الحياري تكتب: نزاعات الوجود والنفوذ في الاقليم

22٬662

 منظور آخر لمآلات مستقبلية

في خضمّ نزاعات الوجود والنفوذ والتحولات المتسارعة التي يشهدها الإقليم، ومن منظور جيوسياسي و جيواستراتيجي آخر، تكون فيه الطاقة والمياه ساحات حقيقية لصراعات نفوذ مستقبلية بين القوى الإقليمية والعالمية . فعلى رأس الأجندة الإقليمية، وفي ظل التنافس المتزايد على الموارد الطبيعية، و زيادة الطلب العالمي، ونمو السكان، واعتبارات التغير المناخي التي تدفع نحو الطاقة الخضراء وتفضيل الغاز على النفط والفحم مرحليا، تظل موارد الطاقة، خاصة الغاز،محط تنافس شديد، فبينما يعتبر الشرق الأوسط واحداً من أكثر المناطق تأثيرا في سوق الطاقة العالمية ونفوذها و تأثيرها في استراتيجيات الدول وسياستها الخارجية في اقليم يعاني أصلا من وفرة المياه الدافئة،و تعطيل بعض الموانيء و تجهيز وجهات أخرى جديدة في المنظور القريب بما ينسجم مع ترسيم خرائط النفوذ الجديدة، ليمتد لحين ذلك صراع البنية التحتية الاستراتيجية و سلاسل التوريد، فتعطيل إمدادات حيوية للأسواق العالمية سمة الحروب والنزاعات عبر الزمن و لربما أيضاً ضرورة حتمية لما هو قادم.

غزة ولبنان تشهدان حالياً توتراً متصاعداً لا تقتصر انعكاساته السياسية و الأمنية على ميزان القوى في المنطقة وحسب، بل تشكل صراعات الموارد أساسا غير معلن فيها، فعلى الرغم من أهمية الحقول المكتشفة في سواحل غزة والمخزون الاستراتيجي غير المعلن، تبقى أحد أهم النقاط الساخنة في الصراع؛ باعتبارها أولوية اقتصادية واستراتيجية، ومورداً يجب أن تستفيد منه غزة أو لربما الاقليم و العالم ضمن حسابات أخرى، فالتنقيب عن الغاز على سواحل غزة ولبنان يعزز من احتمالية نزاع متعدد الأطراف. فلبنان، بموقعه القريب من حقل “قانا”، يخوض معركة دبلوماسية مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية، وقد تضطر الأطراف للتسوية أو الدخول في مواجهات غير متكافئة تؤدي إلى تدخل دولي يزيد من تعقيد المشهد.

على الصعيد الإقليمي، الذي يعتبر -أي الاقليم- محط أنظار اللاعبين الكبار الذين يسعون الى الحفاظ على نفوذهم في سوق الطاقة العالمية وتنويع سلتها، علاوة على مساع أخرى جادة -لدول في الاقليم- تهدف إلى تعزيز وجودها الإقليمي في شرق المتوسط من خلال شراكات طاقة استراتيجية تربط الاقليم بالعالم.

فمع غياب حلول واضحة لمشاكل الغاز والمياه، يفتح الباب لتفاقم النزاعات وتوسيع رقعة النفوذ الخارجي على ما سيكون، خاصة مع دخول قوى عالمية، كالصين وروسيا، في منافسة مباشرة مع الولايات المتحدة وأوروبا على الموارد في الاقليم. وهنا، تبرز الحاجة لمقاربات دبلوماسية دقيقة تنظر في المصالح المشتركة وتضع آليات تعاون تعزز الاستقرار، فالأردن بموقعه الجغرافي الذي يؤهله لان يكون ممراً استراتيجياً هاما لتدفقات الطاقة والبضائع، بالرغم من محدودية موارده الطبيعية المتاحة، وكجزء من منطقة جيوسياسية حساسة، واقليم تحدياته الاقتصادية متفاقمة، تتعرض فيه سلاسل التوريد للضغط مع كل توتر إقليمي أو أزمة طاقة عالمية، وتسعى فيه دول المنطقة إلى الاستفادة من الغاز المكتشف في شرق المتوسط عبر شراكات أو اتفاقيات دولية لتأمين اقتصاداتها واحتياجاتها، فلا بد للاردن من تعزيز شراكات استراتيجية تحفظ الأمن القومي و مصالحه العليا في مواجهة التحديات المستقبلية وتأمين مصادر مستدامة للطاقة والمياه، تبني على سياسة الأردن المتوازنة تجاه أزمة المياه، لتوفير المياه العذبة، إضافة إلى استثمارات داخلية مدروسة تهدف لتحلية المياه وإعادة تدويرها.

نعم، تقف المنطقةعلى مفترق طرق: إما تعزيز التنمية المشتركة وتطوير مشاريع إقليمية مستدامة، أو الانزلاق نحو صراعات مفتوحة تزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية وتعرقل التقدم الاقتصادي في منطقة تعاني أصلاً من تحديات كبيرة، فصراعات الوجود ونزاعات النفوذ في الاقليم .. مألاتها المستقبلية وجودية حقا!

التعليقات مغلقة.