العجارمة: “الغش” أولى من “الخطأ الجسيم” في عقود المقاولات

الدكتور نوفان العجارمة

432

الأردن اليوم  – أقر مجلس النواب في الأسبوع المنصرم مشروع القانون المعدل لقانون العقوبات لسنة 2022 والذي تقدمت به الحكومة إلى مجلس الأمة مؤخرا، وقد تضمن المشروع تعديلا على نص المادة (175) من قانون العقوبات.

وقد أضاف المشروع نصاً مستحدثاً : (2-أ- كل من اقترف غشاً في تنفيذ كل أو بعض الالتزامات التي يفرضها عليه عقد مقاولة أو توريد أو غيره من العقود التي ارتبط بها مع الحكومة أو إحدى الإدارات العامة أو مرافق النفع العام بقصد جر مغنم له أو لغيره أو إضرار بأي منها يعاقب بالأشغال المؤقتة. ب- ولا تقل العقوبة المقررة في البند (أ) من هذه الفقرة عن خمس سنوات إذا كان الغرض من العقد الوفاء بمتطلبات الدفاع والأمن متى كان الجاني عالماً بهذا الغرض. ج- يعاقب بأي من العقوبتين المنصوص عليهما في هذه الفقرة المتعاقدون والمقاولون من الباطن والوكلاء والوسطاء إذا كان الغش راجعاً إلى فعلهم. 3. ويحكم على الجاني إضافة للعقوبات المقررة في الفقرتين (1) و (2) من هذه المادة بالرد وبغرامة مساوية لقيمة المال موضوع الجريمة أو المتحصل منها أو ما لحق بجهة الإدارة من ضرر)

وقد رفضت كل من نقابة المهندسين ونقابة المقاولين وجمعية مستثمري قطاع الإنشاءات هذا التعديل وقد ساقت الجهة المعترضة الأسباب لتأييد اعتراضها وهي:

1. هذا التعديل يحول عقد المقاولة إلى جرم مبني على مفهوم متسع.

2. يُخشى من استغلال صاحب العمل لهذا النص بحيث تتم احالة المقاول الى المحكمة في حال ظهرت أي هفوة أو خطأ في التنفيذ.

3. وتضيف الجهة المعترضة ايضا بان هذا النص يحول دون إقدام الشركات العالمية على تنفيذ المشاريع الكبيرة في المملكة.

4. وتطالب بأن يتم وضع نص قريب من النص الوارد في قانون العقوبات المصري حيث اورد المشرع المصري تعبير الخطأ الجسيم ولم يورد تعبير الغش.

5. واخيراً: ذكرت في المؤتمر الصحفي بأن موضوع الغش معالج في قانون العقوبات وأن النص لم يأت بجديد؟؟ ولا يوجد مبرر او مسوّغ قانوني لكثرة تعدد النصوص الجنائية التي تعالج الموضوع ذاته.

وفي حين تؤكد الحكومة ومجلس النواب على أهمية هذا التعديل كونه:

1. يحافظ على إنفاق الأموال العامة.

2. ويؤدي الى ديمومة سير المرافق العامة من خلال ضبط تنفيذ عقد المقاولة.

ونظراً لوجود ثمة تباين كبير في وجهات النظر بخصوص هذا التعديل لابد من ايضاح ما يلي:

1. إن القول بأن الغش معالج في قانون العقوبات وأن النص لم يأت بجديد؟؟ ولا يوجد مبرر أو مسوغ قانوني لكثرة تعدد النصوص الجنائية التي تعالج الموضوع ذاته هذه حجة على الجهة المعترضة وليست لها، فطالما النص لم يأت بجديد في عالم القانون فلماذا كل هذا الاعتراض؟؟ بتقديري ان النص جاء بحكم مستحدث وحدد أركان وعناصر لهذا الجرم خلافاً للنص العام الوارد في قانون العقوبات.

