كافة المؤشرات المتاحة تؤكد أن الأردن بدأ بتنفيذ بنود صفقة القرن وأن التعديلات الدستورية القادمة والتجنيس من أخطر المشاريع التي سيشهدها الأردن منذُ نشأته

1٬485

بقلم : المهندس سليم البطاينه

قبل عام تقريباً فاجأ الرئيس اللبناني ميشيل عون الصحفيين والرأي العام اللبناني رداً على سؤال وجه له : وين رايحين ؟ كان جوابه صادماً بقدر ما كان صريحاً : رايحين على جهنم.

لكن الأردنيين وعلى الرغم من افتقارهم في هذه المرحلة إلى رجالات دولة فعليين لديهم رؤية بعيدة المدى لقيادة البلاد : هل بإمكانهم تجنب الذهاب إلى جهنم التي تحدث عنها الرئيس اللبناني ميشيل عون ؟ وهل يا ترى قادرون على ذلك قبل رحلة الوصول إلى جهنم ؟ هذه الأسئلة وأسئلة أخرى يحاول الأردنيون طرحها ولكنهم يعلمون جيداً أن الأجوبة بعيدة عن هنا.

إذاً لماذا أصبحت الأصابع الخفية تُسيّر كل شيء في الأردن ؟

فالمعروف أن القاعدة الفطرية تقول أن الأصل هو اليقين والشك هو الإستثناء .. لكن في الأردن تنعكس القاعدة فيكون الأصل هو الشك واليقين هو الإستثناء.

وبواعث القلق حالياً تُشير إلى دور أردني بدأ فعلياً في إنفاذ بنود صفقة القرن ، والحقيقة أن الأردن يمُرُ حالياً في حالة يطبعها التخبط عملت على خلق حالة من الإحتقان السياسي نتيجة غلبة الإستبداد وقضايا سياسية أخرى زادت من حدة تأزيم الأوضاع ولم تُساعد على تسهيل العبور الآمن بنا إلى أجواء سياسية غير ملوثة .. وأن المتغيرات المتسارعة التي تشهدها الساحة الأردنية تحمل العديد من المؤشرات في هذا التوقيت الزمني في ظل تمرير التعديلات الدستورية والبدء في عمليات التجنيس والتي سيكون لها تداعيات خطيرة على التركيبة السكانية الأردنية وعلى الهوية الوطنية الأردنية والهوية الفلسطينية والذي من شأنه إلغاء اللجوء وحق العودة وتصفية القضية الفلسطينية .. وأن ما نلحظه ونَستشعِره يتمثل في إخفاء ما يدور وما يتم تنفيذه والإعداد له.

فإضافة كلمة الأردنيات في مشروع التعديلات الدستورية التي تُناقش حالياً في مجلس النواب خطيرة جداً وتعني تجنيس ما يقارب المليون ونصف المليون من أبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين وغالبيتهم من المخيمات الفلسطينية في لبنان وسوريا ومن أبناء قطاع غزة.

تساؤلات كثيرة تُطرح حول انعكاسات الإحتقان والتشنج السياسي الذي يبدو أحياناً مكتوماً وأحياناً أخرى صاخباً .. فالإحتقان السياسي الحاصل حالياً ساهم في إنتاج الأجواء التشاؤمية وبات الخوف أن يُعيدَ الشارع إلى مرحلة العنف في المطالبة بالتغير ، فمنذُ عام ٢٠١١ وحتى الآن لا وجود لواقع سياسي حقيقي بل هناك فراغ سياسي تم بفعل فاعل .. ففي غياب الإصلاح الحقيقي وتردي الأوضاع المعيشية لابد أن يكون هناك احتقان سياسي يحاول التنفيس عن ذاته.

لن أقف طويلاً لضيق المساحة فعلى ما يبدو أن صُناع القرار في الأردن يتصرفون وكأننا بهذه السذاجة حتى نُصدق ما يقولونه، لأننا نعرف حق المعرفة أنهم خلاقون في ابتكار الأزمات وافتعالها والإنغماس في لعبة شد العصب ، وعاجزون بنفس الوقت عن حل أي مشكلة قد تطرأ في بلد لا يهدأ ولا يستكين حيث تهبط عليه الأزمات بالجملة دون أي فارق زمني ، وكأن المطلوب هو تغير الشعب عبر الديموغرافيا بدلاً من تغير النهج والسياسات.

فالذهنية السياسية الأردنية مازالت مشلولة ورأسمالها الوحيد انعدام الثقة بين الجميع ، والسردية السياسية مصابة بمرض عُضال نتيجة ترسبات سنوات طويلة على أيدي صبيان السياسة.

ومهما يكن من أمر فخلاصته أن السياق السياسي الذي تعتمده مراكز الدولة العميقة في الأردن بات يشكل مصدراً أساسياً للتوتر ، وأن ما يحصل حالياً ويُنفّذ سَيُبقي الأردن في إطار حدود سياسية رُسمت له من الخارج ، ولن يُسمح بأي تجاوز لتلك الحدود.

لقد تعب الأردنيون من شدة الركض وباتوا لا يعرفون كم من الوقت يلزمهم للتوقف عن الركض وَهُم حالياً بأمس الحاجة إلى حكمة العقلاء وحجة المتمرسين في السياسة ممن يثقوا بهم لإعادة الأمور إلى نصابها وتشغيل عجلة الحياة بإتجاه المستقبل ، فقد سئموا حالة الإفلاس السياسي والفراغ التنموي الذي طال أمدُه.

التعليقات مغلقة.