ماذا لو كنت مُهاجراً دون وثائق في الأردن؟

266

الأردن اليوم- هبة أبو طه

أن تكون عاملاً مهاجراً في الأردن ولا تمتلك وثائقك الخاصة، فهو ليس أمراً إستثنائياً، فصاحب العمل الذي سوف تعمل لديه، سيصادر أوراقك الثبوتية كاملةَ منذ وصولك إلى الأردن في ممارسة توصف بالإعتيادية من قبل مكاتب استقدام العمال.

يُشكل الخروج إلى الشارع لدى كثير من العاملات والعمال المهاجرين قلق كبير وذلك لإحتمالية إلقاء القبض عليهم من قبل الشرطة بسبب عدم امتلاكهم وثائقهم الخاصة. 

غير أن ذلك الاحتمال لا يشكل إلا جزء بسيطا أمام واقع أصعب يعانيه كثير من العاملات والعمال وأفراد أسرهم.

لطالما استقر كثيرون في الأردن لسنوات وتزوجوا وأنجبوا أطفالا في بلد لا يقبل بتسجيل أبنائهم بغياب وثائق ذويهم المحتجزة لدى أرباب عمل.

“كان هناك أطفال يشتمونني أنا وأمي فلم أصمت فقمت بضربهم وقاموا هم ايضا بضربي، فعلم مدير المدرسة بالأمر وقام بطردي من المدرسة”. 

تلك الحادثة التي مر بها الشاب عمر لا تمحيها ذاكرته وهو الذي ولد لأب هندي وأم سيرلانكية في العاصمة عمان قبل خمسة عشر عاماً يعود بذاكرته  في حديثه إلى أيام الطفولة وحوادث علقت بذاكرته كواقعة طرده من المدرسة التي سببت له جرحا عميقا.

تغيرت حياته بعد وفاة والده بمرض السل، وبعدها عانى عمر من قسوة حياة ومجتمع لا يرحمه. “أذكر والدي لحظة معاناته مع المرض وتحديدا في الساعات قبل الوفاة، ودون أن يُسعفه أي طبيب وهو في طوارئ مستشفى حكومي ليتوفى لاحقا. شعر عمر بالعجز لا يمكن وصفه.

عمر ليس استثناءً فهناك كثيرون ممن يسمون بأبناء العمالة المهاجرة في الأردن، يعيشون ظروفاً صعبة لا يحصلون على حقهم في التعليم والطبابة وحتى على صعيد تثبيت نسبهم.

القانون لا يحمي

لا يعرف عمر بأن الدولة المقيم بها عليها مسؤوليات تجاه حمايتهم صون حقوقهم، سندا للفقرة الثانية من المادة 16 للاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، التي صدق عليها الأردن، والتي تشير إلى حق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم بالحصول من الدولة على الحماية الفعالة من التعرض للعنف والإصابة البدنية والتهديدات والتخويف، سواء على يد الموظفين العموميين أو على يد الأشخاص العاديين أو الجماعات أو المؤسسات.

يدرك المحامي المتخصص في حقوق العمال، حمادة أبو نجمة، بأن الأجانب المقيمين في الأردن لا يحصلون على الحقوق الأساسية من تعليم ورعاية وصحية وضمان حقوقهم في العمل بما يشكل الأمر انتهاكا مضاعفا بحقهم.

تعليمات وزارة التربية والتعليم الخاصة الخاصة بالقبول في الصف الأول الأساسي الصادرة عام 2017 تسمح بقبول غير الأردنيين بشرط حصولهم على إذن اقامة والأصل أن المدارس الحكومية لا تستقبل غير الأردنيين إلا في حالات خاصة كحالة اللاجئين السوريين وأبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين.

رحمة ناشطة أندونيسية تدافع عن حقوق عاملات المنازل، تقول أن ثمة عاملات لا يتسطعن تسجيل أبنائهن في مدارس. وتقول لنا بتسائل: هل يمكن بناء مدرسة خاصة بالمهاجرين؟ صمتت ثم تابعت لنضمن حقهم في التعليم.

تشير مديرة تمكين للدعم والمساندة لندا كلش إلى الصعوبات والتحديات التي تواجه ابناء العمال المهاجرين في الحصول على حقوقهم في  الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات التي يجب ان تتوافر للأطفال.

تنص المادة 30 من الإتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم على ضمان “لكل طفل من أطفال العامل المهاجر الحق الأساسي في الحصول على التعليم على أساس المساواة في المعاملة مع رعايا الدولة المعنية”. ولا يجوز رفض أو تقييد إمكانية الالتحاق بالمؤسسات الحكومية للتعليم قبل المدرسي أو بالمدارس بسبب الوضع غير النظامي من حيث الإقامة أو الاستخدام لأي من الأبوين، أو بسبب الوضع غير النظامي لاقامة الطفل في دولة العمل.

