أحزاب سياسية جديدة تتشكل في ساحة جرداء تفتقر إلى السياسة.

268

بقلم : المهندس سليم البطاينه

ثمة مسارات وخطوط متشابهة بين المشهدالسياسي الراهن والمشهد الذي ساد البلاد عندما تم إقرار عودة الأحزاب إلى العمل السياسي عام ١٩٩٢ بعد أن كانت محظورة سابقاً منذ عام ١٩٥٧ .. فمنذ عودتها للعمل السياسي وحتى الآن تعيش الأحزاب الأردنية أزمات فكرية وسياسية تنظيمية شاملة ، والخلل فيها جاء من صُلب تكوينها مما يؤكد أن النخب السياسية كانت متواضعة في قدراتها وتفتقر إلى الجودة السياسية ، وخبرتهم في التاريخ والجغرافيا محدودة جداً ، فقد شهدت الأحزاب وقتها تزاحماً وقارب المُرخص منها تقريباً ٥٠ حزباً تنافسوا على أقل من ١٪؜ من نسبة المواطنين ( ٣٥ ألف شخص فقط ) ، وجميع تلك الأحزاب سادها مرض المصالح الشخصية الضيقة واجتاحها الإنغلاق.

وقبل البدء في عرض مضمون مقالي هذا دعونا نتفق أن الدولة وبكافة مؤسساتها فشلت خلال سنوات طويلة جدًا في بناء مشروع تنموي ديموقراطي حقيقي ولأسباب كثيرة أهمها العقل السياسي المُتشنج للدولة العميقة.

ولسنا هنا في حاجةٍ إلى زرقاء اليمامة لنحلل ونتوقع شكل المشهد السياسي الحزبي القادم في الأردن بعد اكتمال أشواط المباراة (التعديلات الدستورية ومخرجات اللجنة الملكية) .. فالحملات المنظمة في الترويض والتيئيس أدى الى خلل في المشهد السياسي.

فالدولة اليوم تحاول جاهدةً تغيير المشهد السياسي لعل وعسى ، لكن مزاج الأردنيين ليس على نفس الموجة ولديهم حالات من الإحباط والتراجع في العمل السياسي أدى إلى تراجع وتدنّي مستوى الثقة بمؤسسات الدولة.

والتجربة تقول أن الأحزاب السياسية في الأردن لطالما كانت عالقة بين مطرقة الدولة ومطرقة الرأي العام للشارع ، وتعرضت لضغوطات لإبداء الولاء الأعمى للدولة .. بحيث بات الباروميتر الأردني يشير إلى نسب ثقة منخفضة في الأحزاب السياسية.

فعبر ترسانتها القوية ستكون الدولة لاعباً رئيسياً في المشهد السياسي الحزبي القادم ، وسيتم تصنيف الأحزاب السياسية استنادًا إلى مدى قربها من الدولة ، وستكون الأحزاب عبارة عن صرح اصطناعي تتطلع فيه إلى نيل حظوة الدولة ودعمها وهذا دون أدنى شك سيقوّض نفوذها السياسي ويجعلها تتأثر بسلوكيات الدولة.

وحين يكون النشاط الحزبي عبثياً تنهار الديموقراطية ويتم تقويض القواعد التي تضبط إيقاع العمل السياسي بعكس عندما يكون النشاط متوازناً ومحكوماً بقواعد من الصعب تجاهلها لأنها وقتها تكون أمام نشاط حزبي حر ومحترم يتبارى فيه الفكر السياسي والرؤيا بحرية ونظام.

ففي كتابه المهم عن الديموقراطية والأحزاب السياسية صنّف المؤرخ والمنظّر السياسي الفرنسي Alexis de Tocqueville (1805-1859) الأحزاب السياسية إلى صنفين : أحزاب تَفتن المجتمع وأحزاب تقلّب المجتمع بأفكارها.

على أي حال كل مرحلة تحتاج إلى خطاب سياسي يتماشى مع الظروف التي تعيشها البلاد فمنها الثابت ومنها المتغير .. لكن المشهد السياسي حالياً للأسف لا زال يراوح مكانه ويأخذ منحنى من الهبوط لصدى التعديلات الدستورية ومخرجات اللجنة الملكية التي أتت بمصطلح جديد مثير للجدل (الهوية الجامعة) فقد غاب عنها أن الوطنية الأردنية تطورت واشتقّت أدوارها السياسية خلال القرن الماضي من وعي حددته الجغرافيا إلى وطنية تعرف بالهوية الوطنية الأردنية وليس من خلال الهوية الجامعة.

وإن إجراء الإنتخابات البرلمانية القادمة وفق القانون المقترح من اللجنة الملكية سيُنتج برلماناً هزلياً وسيزيد من مفاقمة شعور الأردنيين بديمومة الخلل السياسي .. فعملية الإستقرار السياسي يرتبط جزءاً منها بنجاح عملية التنمية والتي هي أصلاً غائبة وغُيّبت منذ زمن طويل.

فالضجيج لن يُنتج سوى المزيد من التراجعات والخيبات ولن يُصلح المسار ويُنقذ البلاد ، وحين نتحدث بواقعية يجب أن نؤسس جيلاً سياسياً يمتلك وعياً سياسياً ونظرة مستقبلية بعيدة المدى.

وإذا قدر لنا القيام بجَرد سريع للربح والخسارة التي من المتوقع أن يُسفر عنها المشهد القادم سنجد أن الديموقراطية هي الخاسر الأول والأخير .. رغم أنه في مجال السياسة يُحظَر منطق الربح والخسارة.

التعليقات مغلقة.