قادة الغرب يصطفون خلف بريطانيا في مواجهة روسيا.. أحمد عبد الباسط الرجوب

214

قادة الغرب يصطفون خلف بريطانيا في مواجهة روسيا … هل عملية تسميم الجاسوس الروسي رسالة بوتين لاختبار دفاعات النظام العالمي ؟ … هل تستخدم تيرزا ماي هذه القضية بهدف ” تحويل الانتباه ” عن صعوباتها ببريكست مع الاتحاد الأوروبي؟

أحمد عبد الباسط الرجوب

 البداية تأثير الصعود الروسي علي السياسة الدولية وبخاصة الخارجية الامريكية والدول الاوروبية المتأثرة بالقرار الامريكي ومدى أبعاد الصعود الروسي في النظام الدولي وقد تجلى هذا مؤخرا في رسالة الرئيس الروسي بوتين السنوية إلى الجمعية الفدرالية الروسية في خطابة الاخير في 2 مارس /آذار 2018 والذي صرح فيه عن قيام الصناعات العسكرية الروسية بتطوير اسلحة ردع استراتيجية اضافة الى انها تمتلك ” اي روسيا ” ترسانة نوويه قادرة للحد من الهيمنة والنفوذ الامريكي الذي سيطر ردحا من الزمان على مفاصل السياسة الدولية وخاصة قضايا الشرق الاوسط مرورا من احتلالها للعراق وافغانستان ووجودها على الساحة السورية وتعطيل حلول انفراج الازمة بدعمها لجهات على حساب مصلحة الدولة السورية ، ووقوفها الداعم دوما لدولة الكيان الصهيوني في فلسطين التاريخية…

حديثنا اليوم ما قالت عنه الحكومة البريطانية حول حادثة الاعتداء على الجاسوس الروسي سيرجي سكريبال وابنتة بغاز الأعصاب وتوجيه الحكومة البريطانية اصابع الاتهام الى روسيا محملة إياها مسؤولية تسميم الجاسوس الروسي السابق ، وللوقوف على هذه القضية نتناولها بالشرح التالي:

(1)

تداعيات الحادث

وفي تداعيات هذا الحادث وتوجيه الحكومة البريطانية اصابع الاتهام الى روسيا محملة إياها مسؤولية تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال بغاز الأعصاب ، وفي هذا المنحى فقد اعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن حزمة عقوبات ضد روسيا من بينها طرد 23 دبلوماسيا ونوهت ماي بأنها لن تسمح لعملاء الاستخبارات الروس بالبقاء على الأراضي البريطانية، في إشارة إلى الدبلوماسيين المطرودين مؤكدة أن حزمة العقوبات ” ستؤدي إلى تدهور مقدرة الاستخبارات الروسية في المملكة المتحدة ” ، وفي جملة العقوبات ايضا تعليق جميع الاتصالات عالية المستوى مع روسيا لدورها ” المحتمل ” في هذا الحادث وقد ذهبت ماي الى ابعد من ذلك حيث قالت إن لا أحد من أفراد العائلة الملكية البريطانية أو أي مسؤول بريطاني رسمي سيحضر مباريات كأس العام 2018 التي تستضيفها روسيا، في تأكيد قوي على أن بريطانيا لن تسمح لأي كائن من كان بما في ذلك روسيا المس بأمنها القومي.

وعلى وقع هذا الحادث فقد حمل قادة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا بصورة مشتركة، روسيا مسؤولية استخدام غاز أعصاب لتسميم العميل الروسي السابق سيرجي سكريبال، ووصف بيان القادة ” الاوروبيون بأن هذه الواقعة ” بأول استخدام هجومي لغاز أعصاب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية “، مؤكدين أن هذا الهجوم يهدد أمننا جميعا ، وأضاف البيان أن هذا الحادث انما يمثل اعتداء على سيادة المملكة المتحدة، وأي استخدام من هذ القبيل من جانب أي دولة يمثل انتهاكا واضحا لمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية وخرقا للقانون الدولي… وتأتي هذه التطورات، بعد أن انقضت مهلة حددتها لندن لكي توضح موسكو كيفية استخدام غاز أعصاب، روسي الصنع، في تسميم سكريبال  وابنته في مدينة سالزبري في جنوب شرق إنكلترا ، وفي سياق متصل فقد دعت وزارة الخارجية البريطانية إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي لإطلاع الأعضاء على مستجدات الأمور، وغير بعيد عن ذلك ينتظر أن يطلع مجلس حلف شمال الأطلسي (ناتو) على تطورات هذه القضية…

