المهرجانات.. تجارة الفرق المسرحية
الأردن اليوم – د. مؤيد حمزة
يسود الاعتقاد عند رؤساء الفرق المسرحية في الأردن أن جميع ما تقدمه من أعمال أو فعاليات مهرجانية يعتبر ملكية خاصة بها، حتى أنه استحدث مصطلح (المهرجان الخاص)، على الرغم من أن جميع هذه الفعاليات يتم دعمها وتمويلها بأموال دافعي الضرائب، وبما أن هذه المهرجانات تعكس للضيوف صورة عن البلد، وفنانيه- لا يعتقد معظم الفنانين الأردنيين أنها تمثلهم، بل تسيء إليهم- هذا الأمر جعلهم يصرخوا بضرورة تدخل وزارة الثقافة بأي شكل ممكن يوقف استغلال الموارد المالية من قبل رؤساء الفرق، وإهدارها بشكل غير مبرر، كما يدور في كواليس المهرجانات ويجمع عليه غالبية الفنانين في جلساتهم الخاصة، ولا يبوحون به في العلن.
تعيين وزيرة للثقافة من الوسط الثقافي، معروفة بعلاقتها المحدودة بالوسط المسرحي، عداك عن متابعة ندوات وعروض ومهرجانات مسرحية، وعلى الرغم من ذلك فإن الإنجازات السابقة لمعالي الوزيرة في تطوير مجالات فنية وثقافية أخرى تبرر التفاؤل بإمكانية نجاحها في مهمتها الجديدة، لو أسدي لها بعض النصح المخلص. لكن التشخيص الدقيق هو الذي يجب أن يسبق اتخاذ أية إجراءات، وهذا بالتحديد ما تحاول هذه المقالة تقديمه.
إعادة النظر في تشكيل الفرق المسرحية.
فبعض الأعضاء لا يوجد أي مبرر لعضويتهم، لا يحضرون الجلسات ولا يشاركون بفعاليات الفرق، بعضهم لا علاقة له بالمسرح، وأحيانا يقوم سيد/ة الفرقة بدفع رسوم الاشتراكات عنهم فقط لأنه يريد أن يبقى مسيطرا، ولا يسمح لآخر بأن يسيطر على فرقته التي هي في الحقيقة أقرب إلى المؤسسة منها للفرقة. في الوقت نفسه ينبغي عدم السماح لطلبة الفنون تحديدا بالانضمام لأية فرقة مسرحية (طالما هم على مقاعد الدراسة). لأن هذا الأمر يتعارض مع شرط الانتخابات الحرة. فهذا الطالب يعتبره أستاذه/ أستاذته (رئيس الفرقة ومؤسسها) مضطرا لانتخابه في كل مرة تجرى فيها الانتخابات “الشكلية أصلاً”، والتصويت معه في أية قضية أخرى، على سبيل المثال طرد بعض الأعضاء المعارضين واستبدالهم بآخرين. كما ويفضل رفع الحد الأدنى لعدد الأعضاء في الفرق المسرحية، وعدم السماح لفرق عمرها أكثر من عشرة سنين أن تستمر بعدد أعضاء يقل عن العشرين عضوا.
الدعم التي تتلقاه مهرجانات الفرق.
نعلم أن هناك دعم من مؤسسات حكومية مثل وزارة الثقافة وأمانة عمان أحيانا وللتذكير فقط نقول أن هذه المبالغ مصدرها دافع الضرائب الأردني، وبالتالي نسأل: هل عادت هذه الضريبة للمواطن الأردني على شكل خدمات؟ سيكون الجواب بالإيجاب فعلا لو قدَّم المهرجان عروضا فنية لائقة ترفع من الذائقة الفكرية والفنية للمواطن (متلقي العرض المسرحي)، ما نراه العكس تماماً. وجدنا عروضا هزيلة من ممثل واحد تمت دعوتها فقط لتوفير مصاريف الإقامة، حتى أنه طلب من كل عرض عدم اصطحاب فريق تقنيين من أجل توفير مصاريف الإقامة والاستضافة، إلا إذا كانت إقامتهم ستتحملها الفرقة المستضافة، الأمر الذي شكل ضغطا غير مبرر على تقنيي الوزارة في المركز الثقافي الملكي وغيره.. (هذا الأمر بحاجة لتعليمات خاصة من الوزارة لأي مهرجان يتبع فرقة مسرحية بحيث يتم تلافي هذه الظاهرة السلبية والمسيئة للمسرح والمسرحيين في الأردن)، في الوقت نفسه تدعى فرقاً مسرحية لدوافع شخصية وأحيانا بشكل عشوائي فقط لأن الفرقة التي تمت دعوتها تستطيع تدبير مصاريف السفر.
لجان المهرجان الوهمية.
تلجأ بعض الفرق المديرة للمهرجان المسرحي بوضع أسماء وهمية في اللجان، وتدعي أنها ستصرف لهم مكافآت، ولا يتم هذا الشيء بأي شكل من الأشكال، وأحيانا توضع أسماء لأساتذة من الداخل والخارج يزعم أنهم مشاركين في ندوات، ويتفاجأ المعني بوجود اسمه في كتيب المهرجان دون علمه. وهذا الأمر بحاجة لاتخاذ إجراءات خاصة من قبل وزارة الثقافة تضمن أن تكون جميع المعلومات دقيقة، وتضمن الوزارة نفسها صرف مستحقات المشاركين في الندوات أو التحكيم، أو حتى في لجان العلاقات العامة واللجان الفنية.
