الأحزاب وإعادة التموضع

يعقوب ناصر الدين

95

الأردن اليوم – في عالم الاقتصاد والأعمال تعرف إعادة التموضع على أنها عملية تستعيد بها المؤسسات التي تواجه صعوبات أو تعثرا يؤثر على ثقة الجمهور بمنتجاتها ومصداقيتها من خلال استراتيجيات مختلفة تماما، وكأنها تبدأ من جديد مستفيدة من الأسباب التي أدت إلى تلك الصعوبات، ومدركة للتغيرات التي حدثت في المحيط الذي تتعامل معه، كبر أو صغر.
الكثير من المصطلحات في مجالات التخطيط الإستراتيجي لها مدلولات سياسية واقتصادية واجتماعية ، وفي شأن مصطلح إعادة التموضع فهو أقرب ما يكون في العمل السياسي إلى الميدان عندما تدخل الدول مرحلة جديدة من مسيرتها، وخاصة عندما تنتقل إلى حيوية دستورية وقانونية على شكل تغير نوعي في منظومتها السياسية، ترافقها عملية إصلاح شامل لجميع قطاعاتها.
نحن في الأردن أشبه ما نكون بحيوية من هذا النوع منذ أن بدأنا بتحديث المنظومة السياسية، واقرار التعديلات الدستورية، وقانوني الأحزاب والانتخاب، والأردن بلد يعرف العمل السياسي والحزبي والبرلماني منذ نشأته، فهو بالطبع لا يبدأ من جديد، وإنما يعيد صياغة واقعه بما يشبه حالة إعاد التموضع، والاستعداد لمرحلة جديدة قد تفرضها تحديات داخلية أو خارجية أو الاثنتين معا، معتمدا على إدراكه للواقع المحلي وفهمه للتوازنات والتحولات الإقليمية والدولية، وهذا الفهم ليس منحصرا بالدولة وسلطاتها ومؤسساتها، وإنما بقواه الشعبية الوطنية، ومستوى الوعي الذي يتحلى به الأردنيون في كل المسائل التي تمس أمن واستقرار بلدهم ومكانته ودوره في التطورات المحيطة به، والدفاع عن مصالحه العليا.
ما نشهده اليوم من تشكيل أحزاب جديدة، أو توافق بين نخب حزبية سياسية لإعادة بناء وتطوير هياكلها هو نوع من التموضع الذي يسبق عملية الاندماج في حزب واحد، تماما مثلما فعلت أحزاب « الوحدة الوطنية، والعون، والنداء، والعدالة والإصلاح « وما سبقتها إليه أحزاب أخرى، كخطوة لا بد منها قبل عملية الاندماج الكلي.
تعرف الأحزاب جميعها أن التحدي الحقيقي يكمن في مدى قدرتها على جمع الناس من حولها، بما في ذلك الشباب والنساء، أي أنها مطالبة بتطوير منتجها السياسي والبرامجي الذي يجعلهم ممثلين بالمعنى الحقيقي، ومشاركين في صنع القرار سواء على مستوى الحزب أو من خلال ممثليهم في البرلمان، وهو في الحقيقة تحد صعب للغاية ما لم تخلص النوايا، وتتضافر الجهود، ويلمس الأثر على أرض الواقع بالقول والعمل!
ذلك طريق غير ممهد حتى الآن ويحتاج إلى عزيمة نتغلب بها على الأفكار المسبقة وعلى بعض الإحباطات الناجمة عن موروث ثقافي يتعلق بتجارب الماضي، ومشكلات الحاضر، والتي يبعث بعضها على اليأس والريبة والشك، وهي في مجملها نوع من الانطباعات، وليست موقفا مناهضا أو معارضا لعملية التطوير والتحديث السياسي في حد ذاته!

التعليقات مغلقة.