الحياري تكتب: الى أين نحن ذاهبون
أمام مرحلة عالمية جديدة حافلة بتغيرات سياسية، أسهمت فيها عوامل متداخلة ثقافية، وسياسية وإقتصادية، بعودة صعود للأحزاب اليمينية في عدد من البلدان الأوروبية مثل: إيطاليا، وفرنسا، بينما يعود اليسار للحكم في بريطانيا وحقبة هي الأقرب -حتى الآن- لحظوظ الجمهوريين في الولايات المتحدة، بينما تعيد إيران وتركيا والصين ترتيب وجودها و نفوذها في الاقليم فمن المؤكد أن إعلان بكين بشأن المصالحة الفلسطينية، ليس جهداً عابر اً أو ضربة سياسية وحسب، من جهة أخرى تفرض كذلك السياساتُ الإقتصادية العالمية وأزماتها، أجنداتها في ظل تغيرات اجتماعية ليست محصورة بمجتمعات الديمقراطيات الراسخة، بل في كل دول العالم، فيها تعيد تشكيل وجود الطبقات الاجتماعية وتأثيرها على منح الاغلبية وإفراز القوى السياسية الحاكمة وتداول السلطة.
ما هو شكل الاقليم وسط كل هذه الصراعات، ونحن نشهد تمدد ألسنة الحرب لتعبر حدود غزة، الى لبنان واليمن، ولماذا محور فيلادلفيا ومعبر رفح؟. و العراق ليس ببعيد، ففي ظل صراع القوى الفاعلة في الإقليم، والتي ما عادت تقتصر على سلطة النفوذ والوجود وإنما على امتلاك القوة النووية والتلويح بها بشكل معلن و آخر مبطن، ذلك كله وسط غياب أية حسابات للكارثة الانسانية في غزة، ليست المجازر والخسائر البشرية من القتلى والجرحى المدنيين من الأطفال والنساء -المعلن وغير المعلن- وتحول أحياء غزيّة إلى مدن أشباح تقطعت فيها السبل و دمرت معالم الحياة فيها وحسب، وإنما عن إعادة إعمار اثار دمار إنسانية وأمنية وسياسية واقتصادية تمتد لربما لعقود. فهل في الحرب على لبنان خدمة للأجندة في غزة، وهل هنالك دور وظيفي قادم لبناء مستوطنات على طول حدوده الجنوبية وهل سيحتمل حربا أهلية جديدة، سنشهد -حتما- تصاعداً لتغذية سطوة الإرهاب و تغذية العنف من جديد و ترعرع تجارة الحرب وأولها المخدرات،
يقف المجتمع الدولي متفرجاً أمام معضلة تاريخية، تعجز فيها الحكمة والسلام و تتعالى أصوات السيطرة والعنف لتفجر صراعات و حروب استنزاف مفتوحة وممتدة، تفرض كُلفها السياسية والاقتصادية الاجتماعية في الاقليم على شركاء الحرب كما المتفرجون، وتأخذ -ونحن في القرن الواحد والعشرين- طابع صراعات دينية لتقاسم خرائط النفوذ والوجود و لربما تحقيق تسويات سياسية غير معلنة، لن يجدي معها ترحيل الأزمات أو حتى التعايش معها على اعتباره خيار مرحلة، في أزمة غير مسبوقة في منطقة الشرق الاوسط لا يظهر لها أن تنتهي حتى بايقاف الحرب في غزة و التي لم تتحقق أهدافها الاستراتيجية بعد، وهو ما حذر منه الأردن مراراً و تكراراً، فهل عادت لنا هواجس حسابات صفقة القرن من جديد، هذا إن توقف العمل بإتجاهها أصلا.
المؤكد الوحيد أن دوامة العنف في الإقليم لن تخدم أحد ولن ينتصر فيها أحد و لن ترحم أحد. بل ستعبر تحدياتها المتزاحمة أوطان قوية -فقط- بسواعد أبنائها و بناتها المخلصين،وبكل مؤسساتها القوية بإنجازها الحق لا بإعلامها و حسب، لذا فان دعم مشروع التحديث الأردني الوطني الشامل الذي أرساه جلالة الملك بحكمته كطوق نجاة هو أمانة في أعناقنا وحق وطننا علينا ،عملا لا قولا، فقد حان وقت العمل لمرحلة بوصلتها القوة في المصالح الوطنية العليا للوطن الغالي.
الدكتورة روان سليمان الحياري
التعليقات مغلقة.