الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس

245

بقلم : عبد الله توفيق كنعان

أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

تعود جذور الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الاسلامية في القدس في تاريخها الى حادثة الاسراء والمعراج حيث أسري بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام من مكة المكرمة الى المسجد الاقصى المبارك في مدينة القدس، ومنها عرج به عليه السلام الى السماء، أما تاريخ الوصاية الهاشمية على المقدسات المسيحية فيعود الى العهدة العمرية التي عقدها الخليفة عمر بن الخطاب مع صفرونيوس بطريرك القدس عام638م، لتستمر الادارات الاسلامية المتعاقبة ومنها الاردنية الهاشمية بالتمسك بهذه العهدة وبدعوتها وقيمها المتعلقة بمفاهيم التسامح والتعايش، ليكون هذا الامتداد التاريخي الديني للوصاية دليلاً على أهميتها ودورها في الحفاظ على الوضع التاريخي القائم في القدس طوال عقود طويلة .

أما في التاريخ الحديث فإن الوصاية الهاشمية تعود بداية الى عام 1915م حيث تمسك الشريف الحسين بن علي بكل شبر في فلسطين والقدس ضمن البلاد العربية الموحدة التي نادى باستقلالها، وذلك فيما عرف تاريخيا بمراسلات الحسين مكماهون(الممثل البريطاني للتفاوض مع الشريف الحسين بن علي)، وفي عام 1917م وبعد رفض الشريف الحسين بن علي لوعد بلفور وتنازله عن ملكه في الحجاز بسبب هذا الموقف فقد خطب باسمه خليفة على منابر فلسطين والقدس، ثم تأكدت مبايعته عام 1924م بالوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، فكانت الاعمارات الهاشمية لها منذ عام 1924 وحتى اليوم.

لقد استطاع الاردن خلال ادارته للضفة الغربية الفلسطينية منذ عام 1948م دعم كافة القطاعات فيها بالاخص حماية المقدسات الاسلامية والمسيحية والاوقاف فيها، وعلى الرغم من قرار فك الارتباط الاداري والقانوني عام 1988م والذي كان برغبة وطلب من منظمة التحرير الفلسطينية والدول العربية المشاركة في مؤتمر الرباط عام 1974م ، الا ان المغفور له الملك الحسين بن طلال رحمه الله استثنى المقدسات في القدس، وبذل الكثير من الجهود وما تزال للحفاظ على الهوية الحضارية التاريخية والدينية والثقافية في مدينة القدس.

وبمراجعتنا للتاريخ الطويل من التضحيات الأردنية شعباً وقيادةً هاشمية نقرأ الكثير من محطات الكفاح في حروب عام 1948م وحروب عام 1967م بما في ذلك استشهاد الملك عبد الله الأول على أبواب المسجد الأقصى وهو من وحد الضفتين وحفظ القدس وأهلها، وعلى نهجه كانت سياسة المغفور له الملك طلال الذي زار القدس مراراً ورفع من معنويات الجيش الأردني المرابط فيها.
وفي عهد المغفور له الحسين بن طلال تشكلت لجنة اعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة عام 1954م وكان اعمار المسجد الأقصى المبارك بعد حريق عام 1969م ومناداته رحمه الله بمشروع المملكة العربية المتحدة عام 1972م بين الأردن والضفة الغربية الفلسطينية، ولكن لم يكتب لها النجاح .

وللتوثيق أشير إلى أن سمو الأمير الحسن بن طلال حفظه الله ولي العهد آنذاك وبحكم المسؤوليات الموكلة إليه من الملك الحسين، وبحكم شعوره العربي والقومي والإنساني العميق، كان إلى جانب أخيه الراحل الحسين، يعمل بجد لأجل فلسطين والقدس، وما زالت القدس في ضميره وشغله الشاغل، يكتب ويحاضر وينشط في التوعية بقضيتها.