حجز حريتهم

مكاتب استقدام العاملات تقوم بحجز جواز سفر العاملة فور وصولها للأردن، وبدورها تُسلم هذه المكاتب الأوراق الثبوتية للعاملات أغلب الأحيان لرب العمل، الأمر ذاته يتكرر مع العمال المهاجرين ايضا اذ تحجز اوراقهم الثبوتية من قبل ارباب العمل.

ديوي عاملة أندونيسية تزوجت من عامل يمني لم تتمكن من تثبيت عقد زواجها في المحكمة لحجز جواز سفرها و بالضرورة لم تتمكن من تثبيت نسب طفليها لعدم وجود اي اوراق ثبوتية معها.

تقول ديوي لقناة الأردن اليوم أنها أنجبت طفلين ولد وبنت “لم أتمكن لليوم من تسجيلهما” ما يعني حياة أكثر صعوبة وكل ذلك “بسبب حجزي أوراقي الثبوتية”. وهي محرومة من أبسط حق لها ألا وهو العودة الى وطنها أندونيسيا وتربية أبناءها حيث ولدت وترعرعت.

حجز الأوراق الثبوتية والزواج العرفي، واحدة من أكثر الانتهاكات التي يتعرض لها العمال المهاجرون، كما تقول كلش، “عدد من العمال غير مسجلين وليس معهم أوراق على الاطلاق بما فيها شهادة الميلاد، فالعديد من عاملات المنازل يتواجدنّ في الأردن بشكل غير قانوني، لعدم وجود أوراقهم الثبوتية معهم فيلجأنّ للزواج العرفي و الولادة في البيت، ولا يقتصر هذا على عاملات المنازل بل يمتد ليشمل عاملات في قطاعات أخرى ينجبنّ في المنزل ولا يسجلنّ ابنائهنّ.

سالي عاملة آسيوية قدمت للأردن عن طريق مكتب استقدام عاملات، وبدأت العمل لدى أسرة واجهت عندهم سوء معاملة امتدت لعنف جسدي وقع عليها من قبل ربة المنزل، الأمر الذي دفعها للهروب.

بينت سالي إبان حديثها للأردن اليوم أنها هربت “ولم أجد مكان يأويني فعدة أيام قضيتها هائمة، إلى ان تعرفت على عامل مصري الجنسية وطلب مني الزواج وتزوجته ولكن لم استطع تثبيت عقد الزواج لانني فاقدة لجوازي سفري اضافة الى ما مررت به عندما انجبت طفلتي قبل شهرين اذ اضطررت الى انجابها في عيادة طبيب وليس بالمستشفى ولم اتمكن من تثبيت نسب طفلتي ليومنا هذا.

حجز جواز السفر جريمة ترتكب بشكل دائم بحق العمالة المهاجرة وتحرمهم من أبسط حقوقهم في الزواج وتثبيت نسب أبناءهم وحرية التنقل بما يخالف المادة 21 من الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم “ليس من الجائز قانونا لأي شخص، ما لم يكن موظفا رسميا مخولا حسب الأصول بموجب القانون، أن يصادر أو يعدم أو يحاول إعدام وثائق الهوية، أو الوثائق التي تخوّل الدخول إلى الأراضي الوطنية أو البقاء أو الإقامة أو الاستقرار فيها، أو تصاريح العمل. ولا يجوز مصادرة هذه الوثائق بصورة مرخص بها دون إعطاء إيصال مفصل بذلك. ولا يجوز، بأية حال من الأحوال، إعدام جواز سفر أو وثيقة معادلة لجواز سفر عامل مهاجر أو أحد أفراد أسرته”.

المخالفة لا تقتصر على هذه الاتفاقية فحسب بل أيضا المادة 23/2 من قانون جوازات السفر، إذ تنص المادة من قانون جوازات السفر رقم 2 لسنة 1969 “بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تزيد على ألف، أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من وجد بحيازته جواز سفر أو وثيقة سفر بصورة غير مشروعة”.

الكفلاء وأرباب العمل لا يلتزمون بهذه القوانين، فالعاملة مالي من الجنسية السيرلانكية، ما زال جواز سفرها محجوزا عند كفيلها منذ بداية عام 2018 ويرفض اعطاءها اياه الامر الذي يحد من حريتها بالتنقل او ممارسة حياتها بالشكل الطبيعي وحتى يقف عائقا ما بينها وبين العودة لبلادها.

حجز الوثيقة لا يقيد الحرية

يقول أبو نجمة أن حجز الأوراق الثبوتية للعمال هو ممارسة شائعة في الأردن باعتبارها تعطي سلطة لرب العمل في تقييد العامل بمجرد التفكير المسبق بأن العاملة سوف تهرب، وهم لا يدركون بأن حجز الوثائق لن يمنعهم من من حريتهم وحقوقهم.

غير أن حجز الوثائق سوف يطال جملة من حقوق العمال، ويقول أبو نجمة أن العامل سوف لن يقيد وثيقة زواجه او أطفاله.

