لبكاء الرّجال تاريخ .. وعندما يبكي الرجال أعرف أن الوطن ليس بخير.
851
Share
بقلم : المهندس سليم البطاينه
عادة ما ترتبط الدموع بالمرارة ، وأكثر اللحظات المؤلمة وأشدّها هياجاً عندما تشاهد فيه الرجل ينفجر بالبكاء مكبوتاً متقطعاً متحشرجاً .. فالرجال تبكي عندما تشعر بالعجز ولا تستطيع أن تفعل شيئاً.
جميعنا شاهدنا الفيديو المؤلم للنائب السابق الصديق غازي الهواملة والذي تم نشره قبل عدة أيام على جميع مواقع التواصل الإجتماعي ولاقى تفاعلاً واسعاً في تفاصيله وانتهى بالبكاء والخوف على الوطن.
إنه موسم البكاء يا غازي فلا تحزن فكل شيء يدعو إلى البُكاء في ظل زمن لم يعد فيه ما يُعجب أو يسُر ، فالهموم تُثير شُجن البكاء .. ولبكاء الرجال تاريخ وهي من شيم الأبطال .. فالوطن يبكي يا صديقي ولا أحد يسمع أنينه .. وما زادني حزناً وقهراً حين رأيت دموعك تتحشرج وتنهمر على خدّك من أحوالنا المتردية، فالوجوه أمامنا تدل على حزن مخزون ، فقد جفّت دموع الكثيرين بعد أن ذُرفت في السر وبعيداً عن أعين الناس.
نعم يا صديقي لقد أرهقنا حال الوطن كما أرهقك والكل يعرف أن الوطن جريح ومَكلوم ويبحث عمّن يداويه وعمّن يصدُقه ويعمل لأجله .. فما أصعب الدمعة يا غازي حين تخنقنا حزناً وقهراً على حالنا .. وأعلم يا صديقي أن البكاء في هذا المقام هو أعلى مراتب الرجولة .. والأردنيون يعرفون أنك بكيت لأجلهم وتألمت لألمهم وحزنت على حزنهم .. وما دموعك إلا هي دموع الفقراء ، فقلة الحيلة جفّت لها الجفون فما أخشاه يا صديقي أن يأتي يوماً نبكي فيه جميعنا على وطن ضاع من أيدينا.
وإذا أردت أن تبحث عن الوطن فابحث عنه في وجوه فقراء الطفيلة ومعان والكرك والزرقاء واربد وفي البادية والمخيمات .. وإذا أردت معرفة مستقبله فابحث عنه في وجوه شبابنا وبناتنا العاطلين عن العمل.
ألسنا يا صديقي نعيش اليوم أكثر مراحل تاريخنا قهراً وبؤساً .. فالكل يسأل من المتسبب في حالة الإخفاق والحُلم التي حالت دون بناء وطن ودولة قوية ؟ فنحن محبطون بما فيه الكفاية ، وكل شيء حولنا يرمي بنا إلى هاوية الجنون !! فكيف لا نَجن ونحن نرى أعراس القطط مستمرة طوال أشهر السنة .. فالأردنيون باتوا أسرى هزائمهم في حروبهم اليومية ضد همومهم الحياتية ، ويعيشون حالة من الخوف وعدم اليقين وانسداد الآفاق ويحاولون الهروب من الحاضر للبحث عن المستقبل المجهول.
صدقني يا غازي أني لا أريد ممارسة جلد الذات أو الترويج لليأس أو الإستسلام له وقطع الأمل بإمكانية التغير نحو الأفضل ، فأنا أملك من الوعي ما يمكّنني أن أُميز بأن الوضع يتأزم بشكل لا يبصره إلا من لم يرغب بذلك.
لكنّنا واللّه لم نولد لنموت من أجل وطن نسي أبنائه .. وليس مطلوب منا الإعتذار لتاريخ توقف منذ سنوات على رصيف ميناء مهجور تُلاطمه الأمواج .. وتذكّر ما قالته الكاتبة والروائية الجزائرية ( أحلام مستغماني ) بأن الوطن لا يُرسم بالطباشير بيد تمسك طبشورة ويد أخرى تمسك ممحاة.
سؤال يدور في عقلي يا صديقي ماذا سيكتب التاريخ عنّا ؟ فالجنرال الفرنسي ديغول وصف التاريخ على أنه حصان جامح يمر من باب بيتك مرة واحدة بالعمر وعليك أن تمتطي صهوته وإلا سيفلت منك إلى الأبد .. فخوفي أن يمر التاريخ علينا ولا يجد ما يستحق ذكره .. فمن الذي سيعترف بتاريخ يُكتب بالمقلوب.
لقد تعبنا يا غازي من شدة الركض وبتنا لا نعرف كم تبقى من الوقت لنتوقف عن الركض ؟ فقد دفنوا أحلامنا وكذّبوا علينا دون أن يرمش لهم جفن .. وتم كسرنا وتفتيتنا بفعل فاعل.
فهل تجهل أجهزة الدولة التي نثق بها ما يحدث ؟ ولماذا لا يستمعون إلى النُصح حينما تُدق نواقيس الخطر ؟ فالوطن ينزف منذ سنوات والكل يتراكض لإرضاء الملك وتوريطه بالعبث بالدستور واهمين بأن ذلك يرضيه.
وأخيراً تذكر يا صديقي المحترم مقولة نابليون أن دموع الرجال غالية ، وأنّ فيروز ما زالت تُغني لنا ، وأغانيها لا تبكينا فهي بَلسم أوجاعنا ، وصوتها يؤكد لنا صباحاً ومساءاً أننا باقون رغم كل المؤامرات والتي تُحاك ضد الأردن وهوية الأردنيين .. فالأردن يا صديقي كما قالت فيروز أنه أرض العزم ، ومن لا يصدق ذلك فليسارع ويستمع إلى أغانيها فصوتها أكثر إقناعاً منّي ومن كلماتي .. فأنا ما زلت مبتدىء.
أُقسم باللّه يا صديقي أنّي أبحث كل يوم في وجوه المارّة عن أي شيء يقول لي أن الوطن ما زال بخير وسيبقى.
التعليقات مغلقة.