(2)

الموقف الروسي

في التاريخ وكما هو معلوم في الصراعات الاستخبارية بين الدول وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية وطيلة فترة الحرب الباردة بين القطبين السوفيتي والامريكي وعندما يقوم عملاء أي جهاز استخبارات في العالم بعملية سرية، فإن مهمتهم الأولى بالطبع هي أن تستمر هذه العملية وما بعدها كمهمة ” سرية ” والخروج عن الطابع السري للعملية يكون في حالة واحدة فقط، وهي رغبة الدولة على إرسال رسالة إلى الدولة الأخرى المستهدفة… وفي هذه الواقعة ان جازت اتهامات بريطانيا لروسيا بأن الاخيرة كانت هذه العملية كان من الممكن التخلّص من العميل الروسي السابق سيرغي سكريبال بطريقة أكثر هدوءا، لو لم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد أن يترك بصمته على الغاز المستخدم في العملية حيث من الممكن بأنه أراد أي ”  بوتين ” توجيه رسالة مزدوجة للداخل والخارج في نفس الوقت، قائمة على اختبار تماسك الغرب واختبار الأرض بالضغط على أوروبا والولايات المتحدة إلى المدى الأبعد، وانتظار رد الفعل، ثم بناء إستراتيجية تعامل روسيا مع الغرب في المرحلة المقبلة…

وفي ردة الفعل الروسية فقد نفت موسكو علاقتها بهذه الحادثة، مؤكدة أن لندن تحاول تحويل الانتباه عن بريكست (قانون الخروج من الاتحاد الأوروبي ) بقضية الجاسوس السابق ، حيث اتى ذلك على لسان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف متهما الحكومة البريطانية باستخدام قضية تسميم الجاسوس الروسي بهدف “تحويل الانتباه” عن صعوباتها المتصلة ببريكست مع الاتحاد الاوروبي…

(3)

الاستنتاجات

حتى كتابة هذه السطور فقد اصدر الكرملين قرارا ردا على الاجراءات البريطانية والتي اعلنت عن اتخاذها تيرزا ماي رئيسة الحكومة البريطانية والدعم الاوروبي والامريكي وحلف الناتو لهذه الاجراءات ، وفي اعتقادي ان صحت الاتهامات البريطانية لروسيا فإن ذلك لا يعتبر بالشيئ الجديد الذي تقوم به روسيا حيال المملكة المتحدة ففي كل يوم تنشر وسائل الإعلام البريطانية أخبارا عن اختراق طائرات وسفن روسية الأجواء والمياه الإقليمية لبريطانيا ، هذا السلوك تحوّل إلى واقع يوميّ عادي، ولم يعد يمثّل قلقا يذكر لدى الناس العاديين ، لكن على مستوى القيادة في البلدين، الأمر مختلف تماما فإذا كانت الطائرات الروسية في أجواء بريطانيا اختبارا لدفاعاتها العسكرية، فإن عملية تسميم سكريبال وابنته يوليا، هي اختبار لدفاعاتها السياسية …

لم تقدم الحكومة البريطانية معلومات كافية عن هذه الحادثة ولا نوع السم المستخدم وادعاءاتهم لا تستند الى ادلة وهذا يذكرنا بالتضليل الفادح في الخطاب “السيء السمعة” الذي ألقاه كولن باول في 5 شباط / فبراير 2003 بشأن اكذوبة اسلحة الدمار الشامل العراقية في جلسة مجلس الامن… اعتقد جازما بأن مآلات الموقف الاوروبي والامريكي حيال هذه القضية قد اتي على وقع ما اعلنه الرئيس بوتين عن الصناعات العسكرية والمتعلقة بالثالوث النووي الروسي (مصطلح يشير إلى طرق إطلاق الأسلحة النووية من الترسانة النووية الإستراتيجية، وهي قنابل إستراتيجية، وصواريخ بالستية عابرة للقارات، وصواريخ بالستية تطلق من الغواصات) والتي ارعبت الغرب ، بحيث اخذت هذه الدول التصعيد على اثر قضية سكريبال لتعكس الموقف الاوروبي الذي يمثل الباب الخلفي للوقوف بجانب الولايات المتحدة بوجه الرئيس بوتين وخلق الظروف لضرب المصالح الروسيةبالتركيز على عدة امور وهى:

1.الذهاب الى مجلس الامن وتقديم شكوى ضد روسيا لضلوعها بحادثةسكريبال.

