تدمير التعليم في الأردن أفضى إلى طبقية وتفاوت مجتمعي
الأردن اليوم – تتفق الآراء أن الطالب الفقير في الماضي كان مَضرباً للمثل في الجِد والتفوق عن باقي أقرانه من الأغنياء وميسوري الحال .. لكن الحال تغير ولم يعد هو المتفوق ، فالمدارس الخاصة والأجنبية قلبت الموازين وحرمت الفقير من سلاح المنافسة الذي كان يعتمد عليه لإثبات تميزه .. فالتفاوت كبير بين موارد التعليم التي تصل الطلاب الفقراء وتلك التي تصل الأغنياء ، والإختلاف شاسع في أساليب التعليم وفلسفات التربية وجودة التعليم ، وموازين التعليم جميعها اختلفت وتفاقمت عملية التراجع ، وأصبح النظام التعليمي الحالي يُكرس الهوّة بين الفقراء والأغنياء ويحدث شرخاً عميقاً في النظام التعليمي ، وبات التعليم محصوراً بين الأغنياء والطبقة الحاكمة وميسوري الحال ، والفقراء إلى التسرب المدرسي.
القصة ليست جديدة فمنذ سنوات طويلة شاهدنا أن أبناء كل طبقة يتم تدريسهم وتحضيرهم وإعدادهم بطريقة ومنهج وأسلوب ينسجم مع تطورات المجتمع لهم مستقبلاً سواء من حيث الوظائف أو المناصب ( أي بمعنى تدريسهم وفقاً للطبقات الاجتماعية التي يأتون منها ).
وأنا لست هنا بصدد الحديث عن أمجاد الماضي في التعليم والبكاء على الأطلال في ما آل إليه مستوى التعليم في المدارس الحكومية من تردٍ خطير خلال السنوات الماضية ، فالأردن كانت تتقدم دول المنطقة على جميع المستويات في عصرها الذهبي ، وأصبحت اليوم تتذيل أغلب القوائم والمؤشرات .. فنحن حالياً نعيش أسوأ الفترات التي تشهد تراجع الاردن على كافة المستويات .. فالتعليم قوة عندما يصبح أولوية على أجندة سياسات الدولة بحيث تنعكس هذه الأولوية والسياسات على الخطط المالية والاقتصادية ، لكن يبدو أن هنالك العديد من القضايا التي جذبت الشارع السياسي بعيداً عن أهمية قضية التعليم.
فإذا نظرنا إلى المنظومة التعليمية المهترئة للتعليم في المدارس الحكومية لوجدنا أنها تساهم بشكل كبير في الإبقاء على الشكل الطبقي للمجتمع وإعادة إنتاجه .. فمبدأ تكافؤ الفرص تم الإطاحة به بفعل فاعل في كافة مسارات التعليم ، بدءاً من فرصة الحصول على التعليم مروراً بشكل وجودة التعليم.
والتميز في التعليم يبدأ في مرحلة التعليم الأساسي حيث يتلقى أبناء الأغنياء والطبقة الحاكمة تعلماً ورعاية أفضل في المدارس الخاصة والأجنبية ، ومعظم طلبة تلك المدارس يتلقّون تعليمهم باللغة الإنجليزية على عكس أقرانهم في المدارس الحكومية مما يفصلهم عن مجتمعهم ويعمق الهوة بينهم وبين باقي شرائح المجتمع ، حيث يصبح التمكن من اللغة الإنجليزية هو الفيصل في حكم المجتمع والدولة على الفرد.
فأبناء الأغنياء وميسوري الحال والطبقة الحاكمة يحصلون على تعليم جيد ويدرسون في المدارس الأجنبية ثم بعد ذلك يسافرون للخارج لإستكمال دراستهم الجامعية ، وحين عودتهم يشغلون مناصب عليا في مؤسسات الدولة السيادية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
وترك التعليم الخاص يتضخم على حساب التعليم الحكومي سيكون له عواقب مقلقة وخطيرة في المستقبل ، وترك جودة التعليم رهنًا بالحالة الاقتصادية للعائلة هو نوعٌ من الظُلمُ وقد يكون قريباً سبباً في صراع طبقي مزعج خطير لا نعرف نتائجه.
لذا علينا أن ننظر إلى النتائج بعيدة المدى للعملية التعليمية ، فإنكماش الموازنات المالية لوزارة التربية والتعليم باتت معضلة أساسية ومُحركاً لإعادة التفاوت الطبقي والتوسع فيه.
يجب أن ينتهي هذا الوضع البائس وأن تتوقف سياسات التميز ضد الفقراء كي لا يصبح التعليم سلعة للأغنياء والطبقة الحاكمة فقط .. فالصراع الطبقي مقيت بين من يملك ومن لا يملك ، والتاريخ الاردني وبالاخص ذاك الاقتصادي والاجتماعي فيه من الدلالات الكثيرة والشواهد التى تفسر لنا حاضرنا.
فمن الضروري دق ناقوس الخطر ، فما حدث لمنظومة التعليم سابقًا كان تدميرًا ممنهجاً للتعليم الحكومي والهدف من ذلك هو منع الناس من امتلاك المعرفة والوعي ، لأن شعباً واعياً لن يركع وسيدرك دوره ومكانته في الحياة ويدرك حقوقه ويسأل عنها ، ولن يقبل الضيم ولن يقدّس أو يخاف من أحد.
إننا في حاجة إلى تغيرات استراتيجية راديكالية فالتعليم أصبح وسيلة لتكريس الفوارق الطبقية وبات الممثل الوحيد للتفاوتات المجتمعية .. وثقتنا بالوزير الحالي الدكتور وجيه عويس القادم من الطبقة الكادحة كبيرة فلديه الكثير من الخطط لتطوير التعليم العام والجامعي وقد سنحت الفرصة لي بالاطلاع على بعض منها ، وهو يعرف جيداً أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيقودنا نحو الأسوأ وسيؤدي لتردي أوضاع من تبقى من الطبقة الوسطى التي تعتمد على التعليم للحصول على وظيفة.
التعليقات مغلقة.