العمد يكتب : انتخابات ومباريات
كتب اللواء المتقاعد مروان العمد
بهدف تنمية الروح الديمقراطية بعقول طلبتنا وتعويدهم على ممارستها، وبهدف غرس روح المواطنة الصالحة في نفوسهم، فأنه ومنذ عام ٢٠١٠ فقد تم اعتماد قيام طلبة جميع مدارس المملكة ممن هم من الصف الخامس وحتى الثاني عشر بانتخاب مجالس برلمانية طلابية خاصة بهم . حيث يقوم طلبة كل مدرسة بانتخاب مجلسهم النيابي الطلابي ورئيس هذا المجلس . ليمارسوا من خلاله حقهم في طرح افكارهم والدفاع عنها وعن حقوقهم امام حكومة المدرسة ( ادارتها ) ويشاركوا في وضع اللوائح التنظيمية للمدرسة ، وابداء آرائهم وافكارهم حول العملية التدريسية والمناهج الدراسية . بالاضافة الى مساهمتهم بانشطة المدرسة المختلفة ، مثل الاحتفال في المناسبات الوطنية والمسابقات الرياضية والفنية ، وجميع الامور التي تهم المدرسة والطلبة .
وفي يوم الخميس الموافق 13 / 10 / 2022 اجريت الانتخابات لهذه البرلمانات في مختلف مدارس المملكة . وقد رافق هذا العرس الديمقراطي بعض التصرفات والاحداث التي كانت ولا زالت ترافق اعراسنا الديمقراطية عندما ننتخب مجالسنا النيابية التشريعية . فقد ظهر في بعض المدارس المال الاسود وشراء الاصوات ، وان كان ذلك باسعار تتناسب مع اعمار الطلبة وثرواتهم الخاصة بهم ، حيث تراوح سعر الصوت من ربع دينار الى نصف دينار . كما ترددت معلومات عن حصول سرقة لاحد صناديق الانتخابات ، ومعلومات عن حرق احدى المدارس . وقد شهدت بعض المدارس نشاطاً انتخابياً حامياً الوطيس ،واقيمت الولائم فيها ، و قدمت المناسف . وانطلقت الاحتفالات في الشوارع على شكل مسيرات وتجمعات احتفاء بالفائزين والذين حملوا على الأكتاف . وتخلل هذه الاحتفالات بعض الاشتباكات ما بين الناجحين وانصارهم والساقطين وانصارهم تخللها التراشق بالحجارة . الا انه وللاسف الشديد غاب صوت الرصاص ولم يلعلع كعادته في مثل هذه المناسبات .
وبهذا فقد نجح بعض طلبتنا في اثبات وفائهم لتقاليدنا وعاداتنا الديمقراطية التي نحرص عليها في كل انتخابات نيابية تشريعية ، مما يجعلنا نحس بالامان ان جيلنا القادم قد ورث هذه الممارسات الديمقراطية ، وانه سوف يمارسها في كبره ، وانه سيكون حريصاً على نقلها لاولاده باعتبارها ارثاًً لا نستغني عنه .
اما المباريات فأنه وعلى اثر احداث الشغب التي رافقت مبارتي الوحدات والحسين ، و الفيصلي و الرمثا اللتين كانتا قد اقيمتا على ستاد الملك عبدالله الثاني في القويسمه ضمن منافسات الاسبوع التاسع عشر من دوري المحترفين ، والتي نتج عنها إصابة عدد من الجماهير اثناء مغادرتهم الملعب ، ووقوع اضرار مادية في العديد من السيارات والممتلكات خلال قذف الحجارة من اسطح المنازل والازقة ، فقد قرر اتحاد كرة القدم وبناء على طلب من الجهات الامنية ، اقامة مباراة الوحدات والفيصلي ضمن الدور ربع النهائي في كأس الاردن من دون جماهير حفاظاً على سلامة المنظومة الكروية ، وتعزيز الإجراءات الامنية في الملعب .
وعلى اثر ذلك طالب الكثير من المواطنين الرجوع عن هذا القرار ، واقامة المباراة بحضور الجمهور ، وتحت إجراءات امنية مشددة لظبط مثيري الشغب ومحاسبتهم دون حرمان بقية الجماهير والناديان من إجراء المباراة والاستمتاع بها .
