البطاينة يكتب: مجالس النواب وعطايا الحكومات والزبائنية أرهقا ودمرا الإدارة العامة للدولة

55

كتب المهندس سليم البطاينة…

إن لغة الأرقام والمشاهد الدرامية أكثر بلاغةً لرسم الصورة الفعلية للإدارة العامة في الدولة الأردنية ، فالواقع يشير إلى غياب معيار الكفاءة والمهنية .. فالجهاز الحكومي ترهل وارتفعت تكاليف تشغيله ووصل إلى مرحلة من الترهل لم يعد الإقتصاد الوطني والموازنة العامة قادران على احتماله اقتصادياً أمام ذلك النمو السلبي لموظفين الدولة بشكل عام .. وبات الأمر يتطلب إعادة هيكلته بشكل راديكالي ، وتحويله من جهاز مترهل إلى جهاز رشيق يضيف قيمة وينتج أكثر مما يستهلك .. فهذا العدد الهائل من الموظفين في الجهاز الحكومي ترهل وأصبح مصاباً بداء الفيل لدرجة أنه يكاد ينهار من كثرة الأمراض جعلته يشيخ ويحتضر لأنه لا يستطيع مواكبة التغيرات التي يتغير بها العالم ويتغير بها أسلوب الإدارة العامة .. فما زال أداء مؤسسات الدولة يعكس سوء إدارة ناجم عن ضعف شديد واختلالات إدارية تعانيها كل مؤسسات الدولة في مختلف المجالات بما فيها القطاع الخاص.

فقد اتّسمت السنوات الأخيرة بتطورات وتحديات عديدة كان لها تأثير مباشر على الإدارة العامة للدولة ومن أهمها اختلاف دور الدولة ، وهذا بالتأكيد يستلزم تبني مفهوم حديث للإصلاح يتلائم مع التغيرات .. فالكُل يجمعون على أن اختلالات الإدارة لمؤسسات الدولة كانت نتيجة لسوء السياسات العليا وللقرارات التي أعطت الإدارة في الغالب لمن لا يعرف معناها .. وإن إصلاح الإدارة العامة لن يتم إلا بالقضاء على الممارسات التي اوصلت البلاد الى الفشل الإداري ، ولا يخفى أن غياب التدوير الوظيفي لا سيما الوظائف العليا في مؤسسات الدولة وتحكم مجموعة أشخاص لعقود من الزمن بكل الإدارات والمناصب الإدارية أثر سلباً على الإدارة العامة بشكل عام في الأردن. ، وفي مقدمة تلك الممارسات هي المعايير العشوائية وغير المهنية لشغل المنصب العام وأعطيات الحكومات لإرضاء النواب وشراء الذمم ، فعلى سبيل المثال قبل ١٥ عامًا قام أحد رؤساء الحكومات بتعيين ٣١ مستشارا وأمينا عامًا في أجهزة الدولة العليا المختلفة لإرضاء النواب.

وبات من الأهمية القصوى مراجعة حجم القوى العاملة في الجهاز الحكومي والإبقاء على القوى الضرورية والتي لا يمكن الإستغناء عنها ، وتحويل العدد الفائض من العاملين إلى شركات إنتاجية وخدمية تضيف قيمة للإقتصاد الوطني وتساهم في تنوع القاعدة الإقتصادية.

حيث يشهد الأداء الإداري لغالبية مؤسسات الدولة تراجعاً مخيفاً من عام لآخر لدرجة أنه بلغ ذروة الشك ، حيث تعاني السياسات الإقتصادية والتنموية من الضعف علاوة على غياب الرؤية الإستراتيجية الواضحة في التطوير والإصلاح .. وغياب المعلومات الدقيقة أيضًا التي تُبنى عليها القرارات والخطط العامة التي تخدم البلاد وتحقق النهضة.

عموماً إصلاح الإدارة العامة للدول بشكل عام يجب أن يبدأ بإصلاح الأفكار والأهداف السياسية ، فهو لا يقتصر على الإصلاحات الإدارية بل يتعداها إلى أبعد من ذلك بكثير ، حيث يجب أن ينطلق من خلال إصلاحات سياسية حقيقية بإعتبار أن إصلاح الإدارة يعد قضية سياسية أصلاً ، ويجب أن يساعد على تحقيق أهداف سياسية مثلها مثل الإصلاحات الإقتصادية التي لا يمكن تحقيقها إلا بإصلاحات سياسية .. والإدارة العامة للدولة تعتبر مرآة للسياسة ولشكل النظام السياسي ، وعندما نقول ذلك فنحن نتجاوز دائرة الإصلاح الإداري الضيق ليشمل الدائرة السياسية الأشمل والأوسع.

بإختصار لا اتصور تحقيق إصلاحات إدارية ناجحة وذات مردود فعال في ملف الإصلاح الإداري إلا بالبحث في الصلة الوثيقة بينها وبين السياسة ! وبدقة أكبر لا يمكن إصلاح الإدارة العامة للدولة إلا بإعادة ابتكار الحكومة سياسياً من حديث الوسائل والأهداف عبر استخدام أدوات السياسة لتوجيه دفة القرارات الإدارية لتحقيق غايات سياسية ، وذلك من أجل تركيز غزيرة الإصلاح السياسي بقوة في صلب ممارسة الحكومة.

وعلى أي حال إصلاح الإدارة العامة للدولة ليس بالأمر السهل ، فهو يحتاج إلى قرارات قوية تمثل بوابة الولوج إلى الإصلاح الشامل والفعلي ، فالفشل الإداري كان حتميًا لواقع موبوء تم الإشارة له سابقاً.

اترك رد