منذ أن أعلن الرئيس ترامب قبل عام انسحابه من الاتفاق الدولي حول برنامج إيران النووي، قامت الولايات المتحدة باتخاذ سلسلة إجراءات دبلوماسية واقتصادية متمثلة بحزمة عقوبات اقتصادية غير مسبوقة منفردة بإتجاه إيران ضمن استراتيجية هي الأوضح في سياق السياسة الخارجية لإدارة ترمب. والتي تهدف إلى ممارسة أقسى درجات الضغط وبالتالي اجبار طهران على الجلوس على طاولة المفاوضات من أجل التفاوض حول برنامجها النووي إضافة إلى مجموعة قضايا متمثلة في سلوك إيران التوسعي في المنطقة وبخاصة في العمق العربي. منذ ذلك الوقت عوّلت إيران على قدرتها في إحتواء ومقاومة هذه الضغوط والعقوبات من خلال الالتفاف على هذه الخطوات وذلك بالاعتماد على حسابات قائمة على أن كثير من دول العالم وبخاصة الصين وروسيا الشركاء الرئيسين لطهران إضافة إلى الاتحاد الأوروبي يعتبرون أن هذه العقوبات غير قانونية وبالتالي لن يتعاونوا مع الولايات المتحدة بخصوص ذلك وسوف يستمر بالتعامل الاقتصادي مع إيران .
لكن المتتبع للخطاب السياسي والعسكري لإيران إضافة إلى التطورات الحالية المتمثلة بتخريب السفن في الخليج والهجوم بالطائرات المسيرة على أهداف سعودية يستطيع أن يستنتج أن هذه العقوبات قد أثرت تأثيراً كبيراً على إيران، وأن طهران قد طورت قناعتها بأن واشنطن تهدف إلى خنقها وبالتالي انهيار النظام تدريجياً لذا لا بد أن يكون هناك حراك باتجاه الخيار العسكري الغير مباشر بواسطة أذرع إيران في المنطقة من خلال تصعيد تدريجي تكتيكي يخلق أزمة وتصور بأنه سوف يكون هناك كارثة حتمية ذات تأثير على الجميع وبالتالي هذا التصعيد سوف يخلق فرصة جاذبة قد تفتح الباب أمام اشتباك دبلوماسي إيراني أمريكي قد يقود إلى مفاوضات بين الطرفين . مثل ذلك التصعيد إذا ما نجح سوف يؤمن لإيران ما يسمى بحفظ ماء الوجه ومخرج للتفاوض تستطيع أن تبرره على اعتبار أن طهران قاومت وصعدت ولم تستلم للإدارة الأمريكية كما أن مثل تلك المفاوضات قد تؤمن لطهران وقت إضافي تمتد إلى فترة الانتخابات الرئاسية القادمة والمراهنة على قدوم إدارة ديمقراطية وعندها يختلف الوضع . باعتقادي هذا السيناريو منطقي وبرغامتي أخذين بعين الاعتبار أن إيران وبغض النظر عن خطابها الصقوري هي في الحقيقة دولة برغماتية وتعي جيداً أنه ليس بمقدورها الدخول في حرب مباشرة مع واشنطن قد تكلفها الكثير من خراب ما بنته في العقود الأربعة الأخيرة . أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة غير راغبة في مواجهة شاملة آخذين بعين الاعتبار تجربة واشنطن المريرة في كلاً من أفغانستان والعراق المكلفة جداً وما تبع هذا التدخل من تداعيات داخل الولايات المتحدة إلا دليل على أن التدخل وتحطم بنيوية الدول له تبعات خطيرة لا تستطيع واشنطن التعامل معها يعتمد نجاح هذا السيناريو التصعيدي على براعة إيران في إدارة مثل ذلك التصعيد التكتيكي من خلال خطوات محسوبة بشكل دقيق ومدى استجابة واشنطن وحلفائها لذلك التصعيد كما أن إيران بحاجة للحظ والدعاء بأن لا يحدث تطورات وحوادث ليست في الحسبان تؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها آخذين بعين الاعتبار حالة الفوضى وعدم الاستقرار وكثرة اللاعبين في المنطقة .