وبتاريخ الرابع عشر من الشهر الجاري ، اقيمت هذه المباراة دون جمهور . وكانت نتيجتها فوز الوحدات بالضربات الترجيحية ، لتنطلق مواكب الافراح لجماهير الوحدات بالشوارع وهي تردد شعارات وهتافات مناوئة للنادي الفيصلي وجماهيره ، و الذين قام بعضهمبدورهم بالرد بهتافات مناوئة لفريق الوحدات وجماهيره . واثناء الاحتفالات في منطقة ماركا تعرض حدث من انصار الوحدات عمره اثنا عشر سنه ، الى اصابة في راسة بقطعة من الطوب ، القاها حدث من انصار الفيصلي عمرة ستة عشر سنة ، لينتقل الاول الى رحمة الله تعالى ويتم توقيف الثاني لمحاكمته بتهمة القتل القصد ، او التسبب بالموت ، حسب التكييف القانوني . ولتكون نهاية هذه المبارة والشحن الذي تم قبلها وبعدها على شبكات التواصل الاجتماعي مأساة مؤلمة كنا نتمنى عدم حصولها . ورحم الله الطفل الفقيد واعان ذويه وصبرهم على مصابهم هذا .
صحيح ان احداث شغب الملاعب لا يقتصر حدوثها على الاردن ، وقد شهدت ملاعب العالم حالات شغب تسبب بعضها في موت العشرات من المشاهدين .ولكنها وفي معظم الاحيان كانت حالات شغب عادية تنتهي مع نهاية المباراة وسلام اللاعبين على بعضهم البعض .
وقد شهدت ملاعبنا احداث شغب مؤسفة بين مشجعي الاندية في بعض الاحيان . وكانت اسبابها التنافس بين الفرق المختلفة ، وتعصب الجماهير لانديتهم ، او للاحتجاج على بعض قرارات التحكيم ، او نتيجة غضب المشجعين من تقاعس لاعبي فريقهم .
الا ان احداث الشغب التي كانت تلازم مباريات ناديي الوحدات والفيصلي . لها طابع خاص ، ولا تعود لاسباب رياضية فقط ، ولكن لاسباب سياسية وعنصرية ، وكانت ترافقها اعمال تخريب واعتداء على الاموال العامة والخاصة ، و تبادل الشتائم والعبارات العنصرية والبذيئة ، والتي لم تكن تنتهي مع نهاية المباراة ، بل تمتد الى خارج الملعب ، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي ، وبخطاب ينشر الكراهية والعنصرية بين ابناء الشعب الواحد شرقي النهر وغربيه .
صحيح انه ليس جميع مشجعي الفريقين يشاركون باعمال الشغب ، وصحيح انه ليس جميعهم يحددون مواقفهم منهما لاسباب سياسة او عنصرية ، ولكن ذلك لا يجب ان يجعلنا نغض الطرف عما يحصل في مباريات الفريقين ، الامر الذي يهدد السلم الاجتماعي والوطني والامني ، وخاصة مع ظهور بعض الافكار والاشخاص الذين يقدمون الهويات الفرعية على الهوية الاردنية الواحدة ، والذين باطروحاتهم هذه يغذون موقف مثيري الشغب من الفريقين ، الامر الذي يمكن ان ينتقل من مجرد اعمال شغب في الملاعب الى صراع بين مكونات الشعب الاردني . اعرف ان الكثيرين سوف يخالفوني في مخاوفي هذه ، وسيقولون ان هذه اعمال شغب عادية ترافق التنافس الرياضي . لكني اقول لهم ان النار تشتعل من مستصغر الشرر ، وان الخرق اذا لم يتم معالجته في بدايته سوف يتسع ، ويصبح عصي على الرتق .
المطلوب إجراءات مشددة بحق كل مثيري الشغب من انصار الفريقين ، و الا فأن البتر ينقذ بقية اجزاء الجسم ، والذي تعتبر سلامته اهم من الناديين ، لا بل اهم من كل نشاط رياضي يفرق ولا يجمع . وحمى الله الاردن بشعبه ونظامه .