لقطات من المشهد السريالي المستمر في الأردن

381

الأردن اليوم  –  كتب المهندس سليم البطاينه:

من المعروف أن أظهر معالم السكرة السياسية تتجلى بتباين حساباتها في ملىء الفراغ ، فالأصل في السياسة والتشريع والدسترة هو حسن النية وإلا تحول كل شيء إلى مؤامرة .. والعبث بالدستور منذُ عام ٢٠١٤ وحتى يومنا هذا جاء وفقاً لمنطق القوة لإسترداد التعديلات الدستورية التي تمت في عام ٢٠١١ بناءاً على معرفة الحكومة بسيكولوجية شعبها الذي تمت دراسته وعملت على تقسيمه بطريقة أفقية وعامودية ، فالحكومة تعرف حق المعرفة أن نفس الأردنيين قصير جداً نتيجة عواطفهم وتعاملهم مع القضايا بشكل عفوي مما يُسهل على استغفالهم في قضايا كثيرة.

وقبل الغوص في التحليل لابد لنا من كلمة ترفع النقاط من تحت الحروف لتوضع فوقها.

فأحد ركائز الدولة القوية أن يكون مجتمعها في حالة هدوء وسكينة وقادراً على تحقيق طموحاته وأحلامه .. وأي نظام حكم في العالم يكتسب قوته من سلامة القواعد التي تحكُمه ، لكن عندما تُضرب تلك القواعد فإن النتائج حينها تكون وخيمة.

وما يجري أشبه بلُعب شيطانية بدس كلمات حق يُراد بها باطل ، فلا يعقل إنكار الحكومة ومكابرتها واستخفافها بعقول الناس ، فلسنا مجموعة من العميان حتى ندرك ما يجري حالياً ، ولسنا جهلة بطبيعة الرياح التي تسُوقُنا وتبعثرُنا هنا وهناك فقد بلغ الشطط مداه.

فالإنفراد بالسلطة مغامرة سياسية مُكلفة وغير محسوبة النتائج في عالم متغير بوتيرة متسارعة ، والجميع يعرف أن الأردن لا يحتمل مجازفات مثل هذا النوع .. فإنفرادية السلطة تفرض الجمود على كل مظهر من مظاهر سلوك الدولة وسيرها ، وتُفقد الشعب القدرة على التطوير والنمو ، وتفرض عليه أن يمارس حياته بطريقة روتينية خالية من التجديد والتغير .. وسُتساهم في تعطيل العقل وعرقلة نموه.

والتاريخ هنا سيظل شاهداً على كل زمن وأول ما سيكتبه أن ثمة خراب أصاب الهوية الوطنية الأردنية بفعل فاعل ، وأن الفساد المطلق غير الموصوف أغرق الأردنيين في العوز وحولهم إلى فقراء.

وهنا تقفز الكثير من الأسئلة التي نطرحها برسم البحث عن إجابات : لمصلحة من يجري كل ذلك ؟ وهل هنالك من يخطط وينفذ ؟

فلا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتبار ما يجري مجرد استدراك للحظة .. فعسكرة السياسة ستكون أحد معوقات بناء النظام السياسي ، والتي ستؤدي لاحقاً إلى استعلاء المفهوم الأُحادي للدولة.

فمخطط تفتيت العشائر الأردنية وتغير الديموغرافيا ما زال موضع تفعيل وشحن .. فما ازعجني حقاً تحليل لصحيفة The Economist World News اللندنية قبل سنة ونصف تقريباً بأن الأردن في السنوات القادمة سيكون ممزقاً على أساس الهويات الفرعية في حال انصاع لصفقة القرن وقام بتنفيذها.

عملياً بات الأردن يخطو بسرعة نحو حُكم فردي مُطلق .. فما المغزى العميق إذاً لإنتزاع صلاحيات الحكومات القادمة التي ستصبح مسؤوليتها عبارة عن مهزلة أبرزها تسعير دجاج النتافات وإعلان العطل الرسمية.

ولماذا سنخاطر بتحجيم دور مجالس النواب حجر الزاوية في النظام الدستوري الأردني ، ونجعل من الإصلاح مهمة مستحيلة ، ونجرّف الحياة السياسة والعامة في البلاد . فالتعديلات الدستورية الأخيرة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها عبث بالمبادىء الدستورية وانقلاباً على مفهوم الدولة وعلى نظام الحكم الدستوري ، وعلى مبدأ الشعب مصدر السلطات والذي بدا واضحاً أن مجلس الأمن الوطني الذي تمت دسترته قبل أيام سيكون هو مصدر السلطات.

إنه انقلاب مكتمل الأركان على جوهر نظام الحكم الملكي ، وما حصل ما هو إلا تاكيد على الإنفراد بالسلطة وصُنع القرار الذي سَيُظفي على الفضاء السياسي والإجتماعي مزيداً من عدم الإستقرار.

فصنع القرار السياسي يحتاج إلى ضوابط وشروط ، والإنفراد بالسلطة عملية خطيرة .. فالسلطة الحقيقية هي التي تتحول إلى إدارة تُدير مؤسساتها تحت سلطة الدولة والدستور والقانون ، وبذلك تكون سلطة تنتمي إلى أنظمة الإستقرار السياسي والدستوري .. أما السلطة التي تبتلع الدولة والدستور والشعب في بطنها هي بدون أدنى شك سلطة مستبدة.

كفى عبثاً بالدستور فلا أحد يُنازع جلالة الملك على صلاحياته فهو مصان من السؤال والمحاسبة وهو رمز الدولة .. فلماذا نجعله في مواجهة الناس.

ولست أدري إن كان بقي لدينا من الزمن ما يكفي لتصحيح المسار ، لكني لا أعرف طريقاً غير هذا لإعادة الدستور إلى روحه وإعادة هيكلة الدولة من جديد وبنائها على أسس ديموقراطية سليمة.

إنه صمت غريب ومُريب لن يكتبه التاريخ ولن يصوره الزمن ولن تعرفه الكتب.

التعليقات مغلقة.