البطاينة: تلغيم عملية الإصلاح السياسي والعبث بالدستور في الأردن هرباً من الإصلاح

454

الأردن اليوم – لطالما حاولت أن أقطع على نفسي بألّا أُناقش أو أكتب في السياسة ، لكنني أجد نفسي مُحاطاً بأحداث تحشُرني وتتحرش بي بالزاوية وتنقُلني من مرحلة المُتفرج البائس إلى مرحلة العابث اللاّهث.

شخصياً لا اتحدّث من فراغ ولست من هواة الصيد لأخطاء وأخطار أراها قادمة دون دليل .. فقضايا التعديلات الدستورية وإنشاء مجلس للأمن الوطني بات محل للتجاذبات.

وهنا لا نشُك لحظة واحدة في مقدار العبث الذي يعيشه مشهد الإصلاح السياسي الذي يُعاني من الشطح وعدم ملامسته للواقع وإغراقه في التنظير.

فالأردن مازال تحت وطأة الأزمات وغياب الرؤى .. فأي منطق يُجيز ذلك ؟ وأي عقل سياسي ناضج يقبل أو يُشارك بالعبث بالدستور والذي قد تكون تداعياته سيئة إن لم تكن كارثية.

فما نشاهده على الساحة مؤسف جداً ولا يمكن بحال من الأحوال تجاهله ، فهو تدمير مُمنهج للإصلاح السياسي ، وكل ما فيه يشبه مسرحية هزلية تُفضي إلى نهاية دراماتيكية في فصلها الأخير ينهار كل شيء على رؤوس الجميع.

فعلى صفيح ساخن هو الوصف الأقرب إلى واقع الأردن الحالي في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة تعصف به وتدفع بالناس للخروج الى الشارع.

أَلَم يحن الوقت لهذا العبث أن يتوقف ؟ وما آن الأوان لكل تلك الممارسات أن تنتهي عند حد معين ؟ أم أن هناك رؤية مستدامة لإرباك وتدمير العمل السياسي وإدخال البلاد في متاهات غير محمودة العواقب والنهايات.

فأي نظام سياسي في العالم يُدار من خلال فكر واعٍ قادر على قراءة الأحداث قراءة صحيحة ولديه القدرة على استنباط العِبر من الماضي.

ولا مفاجأة على الإطلاق في أن نكون الرقم الأول في قائمة الدول الأكثر تشكيلاً للجان الإصلاحية في الإقليم ، وأن نحصل على المراكز المتقدمة في نسيانها بعد فترة .. فهناك دوماً كُرسي فارغ مع كل اللجان التي شُكلت سابقاً.

وهنا نطرح في عجالة أسئلة جدّية حول أسباب نكوص الحكومة وتراجعها عن الإصلاح والتي تتناقض مع الحالة التي انتابت الأردنيين بأمل الإصلاح.

فليس من باب العقل أن تُرسل اللجنة الملكية لتحديث منظومة تحديث العمل السياسي والتي أخْتلف معها قلباً وقالباً ٢٢ تعديل على الدستور ، وتقوم الحكومة بعدها بزج ٨ تعديلات أخرى غامضة ومثيرة للجدل منها إنشاء مجلس أمن وطني الهدف منه بَسط المزيد من الهيمنة على سلطات الدولة كافّة والإنتقاص من صلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية وجميع السلطات الأخرى وتحويل الحكومة إلى حكومة خدمات فقط أشبه ما تكون بمجلس بلدي.

فعندما توشكُ على ارتكاب جريمة لا يكون سؤالك : ما البديل؟ وما يجب أن تفعله هو ألّا ترتكبها وحسب؟ فلست مضطراً لإرتكابها أصلاً.

فلماذا ترتكب الحكومة جريمة لا يرتكبها مبتدئين في السياسة؟

والدولة هنا لا يمكنها خلق إصلاحات سياسية حقيقية قابلة للحياة والإستمرارية إلا بالتراجع عن كل تلك التعديلات وإرجاع الدستور إلى أصله ، وأن تعي الحكومة أن ما تقوم به من تعديلات وإنشاء مجلس أمن وطني ما هو إلا ضربة قاسية وموجعة للإصلاح السياسي.

وكل ذلك أودى إلى أن تَضلّ جهود الإصلاح طريقها بعد أن بدأت بحسن نية .. فالفعل السياسي حالياً بات مرادفاً للكذب ، وعلى ما يبدو أن هناك فجوة واسعة بين القائمين على إعداد السياسات الإصلاحية وبين أهل الرأي والحكمة ، وتلك الفجوة ينفذ من خلالها الأفكار الخبيثة.

فكل ما يحدث ونشاهده يقودنا إلى حقيقة واحدة جليّة وهي أن الأردن ليس بخير! فهل من يسمع ويرى؟ أم أن هناك من يزال يبحث عن أدلّة؟

التعليقات مغلقة.