البطاينة يكتب: نظام التفاهة وتشابه الشخصيات !

47

كتب سليم البطاينة..

عندي حنين دائم إلى مكتبة مدبولي الشهيرة بالقاهرة، الواقعة في شارع طلعت حرب ، والتي لم أتوقف بالتردد عليها كلما زرت القاهرة التي تخرجت وأنهيت منها دراستي الجامعية الأولى عام ١٩٨١ ، وآخر زيارة لي للقاهرة وقتها كنت عائداً من لندن زرت المكتبة واشتريت منها مجموعة من الكتب كان من أهمها كتاب ( نظام التفاهة ) لأستاذ الفلسفة والعلوم السياسية بجامعة Quebec الكندية Alain Deneault والذي كُتب بداية باللغة الفرنسية عام ٢٠١٥ ( La médiocratie ) ومن ثم بالانجليزية ( Mediocracy ) إلى ان قامت الاستاذة الدكتورة مشاعل الهاجري أستاذة القانون الخاص بجامعة الكويت بترجمته إلى اللغة العربية عام ٢٠٢٠ وطباعته في دار سؤال اللبنانية ، حيث أتحفتنا الأستاذة الدكتورة بمقدمة مُدهشة من أجمل المُقدمات التي قرأتها في حياتي.

ويعد كتاب نظام التفاهة من كتب النقد الذاتي لأنه يشير إلى مراجعة الذات ! ويشير ايضاً إلى حالة المجتمعات التي تعاني من الإستبداد وينتشر الفساد فيها … وأطروحته تتمحور في ان العالم يعيش مرحلة تاريخية غير مسبوقة تتعلق بسيادة نظام أدى تدريجياً إلى سيطرة التافهين والحمقى من خلال غياب الكفاءة وبروز السخافة والرداءة.

فالفكرة المحورية في كتاب نظام التفاهة تُلخص أننا نعيش في عصر صعود التافهين والحمقى، وتطور الأمر حتى صار يكتسح جميع المجالات ، وصارت التفاهة نظاماً يُحتفى به ! وأستطاع التافهون أن يبنوا عالماً جديداً يقتل الابداع والتميز ! ويشرعُ التفاهة والتخلف ! حتى صارت لعبة تلعبها الاطراف جميعها رغم ان أحداً لا يتحدث عنها ، وهذا ما يؤدي بدوره إلى ترسيخ نظام للسخافة والتفاهة وأدى ايضاً الى نجاح الأنظمة الشمولية في تجهيل شعوبها عن طريق تدمير التعليم.

ما شدني حقيقةً في الكتاب الذي أنتهيت للتو من قراءته هو إسقاط رؤية المؤلف على واقعنا العربي ، وهو فعلياً التشخيص الحقيقي للحالة التي نعيشها بكل دقة لظاهرة التفاهة والسخافة التي نلمسها ونُشاهدها من لحظة خروجنا من البيت وحتى خلودنا الى النوم ! لنعود في اليوم التالي وفي صباح جديد إلى خواء المعنى في دنيا التفاهة.

لقد تبوأ التافهون موقع السلطة ! بهذه الكلمات القاسية يقدم مؤلف الكتاب Deneault كتابه نظام التفاهة.

حيث أفترض Deaeanult في كتابه المُثير الجدل ( نظام التفاهة ) أن مستويات الرداءة والسخافة وعنتريات الحمقى قد فاضت على مستويات العقلانية بسيادة التفاهة في كل شيء ! ووصفها أنها موجات تسطيح وتشابه للشخصيات، وما يرافقها من غياب للعقل والرؤية في تشخيص العلل المُزمنة.

وأطلق مؤلف الكتاب مصطلحاً جديداً بكتابه وهو Mediocracy ويعني أن الطبقة المسيطرة في النظام الاجتماعي والسياسي والأقتصادي في غالبية دول العالم هي طبقة الأشخاص التافهين ! حيث أن السلطة بعيدة عن يد من يستطيع التميز في القيادة، ومرتاحة في يد التافهين والحمقى بأختلاف درجاتهم ومستوياتهم وخلت الساحة لشريحة واسعة منهم.

وحسب Deneault يرمي نظام التفاهة إلى إسباغ التفاهة على كل شيء ( كالسياسة والفن والصحافة والمجالس التشريعية ، والجامعات .. الخ ) ويتناول الكتاب ما تناله النظم الاجتماعية الحديثة من موجات تسطيح وتشابه في الشخصيات وغياب العقل ! ووهم الكاريزما ، وعطب المؤسسات ، والفساد ، وتسليع الحياة العامة والفن الرخيص.

فثقافة التسطيح لمن لا يعرف مكملة لثقافة التخدير التي تسرق وعي الجماهير ! وهي الأقوى عبر تصعيد قوى لا تدري بشيء مما يجري في الاعماق … والكتاب بين سطوره يحاول إيقاظ عقول الكثير من الشعوب التى تعيش تحت نظام الأستعباد !

نعم، راجت ثقافة التفاهة وانتشرت في مجتمعات التصفيق والتطبيل ! وتم نشرها لتغيب الوعي العام عن عظائم الامور والقضايا المهمة ! وان أصحاب تلك الثقافة يقومون بتسليط الضوء على سفاسف الأمور لخدمة أجندة التصفيق للباطل وخداع الناس.

ولم تعد التفاهة في حاجة إلى شرعية بيننا ، بل نحن من أصبح يطلب منها أن تمنحنا الشرعية ! فقد أصبحت التفاهة وضعاً يُشكلنا جميعاً بلا أستثناء ، ومن غير تفرقة بين عالم وجاهل.

فأذا كنت تتوقع ان من يتحكم اليوم في العلوم والاعلام والسياسة هم أعلى الناس كفاءة، فمؤلف كتاب نظام التفاهة Alain Deneault لا يتفق معك ، لأنه يرى أن العالم سقط بأيدي التافهين.

مهما قيل عن ذاك الكتاب فقد أصبح Alain Deneault واحداً من أهم الفلاسفة الكنديين وفي قلب خارطة الجدل الذين لم يسبق العالم الناطق باللغة الانجليزية أن سمع بهم من قبل.

في حفلة التفاهة والرُخص هكذا يبدو عالمنا العربي اليوم !

اترك رد