو مجتمع لا علاقة له بالتنمية والعلم والمعرفة. وفي هذا المجتمع لدينا نخب متوحشة يمكن تسميتها بنخب الشعارات والكلمات الدخانية، وهي مفتونة بالحداثة الفسيفسائية، ويتجلى نهج هذه النخب بالسلطوية ورفض التعددية والديمقراطية، وانعدام التسامح وعدم أخذ بمبدأ التناوب السلمي للسلطة، أما الثغرة الـأخطر لهذه النخب فتتمثل بأنها تظن أنها صاحبة الثورة والحداثة والدولة المدنية والحقوق المتساوية، وتنظر بشيءٍ من الازدراء للنخب الأخرى.

“الأفكار والتكنولوجيا كانت على مدار لتاريخ المصدرين الرئيسيين للتغيير الاجتماعي”، بهذه الكلمات بدأ الدكتور عدنان الأمين مداخلته مؤكداً على أن النخب كانت تقود نشاهد سواء الفكرية أو التكنولوجية التي أدت بالضرورة إلى تغيرات مهمة على صعيد البشرية.

أما قوة النخب الفكرية الأولى من وجهة نظر الأمين فتمثلت بقدرتها على إنتاج الأسطورة التي كانت محاولة من البشر لتجميع بعضهم البعض حول أمر ما وتحولهم من أقلية إلى أكثرية فتنتصر على الجماعات الأخرى وهكذا ساد الجنس البشري، وهذا بالضبط تاريخ الأديان، وبداية تحول ديانتين على الأقل إلى امبراطوريتين بعد أن كان دعاتها وأصحابها مضطهدين، وكان من الطبيعي أن تتفكك هاتين الامبراطوريتين لاحقاً بسبب صعود أساطير جديدة.

تراجعت قوة النخب الدينية، ورضخت لما فرضته النخب المعرفية والتكنولوجية من تغيرات عميقة على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في القارتين الأوروبية والأميركية، وهذا بالضبط ما أشار إليه الأمين الذي ضرب لنا مثلاً بالنظريات المعرفية التي تولدت عنها أيدولوجيات أشهرها الاشتراكية والشيوعية، وتبتنها نخب سياسية جديدة فاشية حلت في قمعها لحرية التفكير محل النخب الدينية سابقاً ليس من باب التكفير وإنما من باب التخوين هذه المرة، وكان ذلك سبب حدوث الحربين العالميتين الأولى والثانية.

وبخصوص الصورة المستقبلية للنخب المعرفية العربية فهي غامضة جداً كما يراها الأمين، كونها تواجه تحديات عالمية وتحديات محلية وتحديات بنيوية نتيجة تقاليد متعلقة بالأنماط البحثية السائدة، مؤكداً أنه لا ضرورة للتباكي على الأجداد وكأننا أيتام، فقد نجح الكتاب وخاصة الروائيين في التملص والتخلص من تلك التقاليد، وحضروا حيث غاب أهل العلوم الاجتماعية والإنسانية.
وكانت مصطلحات “الجيشان الاجتماعي” و”تدوير النخب” و”المنعرج الشعبوي” محاور رئيسة لمداخلة الدكتور منير سعيداني الذي عرف الجيشان الاجتماعي بأنه حالات التحول الاجتماعي الكبرى التي تمر بها المجتمعات، فالتحول هو الحالة السائدة في المجتمعات ويمس كل مستويات الحياة الاجتماعية.”

