توقفت طويلا أمام نصب الجندي المجهول،. خلال زيارتي الرسمية لموسكو قبل أيام ومر بخاطري شريط من الذكريات تعود إلى الخامس من حزيران لعام 1967 والتي ادت الى هزيمة الأمة وضاع في ثنايا هذة الهزيمة تضحيات الشهداء التي يتذكرها من عاصر تلك الفترة المظلمة من التاريخ العربي الحديث،.
وذكرني النصب التذكاري في ساحة النصر برحلة الشهيد عبد الكريم جدعان العزام (ابو فواز) الذي لبى نداء الواجب، وقطع اجازته ليلتحق بكتيبته في نابلس مسرعا من بلدته قم وعرج في طريقه إلى مقام الصحابي معاذ بن جبل، وقرأ الفاتحة لأبي عبيدة عامر بن الجراح في غور الاردن قبل أن يقطع النهر الخالد إلى واد الباذان غرب النهر لأنه لا يعترف بحدود سايكس بيكو بفطرته، فقد كان يراقب الشمس من روابي قم وهي تشرق من بغداد وترخي جدائلها في وسط النهار على الجولان ويلاحقها في المغيب نحو معراج الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، إلى أن فاز بالشهادة على ثري فلسطين في السادس من حزيران من عام 1967 وهو برفقة ضابط مصري من أرض الكنانة وتتلقفة الملائكة بإذنه تعالى بالقرب من (عين بيت الماء) في ضواحي نابلس. وتبدأ رحلته للتاريخ حيث أفاد احد رجالات الشهيد الفريق القائد عبد المنعم رياض ببسالة الشهيد عبد الكريم العزام وتشاء الأقدار أن تكون إصابته أمام سيدة ويلفظ أنفاسه بين يديها وتقوم بواجب جنازة الشهيد بعد أن تعرفت عليه من شهادة التعيين لتثبت ذلك في ذاكرتها ووجدانها بعد أن رأت في المنام ام فواز (ارملةالشهيد) تناديها بأن فواز ابن الشهورالاربعة قادم إليك ليشهد مراسم الوداع. وكبر ابن الشهيد، ويسمع الروايات ويبحث عن الشهيد في سفر التاريخ إلى أن اهتدى إلى أحد القادة العسكريين من مصر العروبة والذي شهد المعركة بتفاصيلها والتي اثلجت صدر فواز لما سمعة من ابن الكنانة عن إصرار والدة على التصدي لدبابات العدو ببندقية الحق والصدر العاري طالبا الشهادة، وفي نهاية المطاف عرف المكان وبدأت رحلة الزيارة التاريخية بعد خمسين عاما على استشهادة والتقى بالمرأة التي سهرت نصف قرن على الرفات وتسقي شجرة الحياة يوميا على قبره وكان ذلك اليوم الذي وصل فواز إلى بلدة (عين بيت الماء) بمثابة يوم الاستشهاد لما شهده وسمعه من أمه التي لم تلده ،، وهنا تأكد من صدق اصراره على عدم نقل رفاته إلى مسقط راسة، حيث رأى جبلي عيبال وجرزيم يحرسان جثمان الشهيد وشجرة الحياة تظلله بكبرياء وشمم بأنتظار يوم النصر عندما يزحف الأبناء والاحفاد من أرض الحشد إلى المرابطين هناك ،،
ويقف احد أحفاد الشهيد عبد الكريم جدعان العزام على قبره مخاطبا اياه باننا اليوم عدنا للقدس محررين، وسنعزف لحن الرجوع الأخير للشهيد من القدس إلى قم لننصب قوس النصر على بواباتها تأكيدا وانتصارا لقرارات المؤتمر الوطني الأول في قم عام 1920 بأن العدو واحد والوطن موحد ولايقبل القسمة وان التاريخ يكتب بالدم والشهداء ويتورثه الاحفاد بالفخر والكبرياء،،،