لقد تمّ التاكيد على الوصاية الهاشمية في الاتفاقية الاردنية الاسرائيلية عام 1994م واتفاقية الوصاية عام 2013م الموقعة من جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين بصفته صاحب الوصاية الهاشمية التاريخية والرئيس محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، وما تزال الوصاية تحظى بدعم عربي واسلامي وعالمي نظراً لاهميتها في حفظ الوضع التاريخي الراهن أو القائم.

لذا يجب من الناحية الإستراتيجية إدراك قوة الوصاية الهاشمية التاريخية في ظل هذه المتغيرات والتطورات المتسارعة والدقيقة، وقدرتها على توفير إطار فلسطيني وعربي وإسلامي وعالمي يستطيع الحفاظ على الهوية العربية للقدس التي تتعرض لمخطط صهيوني ممنهج يهدف إلى محو هويتها العربية وطرد أهلها وإحلال المستعمرين مكانهم وبوسائل مختلفة اهمها مشاريع تهويدية في المدينة لتحقيق مشروع القدس الكبرى والتوسع الاستيطاني، وقد جرى تنفيذ الخطة في حي الشيخ جراح وسلوان وغيرها، والوصاية شريك مهم في دعم صمود المقدسيين، وما يدفعني لهذا القول هو أن الوصاية الهاشمية تنطوي على قوة تاريخية وقانونية هامة.

ولتجسيد الوصاية والرعاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية عملياً قامت الاردن وتقوم بالعديد من وجوه الدعم المختلفة، فهي اولاً في جوهرها سياسة رسمية للدولة فلا يخلو خطاب في كافة المحافل الدولية أو توجيه ملكي هاشمي للحكومة الاردنية إلا والقدس ومقدساتها ودعم الاشقاء في فلسطين ركيزة في هذا التوجيه الملكي السامي، حيث تشرف وزارة الاوقاف الاردنية على ادارة الاوقاف في القدس من خلال مديرية تتبع لها في القدس ومن خلال مجلس اوقاف القدس المعين من اعضاء من الاردن وفلسطين، وتمول الوزارة مشاريع الاعمار في المسجد الاقصى وتهتم بشؤون اكثر من الف موظف، كما تشرف وتدير المحاكم الشرعية في القدس ومعاهد فقهية ومدارس تزيد عن 50 مدرسة، وتنشط في جهود اعمار وصيانة بيوت المقدسيين ومحالهم التجارية وصيانة الاوقاف وتزويدها بالخدمات.

وقد تشكل بارادة ملكية سامية مؤسسات رسمية تهتم بالقدس والمقدسات وهي لجنة اعمار المسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة عام 1954م، واللجنة الملكية لشؤون القدس عام 1971م، التي تصدر تقرير اخباري يومي عن اخبار وواقع القدس وتصدر العديد من المؤلفات عن القدس بمختلف المجالات وتوفر تقرير شهري ومكتبة متخصصة عن القدس، وتشارك في المؤتمرات والندوات والكثير من الانشطة التوعوية عن واقع مدينة القدس ، وهناك ايضا الصندوق الهاشمي لاعمار المسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة عام 2007م.

وتقوم الوزارات الاردنية مثل وزارة التربية والتعليم والتعليم والعالي ووزارة الثقافة ووزارة الصحة وغيرها من الوزارات بالتعاون مع القطاعات المختلفة في فلسطين والقدس وتقدم الدعم اللازم لها، وهناك الكثير من الجمعيات الأهلية المقدسية في الاردن ويزيد عددها عن 25 جمعية اهلية تقوم بانشطة وفعاليات داعمة للاهل في القدس، اضافة الى النقابات مثل لجنة مهندسون لاجل القدس التي تتبع نقابة المهندسين ولجنة اطباء لاجل القدس التي تتبع لنقابة الاطباء ، وهناك لجنة الزكاة والمناصرة للشعب الفلسطيني والهيئة الخيرية الهاشمية وغيرها من المؤسسات الداعمة لفلسطين والقدس.

