الأردن وإضاعة الكثير من الوقت في سوق الأزمة
المهندس سليم البطاينه
باتت مواعيد البكاء على الأطلال تتكرر كثيراً هذه الأيام وبات من هم في عمري يعانون حالة من الشد والجذب ، الشدّ نحو وطن عشقوه وحفظوا عرفانه وكل أفضاله التي عاشوها في طفولتهم وشبابهم ، وبين جذب التحسر على ما وصل اليه وطنهم.
وأنا هنا لست مطالباً بأن أكتب بحثاً عن سنوات الخراب وعن الزمن الذي أضعناه، فالأردنيون لن يقبلوا خسارة وقت إضافي على حساب مشاكلهم ومعاناتهم ، فقد أرهقتهم المناورات والإنجازات والوعود الوهمية.
فللأردن أبنائه الحقيقيون الذين يحبونه ، كما أن به أبناء عقوق وأقزام مراحل عكفوا بشكل واضح على نهبه وخرابه .. وهم نفسهم كانوا وما يزالون يعيقون استعداة الأردن ونهضته ووضعه على الطريق الصحيح .. فالمطلوب في الأردن اليوم ليس مجرد ترقيعات أو إصلاحات جزئية ، بل استعادة الأردن من رحلة التيه التي عاشها.
الحقيقة اليوم مؤلمة ، والجميع مُحبط يائس بائس ، فمهما كانت قسوة الحقيقة فإنها وحدها من تدفن الأكاذيب ، فعلى مدار سنوات طويلة أُعتبر الكذب أمراً معتاداً ومقبولًا.
واحترنا في تعريف الوطن ، فالكل يتغنّى به الصالح والطالح والفاسد والظالم والمظلوم ، فمنذُ سنوات ونحن نعيش في دوامة الأزمات واستمرار الوضع كما هو عليه الآن غير مقبول ، فهناك مراكز قوى خفية تكبح تطور الدولة وتسلبها مواردها وتعرقل نمو المجتمع دون الإكثراث لأيديولوجية الدولة ، وأحياناً تسمح هذه القوى بحرية الفوضى الاجتماعية.
ولهذا يتبادر إلى الأذهان سؤال مهم : هل تُسرق الأوطان من الشعوب ؟ الإجابة نعم ، فحين ترتبك الهوية عندها يكون من السهل أن تترك وطنك وتبحث عن وطن آخر.
فمنذُ سنوات ونحن نقف على بركان لا يهدأ من الأزمات ، وأضعنا في سوق الأزمة الكثير من الوقت ، وأضعنا شهية التميز بين الناقل والشاهد ، وبين البائع والمشتري ، ففي سوق الأزمة صار الكثير من الكذابين يملكون منافذ مؤثرة تسعى إلى خداع الناس ، وبات سوق الأزمة يزدحم بالبضائع المغشوشة.
أسئلة كثيرة تتوالد من بعضها البعض ، لكن الكل غائب والصمت غريب .. ولا أعلم ما الذي سيكتبه التاريخ عنا ؟ لكنني على يقين تام أنه سيخلد الأردنيين جميعاً لأنهم استطاعوا البقاء رغم كل شيء.
فكم شدني كتاب المؤلف السويدي Tomas Erickson ( surrounded by idiots ) ( محاط بالحمقى ) والذي صدر عام ٢٠١٤ وترجم إلى ٣٣ لغة لا أعرف إذا كانت اللغة العربية بينهم ، وبيعت منه مليونين نسخة .. فالذي شدني في ذلك الكتاب أنه يتناول فكرة يحملها معظم المسؤولين والوزراء ومتمركزة في القول ( أنا أعرف أكثر من غيري أما الآخرون فهم حمقى ! ) .. فهنالك مسؤولين تتحدث معهم بيسر وسهولة وآخرين تجد نفسك أمام حائط صلب لا يكمن اختراقه لأنهم لا يدركون معنى المجهول.
وينسب لألبرت إينشتاين Albert Einstein أنه قال لا نستطيع حل المشاكل المستعصية بنفس العقلية التي أوجدتها ، فالغباء هو أن تفعل نفس الشي مرة أخرى وتتوقع نتائج مختلفة.
ستمر الأيام بالتأكيد وسط هذه الفوضى ولن نيأس من المطالبة بتغير الواقع فذاكرتنا ليست مثقوبة ودغدغة مشاعرنا لم تعد تكفي ، فالمطلوب صحيان ضمير الدولة ليطمئن الأردنيون على حاضرهم ومستقبلهم ، فوجود خريطة سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة لمستقبل الأردن يعطي الناس إحساساً بالأمان وهو المخرج من دوران البلد في حلقة الإنحدار وكأنها الثقب الأسود الذي يلتهم كل من حوله.
نعم لقد تعبنا من شدة الإنتظار ، وسنقول الوجع بكل ما فيه وبصرخة عاليه علهم يفقهون ، فخلال عشرون عامًا لم تكن الدولة قريبة من المواطن .. فهل تعي الدولة فقدان ثقة مواطنها فيها ؟ وهل تعي النتائج المترتبة عن وصول الأردنيين إلى تلك الحالة النفسية والعقلية ؟! فانعدام الثقة ليس بجديد فهو نتيجة تراكم سنوات في تهميش الناس والحكومات ومجالس النواب عبر ضرب مصداقيتها وتحجيم دورها داخل الدولة والمجتمع.
ولمن لا يعرف فإن أسوأ أنواع الكوميديا هي الضحك على المتفرجين والسؤال : هل تَصحوا الدولة أم أن هنالك أمل خائب في بقاء الحال على حاله معلقاً على مستقبل مظلم للأجيال القادمة.
التعليقات مغلقة.