أما المنعرج الشعبوي وفقاً لمطالعات سعيداني فهو ظهور اتجاهات سياسية تسعى دائماً إلى إعادة بناء كيفيات الممارسة السياسية بدعوى أنها تأتي من أوساط شعبية وتمثلها وتريد أن تثأر من ديكتاتورية معينة”
“التاريخ القريب على الأقل ومنه العربي يظهر أنه كلما اهتزت الشرعية السياسية الحاكمة القائمة انفتح سياقٌ مواتٍ لظهور الشعبوية”، هكذا قرأ سعيداني التاريخ العربي منذ بدايات القرن العشرين وحتى اليوم ، حيث رأى أن الجيشان الاجتماعي ساهم في ظهور قيادات جديدة في العالم العربي، ولذلك يمكننا أن نتحدث عن منعرجات شعبوية متعددة الحلقات أدت لظهور قيادات جديدة تنادي بإعادة تأسيس الحكم وكان أولها ما يعرف بالثورة العربية الكبرى، أما المنعرج الشعبوي الثاني فقد حدث في الخمسينات والستينات نتيجة تزاوج ظاهرتي الحركة التحريرية العربية من الاستعمار وترهل القيادات السياسية القديمة مما أوجد تدخل قيادات تمثل نوعاً من التوجه الشعبوي وهي القيادات التي جاءت من الجيش، أما المنعرج الشعبوي الثالث فيتمثل في الثورة الإيرانية التي أعادت إلى الساحة السياسية فكرة افتكاك الجماهير لزمام المبادرة السياسية، وكان من أثارها تجدد الحركات السياسية الإسلامية ومطالبتها بالسلطة تحت شعار “الإسلام هو الحل “، وأخيراً المنعرج الشعبوي الذي عشناه في العشرية الأخيرة من خلال الثورات على أنواع من الحكم هي في الغالب استبدادية وتابعة وعاجزة عن الإنجاز التنموي.

وحول سلطة المثقف العربي وما إذا كان له دور مجتمعي اليوم، جاءت مداخلة الدكتور أحمد مفلح الذي يرى في تعريف المثقف وتحديد المثقف موضوع خلافي بحد ذاته وفيه الكثير من المطبات، وهذا التناقضات في تحديد وتعريف المثقف هي أزمة للمثقف نفسه ومن المثقف نفسه.

“للمثقف العربي والنخبة العربية المثقفة دور في التغيير المجتمعي وتحديداً النخبة الفكرية باعتبار الفكر وخصوصاً الفكر التنويري ركيزة التغيير في أي مجتمع”، هذا ما يؤمن به مفلح الذي أكد أن المثقف العربي لم يتعرض لاختبارات عن أهمية دوره كما يتعرض لها منذ بداية القرن الحادي والعشرين مع تنامي الأزمات التي يشهدها العالم العربي.

وقسم مفلح دور المثقف في مجتمعه إلى ثلاثة أدوار: دور متخيل وهي الصورة التي نتخيلها لطبيعة دور المثقف في مجتمعه، ودور افتراضي من خلال ما يقوم به على وسائل التواصل الاجتماعي حيث شيوع المعرفة وسهولة الوصول إليها، وأخيراً دور واقعي وهو الدور الفعلي للمثقف والنخبة. مؤكداً أنه لا يمكن الحديث عن نهاية المثقف، فالمجتمع لا يعيش بدونه حتى وإن تراجعت أهميته وقوته وتأثيره داخل هذه المجتمع.

اليوم، صار المأمول من المثقفين والنخب العربية أكبر من قبل، حيث الحاجة الماسة إلى تراكم المعرفة والنهج الفكري الذي نستطيع القياس عليه لتغيير الظواهر المجتمعية مما يحقق المصلحة للمجتمع والسلطة معاً، وهذا يتطلب التفكير خارج الصندوق والإبداع في الأفكار التي تخلق الوعي، وتحقق النهضة العربية المُشتهاة بمفهومها الشامل، وهذا ما تحاول مثل هذه الندوات أن تعيده إلى طاولة الحوار وتدفعه للواجهة لتحقيق أنموذجٍ نهضويٍّ تنمويٍّ تستفيدُ منْهُ المجتمعاتُ العربيةُ بشكلٍ يحقِّقُ داخلَها إقلاعاً اقتصاديّاً وتطوُّراً ثقافيّاً يُلحقُ تلكَ المجتمعاتِ بمسارِ التطوُّرِ الذي يحدثُ في العالم.

التعليقات مغلقة.