تقوم بعض المهرجانات باستغلال الطلبة الجامعيين عند الأساتذة مديري المهرجانات أو أعضاء اللجنة العليا أو المشارك في الفرقة. ويتم تعيين الطلبة في لجان العلاقات ومرافقة الضيوف بشكل مجاني يستهلك طاقاتهم، ولا يعود عليهم بأية فائدة علمية، بل يرسخ عندهم العادات غير السليمة التي تدار بها أغلب المهرجانات.
دعم المؤسسات الخاصة ينبغي أن يرد للمواطن بمنتج ثقافي لائق
تتعامل الفرقة المديرة للمهرجان أو المنتجة للعرض المسرحي، بل ويمكن القول (المدير/ة نفسه/ا)، مع الدعم الذي يتم تحصيله من الجهات الداعمة كحق شخصي مكتسب لهم (غنيمة مهرجانية). متناسين حقيقة أن هذا الدعم الذي حصلوا عليه هو في نهاية الأمر لا يختلف عن الدعم الذي تمنحه الجهات الحكومية، حيث سيتم خصمه من قيمة الضرائب المترتبة على الجهة الداعمة، وبالتالي يعتبر دعماً من قبل دافع الضرائب الذي يتوقع تلقي خدمة في مقابل هذا الدعم، وهذا الأمر بحاجة لتعليمات خاصة لضمان مراقبة هذه الأموال وطرق صرفها بطريقة تضمن أن تؤدي إلى إنتاج مخرجات راقية تؤدي لتطور الفن والثقافة. فلا يوجد شيء اسمه مهرجان خاص على الإطلاق، ويجب رفض هذه التسمية.
الضيوف، خلفياتهم ومبررات دعوتهم، والفائدة المرجوة من وراء دعوتهم.
لاحظنا تكريم لأشخاص صاروا بحكم التدرج الوظيفي مدراء مهرجانات في بلادهم، على الرغم من انعدام علاقتهم بالفن المسرحي لا بالممارسة ولا بالدراسة. في الوقت نفسه تمت الاستعانة بأصدقاء وصديقات متواضعين من حيث المستوى الفني والثقافي. فشهدنا على سبيل المثال ورشاً مسرحية تقودها مدرسات في مدارس وزارة التربية في بلادهن، أو ممثلات بالكاد سمعنا بهن لتأطير ورش مسرحية يُجبر الطلبة على المشاركة فيها، بهدف تصوير الحدث ونشره في مواقع التواصل. هنا تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد خبير مسرحي قادر على تعليم المسرح أو أي من تقنياته في أربعة أيام، وكل من يدَّعي ذلك يمكن تصنيفه – وبراحة ضمير- في خانة الدجل.
الندوة الفكرية يؤطرها ويقودها شخص دكتور جامعي صاحب أسبقية في النسخ واللصق من مقالات أخرى. ويقوم بهذه المهمة الحساسة (فقط) لأنه عضو في الفرقة، ولا أحد يحفل بالفكرة السيئة التي سيعكسها عن المثقف الأردني، في الوقت نفسه يُدعى أساتذة من الخارج لتلك الندوة (الفضيحة)، فقط لأنهم أصحاب فضل على الداعين إذ حكَّموا لهم أبحاثهم التي تسمى “علمية” وفقا لأصحابها، والتي تستخدم لأغراض الترقية لبعض أعضاء الفرقة من الأكاديميين .. بهذا الشكل يتم توظيف المهرجانات المسرحية لتشويه الحالة الأكاديمية (المشوهة أصلاً) في جامعات الأردن، وكل هذا يتم بأموال دافع الضرائب. وهذا الوضع أيضا يمكن محاربته أو تعديله ببعض الاهتمام من قبل وزارة الثقافة، ووضع تعليمات ناظمة خاصة بتلك المهرجانات.
لا يجوز هنا أن يقال بأن الدعم القليل الذي توفره وزارة الثقافة لا يخولها أن تقوم بهكذا دور إشرافي ومراقِب وناظِم. نقول بأن جميع ميزانية تلك المهرجانات هي من أموال دافعي الضرائب، سواء كانت من الوزارات بأنواعها، أو من قبل الشركات الداعمة التي ستخصمها بالتالي من قيمة الضرائب المستحقة عليها. وهذا الأمر بالتحديد هو ما يعطي الحق للوزارة بل ويلزمها أن تقوم بدورها الذي أُنشأت من أجله، وهو “تنمية ثقافة وطنية شاملة في المملكة”- تبعاً لأهداف وزارة الثقافة كما هو وارد في قانونها.
في مقابل هذه الصورة السوداوية تمكنت فرقة المسرح الحر من الانفكاك من هذه الحلقة القاتمة، وتمييز نفسها من خلال السير بخطى حثيثة نحو مأسسة المهرجان، من خلال القيام بمراجعات جادة، وتكليف لجان من خارج الفرقة لضمان درجة من الحيادية في اختيار العروض والضيوف والمشاركين. لكن كيف تعرف الوزارة الغث من السمين؟ من أجل ذلك يجب أن يتولى عملية المراجعة مستشارين من خارج الوزارة إلى جانب موظفي الوزارة الخبراء، والحذر كل الحذر من التنسيق مع نقابة الفنانين في هذا شأن، لأن مثل هذه الأمور تخضع تلقائياً لحسابات انتخابية.
وزيرة الثقافة الجديدة أمام خيارين:
-
إما أن تكتفي بتسيير الأمور كسابقيها، وبالتالي لا يبقى الوضع كما هو عليه، بعد أن أثبتت التجارب أن الوضع يزداد سوءاً وفساداً.
-
أو أن تصنع علامة فارقة ستغضب البعض، لكنها ستنقذ مستقبل المسرح في هذا البلد، وليس المسرح فقط.