بوتين لن يفرط في مكتسباته في سوريا .. أحمد عبد الباسط الرجوب

73

بعد قرن من خروج قوات الإمبراطورية الروسية من خانقين في العراق … فرضت الحرب في سوريا توطين اقدام الإمبراطورية الروسية البوتينية في منطقة الشرق الاوسط … بوتين لن يفرط في مكتسباته في سوريا لو ادى الى خوضة حربا كونية ثالثة ورابعة وخامسة!!

كتب: أحمد عبد الباسط الرجوب

بعد دخول الحرب في سوريا عامها السابع فقد تحولت الحرب في هذا البلد العربي إلى صراع عالمي الأبعاد والتي احتدم فيها الجدل الميداني والسياسي وحروب الوكالة التي خاضتها الدول المتصارعة على منطقتنا من خلال الوسيط العربي  (Broker) والتي راهن فيها الكثير على سرعة سقوط نظام الرئيس السوري بشار الاسد خلال اسبوع او اسبوعين بالكثير على اندلاع احتجاجات المحافظات والمدن السورية في بداية الازمة، واسقطت عضوية سوريا من جامعة الدول العربية وهى الدولة المؤسس من بين الدول العربية التي قامت على تاسيس الجامعة العربية ، وقد تجاوزت فيه أعداد ضحايا هذه الحرب المجنونة 400 ألف قتيل وأجبرت الملايين على الفرار والنزوح الى دول الجوار وشتى اصقاع العالم…

قد يستغرب القارئ بعنوان المقال وما اتيت على ذكره تحديدا منطقة ” خانقين ” في العراق وهى تقع على بعد (8) كيلومترات غرب الحدود العراقية الايرانية ، … إن طرق الابحاث والاستقراءات العلمية التي تعتمد على نتائج جمع المعلومات والتنقيب عن الوثائق المتوفرة حول موضوع هام مثل مدينة خانقين والتواجد الروسي فيها من الاهمية بمكان وربط الاحداث ببعضها وخاصة ان المشهد الروسي قد تكرر هذه الايام على الاراضي السورية ، وهنا لا بد من من تقليب صفحات التاريخ وفي عجالة بأنه لا يخفى على المؤرخين والباحثين الحروب العديدة التي اندلعت بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية آنذاك، حيث خاضت الدولتان ضد بعضهما أكثر من 14 حرباً امتدت من عام 1568 إلى عام 1922، وكانت الإمبراطورية الروسية حليفة للبريطانيين آنذاك، وكانت عشائر ديالى تقاتل مع الدولة العثمانية ضد القوات الروسية الحليفة للبريطانيين بعد وصول القوات الروسية إلى قضاء خانقين، الأمر الذي دفع الروس إلى إنشاء مواضع دفاعية صخرية محصنة آنذاك لجنودهم في قضاء خانقين الحدودي مع إيران، والتي شهدت توغلاً للقوات الروسية بعد هزيمتها في معركة تاتنبيرغ عام 1914 أمام القوات الألمانية، ما دفع القوات الروسية إلى التوغل في الأراضي الفارسية لتأمين المدن الهامة هناك ، وفي عام 1917 أخلت القوات الروسية قضاء خانقين الحدودي وانسحبت إلى إيران تاركةً خلفها مواضعها الدفاعية وملاجئها المحصنة التي بقيت حتى يومنا هذا، ثم انسحبت القوات العثمانية من القضاء ودخلته القوات البريطانية عام 1917… ثم انقلبت الظروف ورحل المستعمرون وتغير اللاعبون وظل الفراغ بعد مضي قرن من الزمن على حاله، وبقيت المنطقة ساحات صراع وميادين حرب لقوى لا تزال تعمل على تفتيت المنطقة…

وفي استعراض للحروب الروسية العثمانية والتي نشبت بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية ما بين القرنين السادس عشر والعشرين حيث انتصر الروس في معظمها حتى نهاية القرن السابع عشر وأخيرا هذه الحروب وغيرها أنهكت السلطنة العثمانية حتى بداية القرن العشرين، كانت هذه الحروب في الأساس لوقف ” الأطماع الروسية ” في غزو أراضي خانية القرم العثمانية ولاحقًا لرغبة الروس في السيطرة على البحر الأسود وممراته (البوسفور والدردنيل) نحو مياه المتوسط الدافئة، انتهت اغلب المعارك بانتصار روسيا مما أدى في معظم الأحيان بمعاهدات قاسية على الدولة العثمانية تخلت فيها عن خانية القرم ولاحقا سمحت بمرور السفن الروسية من البوسفور دون قيود وهو المقصد الروسي نحو الدخول إلى البحر المتوسط…