لا تتوفر أرقام حول هذه المشكلة خاصة وأن عددا من حالات الزواج تمت دون تسجيل، ومعظمها بقيت سرا، وعدد منها لم تعرف إلا عند الإنجاب وعدم القدرة على تسجيل الولادة وما يتبع ذلك من صعوبات تتعلق بإمكانية سفر الطفل مع والديه والعودة إلى وطنه”.

من واقع تجربة، تقول الناشطة رحمة أن ثمة مشكلة متعلقة بإجراءات ان الامن العام في الأردن لا تقبل أن تعطيهن أوراق فقدان جواز السفر الا باحضار كتابا من سفارة بلادهم الامر الذي يجعل المشكلة اكثر تعقيدا.

لا بد من التاكيد على ان مكاتب استقدام العاملات تضرب بعرض الحائط القرار الصادر عن وزير العمل المتعلق بالأسس الخاصة لتصنيف المكاتب لسنة 2013 الذي شدد على التزام المكتب بعدم حجز جوازات السفر للعاملات.

الغرامة الظالمة

غير أن الغرامات تشكل المشكلة الأكبر لدى غالبية العمال المهاجرين، والغرامات تبدأ بالتراكم عندما يحمل صاحب العمل مسؤوليتها على العامل وبالتالي لا ينهي العامل من فترة عمله حتة أن آلاف من الدنانير قد تراكمت عليه. 

ويقول أحمد عوض مدير مركز الفينيق للعمال أن الغرامات المفروضة على العمال لا تتناسب مع المخالفة التي ارتكبوها.

فضلا عن عدم تجديد تصريح العمل قد يؤدي إلى عدم تجديد الإقامة وبالتالي يصبح وضع العامل غير قانوني وهو أمر ينعكس سلبا على كل جوانب حياته، ومن ذلك توثيق أي من معاملاته وإجراءاته أمام الجهات الرسمية ومنها عقود الزواج وتسجيل الولادات.

منذ وفاة والد عمر، موهو يعيش بلا مأوى، متخذا من إحدى الممرات الضيقة (زقة) منزلا له من خلال الكراتين يستلقي عليها للنوم. بعض الأحيان يعطف عليه أناس يقطنون في ذات الحي فيعطونه اموالا تكفيه لشراء قوت يومه.

يتمنى عمر العودة إلى بلده، لكن الغرامات المتراكمة عليه منذ عام 2011 تحول دون عودته. “لا اريد شيئا خُذي حياتي وروحي مقابل أن تُعيدوني لسيرلانكا حيث تقطن أمي وشقيقتي أريد أن أراهم وأموت بعد ذلك”.

تضمن الإتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لعام 1990 للعمال المهاجرين وأفراد اسرهم الحرية في مغادرة أي دولة في أي وقت دون قيود، باستثناء القيود المتعلقة بحماية الأمن الوطني او النظام العام والصحة العامة أو الأداب العامة أو حقوق الغير.

تراكم غرامات الإقامة على العمال المهاجرين والذي يكون في الغالب نتيجة تقصير من أصحاب العمل يتسبب في منع العمال من حرية التنقل والسفر خارج المملكة خاصة بسبب عدم تمكنهم من دفع قيمة الغرامات التي تفوق في كثير من الأحيان قدرتهم على تسديدها، وهذا ما يمكن اعتباره انتهاكا لحقوق العمال التي أكدت عليها هذه الإتفاقية.

“هناك تنازع ما بين قانوني العمل والإقامة، فقانون العمل يحصر تجديد تصريح العمل لصاحب العمل تحديداً، ولكن العقوبة بموجب قانون الاقامة تقع على العامل فبالتالي العمال وأفراد أسرهم يعاقبون على ذنب لم يقترفونه في كثير من الاحيان”، تقول لندا كلش.

في الرابع من شباط الماضي صادق الملك عبد الله الثاني على قانون العفو العام، شاملا إعفاء العمالة المهاجرة من الغرامات، وكأن عمر أحد المستفدين، لكنه لا يستطيع مغادرة الأردن وذلك لعدم امتلاكه جواز سفر ولم يختم من الإقامة والحدود ولأجل ختم الجواز يحتاج الأمر إلى شهادة ميلاد بينما عمر لا يوجد له شهادة ميلاد لأن والديه تزوجا زواجا عرفيا والأب توفي والأم مبُعدة في سيرلانكا. ليبقى عمر الآن نزيلا في مركز رعاية الفتيان الأيتام التابع لوزارة التنمية الاجتماعية.

*تواصلت معدة التقرير مع وزارة العمل بكافة الطرق المتاحة لكنها لم تتجاوب معها، ذلك بما يخالف حق الحصول على المعلومات

*أجريت مقابلات العمال في مكاتب مركز تمكين الذي سّهل من إمكانية الوصول إلى الحالات.

*بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR

اترك رد