إضراب غير مفهوم غير مقبول
الأدرن اليوم – حمادة فراعنه
سمعت عن إضراب العاملين في وكالة الغوث، ففرحت وقدرت أن ذلك يتم بهدف دعم مكانة وكالة الغوث الاونروا واستمراريتها، في مواجهة التآمر الأميركي الإسرائيلي الذي يستهدف شطبها كقضية جوهرية من قضايا الشعب الفلسطيني، فالوكالة برمزيتها تمثل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وبقاء هذه القضية حية تعني بقاء حقهم حياً في العودة إلى وطنهم الذي طردوا منه وسلب منهم، ولذلك وجدت أن قرار الإضراب وتوقيته مهما يدعم قضية الأونروا المنظورة حاليا لدى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقد في نيويورك، وسيتم التصويت على استمرارية التفويض لوكالة الغوث من عدمه من قبل الجمعية العامة مع نهاية شهر تشرين الثاني 2019.
هذا ما كنت أُخمنه وأقدره، ولكنني فوجئت أن دافع قرار الإضراب مطالبة العاملين بزيادة رواتبهم فصابني الذهول والدهشة لدوافع هذا الإضراب في توقيت غير ملائم لا سياسياً ولا مالياً، فالوكالة ما زالت تُعاني عجزاً مالياً يصل إلى 90 مليون دولار وقد بُذلت جهوداً جبارة سياسية ودبلوماسية لتعويض القرار الأميركي بحجب مساعدات واشنطن عن الوكالة التي تتجاوز 300 مليون دولار، إضافة إلى عجزها التراكمي فالقضية الفلسطينية ومنها قضية اللاجئين لم تعد أولية لدى بلدان العالم، فهناك ملايين اللاجئين الذين بات لهم الأولوية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين، ولولا الاهتمام الأردني الفلسطيني، والاستجابة الأوروبية، والدعم المالي الخليجي لتم شطب الأونروا وخدماتها.
قضية اللاجئين الفلسطينيين مهمة لسببين أولهما لأنها تحافظ على حق اللاجئين وهم يمثلون نصف الشعب الفلسطيني في العودة إلى المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948، وحقهم في استعادة ممتلكاتهم في اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبيسان وبئر السبع، وثانيهما باتت استمرارية الوكالة مهمة لقطاع العاملين بها ومعها وهم بالآلاف ولذلك لا يجوز التلاعب بها وإضعافها، ولهذا أستغرب إضراب العاملين الآن بهدف تحسين رواتبهم في ظل هذا الوضع السياسي الحساس والقضية برمتها منظورة أمام الأمم المتحدة.
قرار إضراب العاملين في وكالة الغوث الآن ومطالبتهم بتعديل رواتبهم، قرار ليس في توقيته ملائماً، ولا في مضمونه مناسباً، فالوكالة تعاني عجزاً مالياً وتواجه حرباً معلنة أميركية إسرائيلية ضدها، فكيف يكون الوضع والحصيلة حينما تزداد متاعبها ومشاكلها وممن؟؟ من العاملين لها ومعها، حصيلة غير مفهومة سياسياً وتفتقد للحنكة والدراية والحس بالمسؤولية!!.
انطباعي عن العاملين في وكالة الغوث أن قيادات المعلمين والموظفين والعمال من المسيسين بل ومن الحزبيين الذين يتحلون بالفهم والوعي وحُسن الانتماء، طبعاً هم أدرى بظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، ولكنهم لا يملكون الحق بالمغامرة عبر الإسهام بتدمير وكالة الغوث وإضعافها عبر هذا الاضراب لأنها قضية أشمل من تحسين رواتبهم، ولذلك على قيادات العاملين في وكالة الغوث أن يأخذوا ذلك بعين الاعتبار، وأن يتفهموا الظرف السياسي الحساس في هذا الشهر بالذات، وأن لا يكونوا في غفلة من تطور الأحداث.
تحسين أحوال العاملين لدى وكالة الغوث حق لهم، ولكن الأولوية يجب ان تتجه نحو استمرار عملهم في وكالة الغوث، واستمرار قبض رواتبهم، وليس تعديل رواتبهم، وعليهم أن يدركوا ذلك ويتفهموه بوعي وسعة أفق ودراية سياسية لأهمية إسنادهم لاستمرار عمل الوكالة ودعمها وليس إضعافها واستنزاف مكانتها لدوافع ذاتية مستعجلة.
الدستور