2.اعتماد نظرية المؤامرة بالتامر والتضحية بمواطنيهم و/أو امنهم من اجل التشريع لدخول الحرب (يذكرنا بشكوك تدمير اليابانين ميناء بيرل هاربر 7 ايلول / ديسمبر 1941).

3.الانتخابات الروسية والتشكيك بمصداقيتها.

4.استضافة مونديال كاس العالم على اعتبار ان روسيا بلد غير آمن.

5.العودة الى توازن القوة بعد العرض الذي قدمه بوتين.

وفي مقابل ذلك وفي قراءة متانية لنهج الرئيس الروسي بوتين منذ اعتلائة سلطات الكرملين اذ يمكن التوصل الى استراتيجته في التعامل مع الغرب بالتركيز على ما يلي:

– بوتين يريد اختبار الأرض والوصول بالضغط على أوروبا والولايات المتحدة إلى المدى الأبعد، وانتظار رد الفعل، ثم بناء إستراتيجية تعامل روسيا مع الغرب في المرحلة المقبلة.

– تدرّب بوتين على مواجهة الغرب في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، وصار جاهزا لخوض المعركة في الولايات المتحدة وأوروبا.

– التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية : لقد عرف بوتين أن مواقع التواصل الاجتماعي هي جائزة القرن بالنسبة لأجهزة الاستخبارات، والسلاح النووي الجديد في حروب المعلومات وفي النهاية لعبت مواقع التواصل دورا محوريا في تحديد شخصية رئيس الولايات المتحدة الأميركية.

– أي مراقب لسلوك الرئيس الروسي، منذ الحرب على جورجيا عام 2008، يدرك أن علاقته بالغرب هي اختبار دائم. في كل مرة يحاول فيها بهدوء وحذر التقدّم خطوة إلى الأمام، يفاجأ بأنه قفز خطوات، دون رد فعل يذكر.

– اكتشف بوتين في معركة شبه جزيرة القرم عام 2014 أن الناتو تحوّل إلى رجل مريض ، والثغرات التي ظهرت في الروابط الإستراتيجية بين معسكر “الغرب” صارت شاسعة.

– كل دول الغرب مجتمعة لم تتمكن سوى من فرض بعض العقوبات الاقتصادية والسياسية على أشخاص وشركات ومؤسسات روسية فقد فتح هذا الموقف عقل وعينيّ موسكو على حقيقة مفهوم الغرب وما يمثّله، وما لم يعد يمثّله.

– جورجيا وأوكرانيا وسوريا لم تكن بالنسبة لبوتين سوى ” معامل اختبار ” لقدرة الغرب على الحفاظ على النظام العالمي القائم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ربما فلسفة التدريب واختبار الأسلحة الجديدة، التي انتهجها بوتين في سوريا والقرم، تنسحب على تدريب جيوسياسي على استكشاف الغرب من الداخل، ومدى قدرته على المقاومة.

– يعلم بوتين جيدا أن صعود دونالد ترامب زعزع ما يعرف تاريخيا بالعلاقات الخاصة على ضفتي الأطلسي (بين لندن وواشنطن).

كل هذه المؤشرات تعكس أن النظام العالمي يتخذ مسارا يحقق في النهاية مصالح بوتين وبما يشبه صعود النازية في ألمانيا خلال عشرينات القرن الماضي ، لن تستمر أزمة استهداف سكريبال طويلا، لأن الجانبين لا يستطيعان تحمّل تبعات أي مواجهة أو التعايش مع كلفتها. لكن انتهاء الأزمة سيمثّل بداية لعصر الإفلات من العقاب ، وضرب المصالح الغربية دون رد ولن تكون المشكلة حينها في حجم هذه المصالح المستهدفة، بقدر ما ستكون في المدى الزمني الذي سيستغرقه الغرب لإدراك ذلك، واستعادة القدرة مرة أخرى على مواجهة موسكو.

السلام عليكم ،،،

باحث ومخطط استراتيجي

arajoub21@yahoo.com

اترك رد