2. ان تعبير او اصطلاح (الغش) أكثر دقة وأعمق دلالة من تعبير (الخطأ الجسيم) وللأسباب التالية:

‌أ. الغش يفترض ثمة قصد خاص بأحداث هذا الغش أما الخطأ فإنه لا يفترض وجود مثل هذا القصد. وقد نص المشرع صراحة على ان الهدف من الغش هو ((بقصد جر مغنم له أو لغيره أو إضرار بصاحب العمل (الحكومة أو إحدى الإدارات العامة أو مرافق النفع العام)))

‌ب. تعبير الغش اصطلاح محدد ومنضبط في حين الخطأ الجسيم يختلف من قاضي لآخر، فما يعتبر خطأ جسيم في واقعة معينة، قد لا يعتبر خطأ في واقعة مماثلة، لأن الاختلاف في الاجتهاد – بين محاكم– سوف يؤدي بالنتيجة إلى ادانة بعض الاشخاص دون البعض الآخر، وهذا يتنافى مع أبسط قواعد العدالة، فالنصوص المتعلقة بالتجريم والعقاب يجب أن تكون محددة في قوالب جامعة مانعة ومقترح الخطأ الجسيم لا يحقق مبدأ العدالة الجنائية.

‌ج. تعبير (الخطأ الجسيم) يخلط ما بين الخطأ البشري (و الذي قد يصيب وقد يخطئ) وما بين الجريمة باعتبارها فعل مقصود يؤدي جر مغنم او دفع مغرم أو الحاق الضرر بالآخرين.

‌د. ان الذي يحدد ثمة وجود غش من عدمه هي الخبرة الفنية والذي يقوم بهذه الخبرة هم اصحاب الفن والاختصاص من المهندسين والمقاولين وبالتالي فان التخوف ليس في مكانه.

3. ان لكل جريمة ينشئها المشرع أركانها التي لا تقوم بكامل عناصرها إلا إذا أثبتتها سلطة الاتهام من خلال تقديمها لأدلتها والإقناع بها بما يزيل كل شك معقول حولها، ذلك أنها تعمد من خلال اتهامها لشخص بجريمة تدعيها، إلى خلق واقع جديد يناقض افتراض البراءة باعتباره تعبيراً عن الفطرة التي جبل الإنسان عليها، وصار متصلاً بها منذ ميلاده، فلا يزحزحها اتهام، ولا تنقضها إرادة أياً كان وزنها. إنما ينحيها حكم قضائي تعلق بجريمة بذاتها، وغدا باتا في شأن نسبتها إلى فاعلها، بعد أن قام الدليل جلياً قاطعاً على توافر أركانها التي نص عليها المشرع. فإذا كان الشخص مشتبهاً فيه، فإن معاملته على ضوء هذا الاعتبار وحده بما يجرده من حقوق كفلها الدستور، لا يكون جائزاً.

4. ان الاتهام الجنائي لا يناقض الحرية، ولا يجوز الفصل فيه بعيداً عن قيم الحق والعدل الغائرة جذورها ففي تلك القواعد المبدئية التي التزمتها الأمم المتحضرة وارتضتها سلوكاً لها، حتى في أكثر الجرائم خطورة، وهو ما يعنى أن الحرية الشخصية لا يجوز التضحية بها في غير ضرورة، وأن الموازين الدقيقة التي يتكافأ بها مركز سلطة الاتهام مع حقوق متهميها لا يجوز الإخلال بها، وعلى الأخص ما تعلق منها بحق المتهم في أن يكون مدركاً للتهمة المنسوبة إليه، واعياً بأبعادها، متصلاً بحقائقها، بصيراً بأدلتها.

وعليه، لابد من وضع ضوابط موضوعية وإجرائية لهذا النص بما يكفل تحقيق الغاية منه فقط دون التوسع فيه، بما يلحق الضرر بالآخرين، لاسيما فيما يتعلق بالتوقيف ومقدار الأموال المحجوزة، والمنع من السفر وغيرها من الإجراءات والتدابير الاحترازية والوقتية، ويجب ان لا نجرد محكمة الموضوع من صلاحيتها الدستورية فيما يتعلق بهذه الإجراءات جميعها.

وبخلاف ذلك سوف نكون مضطرين الى اعادة النظر بهذا النص مستقبلا.

التعليقات مغلقة.