الأردن المقاوم
منذ سنوات وبسبب العنجهية الإسرائيلية وتصرف القيادات هناك دون النظر إلى نتائج تصرفاتهم ومخططاتهم إزاء الحل المطلوب للقضية الفلسطينية تشهد العلاقات الأردنية الإسرائيلية توترا شديدا لأن الأردن يصر على أن تقوم إسرائيل بواجباتها وتتوقف عن محاولات ابتلاع الحقوق الفلسطينية والعودة إلى مسار المفاوضات واحترام الوضع التاريخي القائم في القدس من منطلق أن القدس أرض محتلة، ثم احتراما للوصاية الهاشمية عليها، فمنذ عهد حكومة نتنياهو وإصرارها على إنفاذ مشاريع ومخططات المتطرفين الإسرائيليين في القدس، من أجل الحفاظ على تماسك حكومته وبقائها في السلطة، اصطدم هذا الموقف بالموقف الأردني الرافض والمقاوم لكل ما تقوم به إسرائيل في القدس والضفة الغربية المحتلة.
وعندما جاء إلى الحكم في إسرائيل ائتلاف بينيت لابيد، استرخى حبل الشد بين الطرفين قليلا على أساس أن الحكام الجدد في تل أبيب من الممكن التفاهم معهم خصوصا على القدس ولو بالحد الأدنى. ولكن بعد مرور أكثر من سنة على عمر هذا الائتلاف في الحكم تبين أنه وجه آخر لحكومة نتنياهو وأنه أكثر رضوخا للمتطرفين اليهود، الامر الذي صعد من المواجهة مع الأردن على كافة المستويات.
فتصريحات بينيت أمس بأن إسرائيل وحدها صاحبة السيادة والقرار على القدس جاءت للرد على التحركات الأردنية الضاغطة على المستوى الدولي لردع إسرائيل عما تقوم به من إجراءات واستفزازات في القدس والأراضي الفلسطينية بشكل عام، ومحاولات تقسيم الحرم القدسي زمانيا ومكانيا، والتي في معظم الأحيان تكون الاستجابة لها سريعة ومجدية لما يتمتع به الأردن من احترام كبير على المستويات الدولية، بسبب وضوح موقفه وصدقه واعتداله. فهو على مدار تاريخ القضية الفلسطينية واضح وثابت سواء على مستوى حل الدولتين أو بإصراره على عدم المساس بالقدس وحرمها، وما زال ثابتا على موقفه كصخرة كبيرة في وجه المخططات الإسرائيلية رغم تحمله على هذا الطريق أحيانا ظلما كبيرا، ودفع أثمانًا كبيرة في سبيل هذا الموقف.
وهو يمثل اليوم دور المقاوم الصلب في الدفاع عن حقوق الأشقاء في فلسطين، حيث لم يبق بالمجمل أحد من العرب ملتحمًا بالقضية الفلسطينية كما هو الأردن، فمعظم هؤلاء وضعوا الملف في أدراج أرشيفهم وأداروا ظهورهم له وذهبوا للبحث عن مصالحهم وتناسوا المصلحة القومية العليا للعرب في حل القضية الفلسطينية لاستعادة الاستقرار في المنطقة على جميع الأصعدة، لأنه ما دام هذا الملف مفتوحا ويشهد عبثا إسرائيليا سيظل مصير الوطن العربي مفتوحا على كل الاحتمالات المجهولة.
الفلسطينيون يدركون تماما أهمية الدور الأردني في قضيتهم، لذلك يلتفون حوله ويدعمونه ويتمسكون به لأنهم يفهمون طبيعة هذا الدور وإخلاصه وجديته عبر العقود الطويلة، ومن مصلحتهم أن يظل ثابتا وقويا.
تشتعل فلسطين اليوم تحت أقدام الإسرائيليين، ويضرب الشعب الفلسطيني في كل الاتجاهات رغم تسخير الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية هناك كل أنواع القتل والتهديد والفتك لكل شيءلارهابهم، إلا أنه يقف عاجزا أمام شاب يافع ينطلق من بيته لينفذ عملية ويعرف مسبقا أن حياته وحياة اهله ستكون هي الثمن، ولكنه يريد أن يرسل للعالم أن هنا شعب يقاوم من أجل الحياة والحرية، فأي قوة تستطيع الوقوف أمام هذه الحالة التي تسيطر على أجيال فلسطينية بالكامل؟ فالقيادات الإسرائيلية التي جعلت مصير فلسطين وأهلها مجرد ورقة انتخابية تزاود عليها من أجل عقول صغيرة في رؤوس متطرفين تملؤها الخرافات ويملؤها الحقد والكراهية هي التي دفعت الشعب الفلسطيني لسلوك هذه الدروب الصعبة لأنهم يئسوا من أن تكون إسرائيل جادة في الوصول إلى حل يعيد الحقوق إلى أصحابها، وقد سلكوا هذا الطريق ليفهموا صاحب الاحتلال أن احتلاله لا مستقبل له ولا استقرار، وسيظل شلال الدم يتدفق على أرض فلسطين حتى يحصل أبناؤها على حقوقهم، وبالتالي يصر الفلسطينيون على أن يظلوا مقاومين يطلبون حقهم بدمائهم.
الأردن وفلسطين اليوم في مواجهة المشروع الصهيوني الذي يريد ابتلاع الأرض وما عليها، وقد أغرت أصحابه في السنوات الأخير بعض الاختراقات التي حققوها في المنطقة، وظنوا أنهم استفردوا بالفلسطينيين وأن قضيتهم أصبحت من الماضي، فوجدوا أنفسهم في مواجهة شعب مقاوم عنيد يتمسك بحقوقه على أرضه وان قضيته ستظل الأولى على المستوى الدولي رغم محاولات تغيبها واعتبارها تاريخا منسيا، ووجد دولة صاحبة رسالة تاريخية ودينية وقومية تدعمه وتقف إلى جانبه بكل إمكانياتها، فكان الأردن عقدة كأداء في طريق المشروع الصهيوني.
سيظل الصراع محتدما في فلسطين والمنطقة مادام القادة في إسرائيل يتعامون عن السياسة وينظرون من منظار أمني مرعوب الأمر الذي ليس من مصلحتهم.. فالعمى السياسي يؤدي بالنهاية إلى عمى أمني يدفع صاحبه وحده الثمن..
عن عمون
التعليقات مغلقة.