لقد بذل الاردن وما يزال بقيادة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله على الصعيد الدولي دوراً بارزاً في دعم فلسطين والقدس، من خلال تقديم وصياغة العديد من المقترحات والقرارات الدولية المقدمة من الاردن والاشقاء والاصدقاء في هيئة الامم المتحدة والمنظمات التابعة لها، فمن المعلوم تاريخياً أن الاردن نجح في تسجيل المدينة القديمة واسوارها على قائمة التراث العالمي عام 1981م، والتراث العالمي المهدد بالخطر عام 1982م، واستطاع مع الاشقاء والاصدقاء في عام 2016 م اصدار قرار من اليونسكو ينص على ان المسجد الاقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف ملك خالص للمسلمين وحدهم ولا علاقة لليهود به قطعياً.

إن الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس هي الذراع والزند العربي والاسلامي والدولي المنافح عن القدس، تتميز استراتيجياً بشرعيتها والاجماع الدولي عليها، ومؤسساتها الفاعلة بقيادة صاحب الوصاية جلالة الملك عبد الله الثاني التي تؤدي دوراً هاماً لدعم القدس والدفاع عنها وفضح الجرائم والانتهاكات الاسرائيلية ضدها.

ونظراً للدور العالمي لجلالة الملك عبد الله الثاني في رعاية المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس وسعيه لنشر رسالة الوئام والتسامح فقد استحق جلالته جوائز عالمية هي مصباح السلام وجائزة تمبلتون وجائزة رجل الدولة الباحث ، وقد عكس ذلك التقدير لجلالته مدى الاحترام والتقدير العالمي لجلالته والذي استثمره في الدفاع عن الاهل في فلسطين والقدس، إذ يصرح جلالته دائماً بأن القدس خط أحمر لا يمكن المساس بها ، كما دعى جلالته لانهاء الاحتلال باعتباره مأساة اخلاقية لابد لها ان تنتهي، الى جانب نداء ومطالبة جلالته الدائم في كافة المحافل الدولية بأن السلام المنشود يكون بحل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967م.

إن المأمول اليوم وفي ظل الهجمة الاسرائيلية الهمجية من الاستيطان والتهجير وسياسة الابعاد عن المسجد الاقصى المبارك ورفض اسرائيل قرارات الشرعية الدولية وضربها عرض الحائط، هو مطالبة العالم بالزام اسرائيل تنفيذ القرارات الشرعية، وهناك ضرورة لدعم الموقف الاردني ووصايته على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، فالوصاية الهاشمية والدور الاردني لا يقتصر على رعاية المقدسات فقط، بل في حقيقته يشكل سنداً لحماية الامة وثرواتها، وستبقى الوصاية الهاشمية التاريخية والاردن قيادة وشعباً السند لاهلنا في القدس وفلسطين والداعم للسيادة الفلسطينية على القدس وحقهم في اقامة الدولة الفلسطينية مهما كانت التضحيات وبلغ الثمن .

اريد القول بأن القضية الفلسطينية وجوهرها القدس قضية ذات بعد وطني وقومي وعالمي بسبب تداعياتها المباشرة على حالة السلام والأمن العالميين، وهي قضية تتصل بأبشع احتلال في التاريخ الحديث فهو احتلال استعماري وثقافي واقتصادي واجتماعي يهدد الإنسان والأرض والمقدسات وسعى لتهويد فلسطين التاريخية ومحو هويتها وثقافتها التي تعود لأكثر من (5) آلاف عام.
إن الحق التاريخي لأهلنا في فلسطين والقدس “مسلمين ومسيحيين” يستند على ركائز سياسية وقانونية وتاريخية لا جدال فيها، ولم يحرك العالم ساكناً لفرض العدالة انطلاقاً من هذه الركائز، لذلك يبقى السؤال: “إلى متى ستبقى إسرائيل فوق القانون والشرعية الدولية؟” .

وبمناسبة ذكرى عيد ميلاد جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله تتقدم اللجنة الملكية لشؤون القدس للشعب الاردني والامتين العربية والاسلامية بالتهنئة والتبريك مؤكدة ان موقف جلالته سيبقى الداعم لاهلنا في فلسطين والقدس حتى نيلهم حقوقهم التاريخية مهما كان الثمن وبلغت التضحيات.

التعليقات مغلقة.