في العهد الروسي الجديد منذ عام 2000، سعى بوتين إلى استعادة مكانة روسيا كـ ” قوة عظمى ” مُجسداً سياستها ضد الولايات المتحدة من أجل وضع روسيا كثقل موازن للغرب في الشرق الأوسط. وتمثل سوريا موطئ القدم الأكثر أهمية في المنطقة بالنسبة لروسيا، كما أنها تعتبر ذات أهمية رئيسية في حسابات بوتين ، فموقع سوريا – المطل على البحر الأبيض المتوسط وإسرائيل ولبنان وتركيا والأردن والعراق – يجعلها ذات أهمية كبرى من أن يُسمح بخسارتها…

فمنذ بدء الحرب في سوريا في العام 2011 ، ظل بوتين داعماً للرئيس الاسد على نحو مطلق، على الرغم من التصريحات التي تفيد عكس ذلك. فقد زود الأسد بالأسلحة، ووفر له الحصانة في مجلس الأمن الدولي، ووافق على استيعاب النفط الخام السوري مقابل منتجات النفط المكرر لدعم اقتصاد البلاد وجيشها، وقدم القروض لتفادي إفلاس سوريا … وفي هذا السياق فقد أرسلت موسكو إلى الحكومة السورية عن طريق الجو أكثر من مائتي طن من ” الأوراق النقدية ” في صيف 2011، أي خلال الفترات التي تصاعد خلالها القتال. وقد تكون مثل تلك الشحنات السبب مع تضاؤل الاحتياطيات الأجنبية في البلاد…

روسيا البوتينية اقدمت على وضع ثقلها في الحرب السورية لسبب بسيط هو انحسار الدور السوفيتي (وفقد نفوذه في مصر ” السادات ” والعراق وليبيا وخروجه من افغانستان ) نتيجة تواطوء وضعف ميخائيل غورباتشوف اخر رؤساء الاتحاد السوفيتي صاحب نظرية ” البيريسترويكا  ” والتي تعني إعادة الهيكلة وإلى إعادة بناء اقتصاد الاتحاد السوفيتى… وكما هو معروف تاريخيا فقد انتهى الاتحاد السوفياتي رسميا بتاريخ 26 كانون الثاني / يناير 1991 بتسلم الرئيس بوريس يلتسين مقاليد الحكم وتوقيع رؤساء الجمهوريات السوفياتية على وثيقة حل الاتحاد السوفيتي وهنا مقولة شهيرة للرئيس بوتين ( أكبر كارثة جيوسياسية حصلت فى القرن العشرين هى انهيار الاتحاد السوفيتي، من لم يحزن على انهيار الاتحاد السوفيتي، لا قلب له ، ومن يريد إعادته بهيئته السابقة، لاعقل له)… تعكس هذه العبارة التى جاءت على لسان الرئيس فلاديمير بوتين رؤيته لما جرى للاتحاد السوفيتى ولكن هذا الإقرار بنهاية الحقبة السوفيتية لم يعني الانكماش وإنما إعادة ترتيب الأوضاع داخليا وخارجيا فى آن واحد ومن ثم الانطلاق مجددا ، أخذا فى الاعتبار أنه: لا معنى ” لروسيا دون إمبراطورية ” أي بمعنى الاستراتيجيات الدولية فإن بوتين يعكف على اعادة امجاد السوفييت الى سالف القهم ولكن بطبعة جديدة رسمها بوتين منذ توليه السلطة في العام 2000 لوضع قدم الدب الروسي في منطقتنا والوصول الى مياه البحر المتوسط وخاصة في ظل التوسع المضطرد لحلف الناتو بالقرب من حدود روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق..

وللتوضيح اكثر نشرح ونقول … لقد اتخذت الحرب في سوريا كما قدمت اخذ منحى الصراع الدولي وحصريا بين القوتين الاعظم الولايات المتحدة الامريكية وروسيا الاتحادية فمنذ أن تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد الحكم أخذت أمريكا منعطفًا جديدًا لم يسبق للعالم أن شهد مثله من قبل، بعد صدور العديد من القوانين تحت شعار ” المواجهة لأي عدو لأمريكا “، ومن بين القوانين التي أصدرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قانون ” مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات ” الذي ينص على فرض عقوبات صارمة على كل من إيران، روسيا ، كوريا الشمالية…

وفي سياق ما انتهت اليه احد جوانب الحرب الضروس خلال الاسبوع المنصرم في محيط محافظة درعا السورية وعلى جانب الحدود الاردنية حيث تم رفع العلم السوري على كامل درعا ومحيطها ،وهو ضمن مرسوم الخطط التي قامت عليها سياسة الرئيس بوتين لتمكين قوات الرئيس الاسد من الارض والميدان وهو ما انتهى الى فرض ” الواقع الروسي ” على الارض… وفي هذا الاطار اقليميا وعلى ارض الميدان فيما يتقدّم الجيش السوري بقوة على جبهات القتال مع تنظيم داعش الارهابي، ويلتزم الإسرائيليون الصمت وعلى ضوء النصيحة التي استمع اليها الصهيوني نتنياهو من سيد الكرملين بوتين بأن يتعامل مع الوضع الجديد في سوريا وفقا لمعطيات الواقع على الارض …

ولترسيخ الدور الامبراطوري الروسي في نسخته البوتينية الجديدة ” وفي موسكو ” تحديدا التي استقبلت الدكتور علي ولايتي مستشار المرشد الايراني علي الخامنئي قبل يومين، بعدما أسمعت نتنياهو نصائح التأقلم مع الوضع الجديد في سورية وكما اسلفنا … فلقد وضعت زيارة ولايتي في إطار تنسيق العلاقات الاستراتيجية بين حليفين (لترسيخ التواجد الروسي في المنطقة) وفي سياق هذا التشاور الروسي الايراني فقد تعهّدت روسيا بتعويض إيران عن الاستثمارات الأوروبية التي غادرتها بسبب العقوبات الأميركية، كما تعهّدت بالحفاظ على مستوى مبيعات نفطية إيرانية وعائدات مالية تبعدها عن التفكير بقرارات تصعيدية حيث قالت المصادر إن مئة مليار دولار هي حجم الاستثمارات الروسية التي يدور الحديث عن توزيعها مناصفة بين قطاعَيْ النفط وسكك الحديد الإيرانية…

وفي رأينا بأن المشاورات الايرانية الروسية تأتي في اطار الاستعداد لجولات مواجهة جديدة للمشروع الأميركي كما تركّز على ضرورة الاهتمام بفرص تحوّلات في الموقف الأوروبي في ظل سياسة أميركية عدوانية تجاه أوروبا اقتصادياً، وتصرّفات أميركية في حوض المتوسط تزعزع الاستقرار بصورة تهدّد الأمن الأوروبي، والتمسك بالتعاون الذي تمّت صياغته في فيينا بين رعاة التفاهم النووي الإيراني وهم الأوروبيون وروسيا والصين وإيران..

وخلاصة القول هذا هو المشروع الذى حمله بوتين منذ تولىه المسئولية فى العام 2000 إلى أن تم التجديد له لولاية رئاسية رابعة في أذار / مارس 2018… وكان السؤال ــ آنذاك ــ هو كيف سيكون الإطار الذى تعود به روسيا الجديدة إلى العالم؟… نعتقد الإجابة تتمثل في إحياء الإمبراطورية الروسية ، فما من سبيل إلا أن تستمر روسيا فى رسالتها الإمبراطورية لأن هذا هو السبيل لتقدمها ونهضتها ، وعليه لابد من ” تعظيم مزايا الجغرافيا والسياسة والحضارة “… روسيا تشهد مولد قيصر روسى جديد يقوم بإحياء الإمبراطورية الروسية التى تقوم على ركائزها الثلاث: ” العرقية السلافية والوطنية الروسية والمسيحية الأرثوذكسية ” يضاف الى ذلك الحضور الروسى العالمى فى إطار عالم متعدد الأقطاب وعدم السماح بالخضوع لهيمنة قوة عظمى واحدة… وفاعلية التواجد الروسي في المحافل الدولية والإقليمية البارزة مثل: مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية، ومؤتمرات رؤساء البريكس، وقمم شنجهاى للتعاون،…،إلخ.

أخيرا وليس أخرا … الرئيس بوتين لن يفرط في مكتسباته في سوريا والمنطقة لو ادى الى خوضة حربا كونية ثالثة ورابعة ولربما خامسة!

باحث ومخطط استراتيجي

arajoub21@yahoo.com

اترك رد