من «ورقة كلينتون» إلى «صفقة القرن»
الأردن اليوم _عريب الرنتاوي
في مؤتمر «الأردن في بيئة إقليمية ودولية متغيرة… سيناريوهات المرحلة المقبلة 3»، واجه المتحدثون الأمريكيون من جامعات ومراكز أبحاث مختلفة، سؤالاً أردنياً متكرراً: هل ستكون «صفقة القرن» ملزمة لأي رئيس أمريكي مقبل، أم أنها ستواجه مصير مبادرات أمريكية سابقة، طويت صفحتها بطي صفحة الإدارة التي طرحتها؟
القاسم المشترك في إجابات المتحدثين الأمريكيين هو التالي: ليست المبادرة بكليتها ملزمة، وربما سيكون صعباً على أي رئيس مقبل أن يتبناها بالكامل، بيد أنها ستلقي بظلالها على أي مبادرة قادمة، وربما تفرض نفسها، في بعض أجزائها على السياسات الأمريكية المستقبلية حيال الصراع العربي – الإسرائيلي؟
وفي التفاصيل قيل: سيصعب على أي رئيس أن يسحب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو يعيد السفارة الأمريكية منها إلى تل أبيب، هذا ليس احتمالاً…لكن سيكون بمقدور أي رئيس أكثر توازناً واتزاناً، أن يعيد رسم خرائط القدس، وأن يوسع في حصة الفلسطينيين من قدسهم الشرقية، من دون أن يصل إلى خط الرابع من حزيران بالطبع.
وفي موضوع المستوطنات، سيكون بإمكان أي رئيس قادم أن يقلص اعتراف واشنطن بـ»حق إسرائيل في ضم جميع المستوطنات»، لكن من الصعب أن تجد رئيساً يعارض ضم المستوطنات الكبرى … ربما سيكون بمقدور رئيس قادم، أن يكون أكثر سخاء مع الفلسطينيين في معادلة تبادل الأراضي … المستوطنات، بالذات الكبرى، باتت جزءاً من السياسة المتوارثة والمتعاقبة للإدارات الأمريكية، وهذا لن يتغير.
قد يكون بمقدور أي رئيس قادم أن يستبدل حكاية «السيادة الإسرائيلية» على غور الأردن الغربي وضمه مع شمال البحر الميت إلى إسرائيل، وأن يقترح «سيطرة إسرائيلية» أمنية على هذا المنطقة، وربما حضوراً دولياً كثيفاً فيها، أمريكيا أو أطلسيا، لكن أن تكون هذه المنطقة، تحت السيادة الفلسطينية المطلقة، من دون «أعين» أو «أذرع» إسرائيلية، من دون ترتيبات خاصة، فهذا أمرٌ مستبعد تماماً.
في موضوع اللاجئين، سيكون بمقدور رئيس أمريكي قادم، أن يكون أكثر «كرماً» على الدولة الفلسطينية العتيدة بمنحها الحق في استيعاب أكبر الأعداد من اللاجئين الفلسطينيين، وربما يتخطى هذا الرئيس عقدة ترامب وكراهيته للاجئين والأجانب، فيسمح لدول ثالثة باستيعابهم من دون اشتراط أن تكون من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، كما فعل ترامب … لكن هيهات أن تجد رئيساً أمريكياً قادماً يقبل بعودة اللاجئين إلى ديارهم الأصلية، داخل الخط الأخضر.
في شأن السيادة على الأجواء والمياه والحدود والمعابر، ثمة هامش من المرونة والمناورة، سيتمتع بها أي رئيس أمريكي قادم، لكنها ستكون منضبطة لسقوف «نظرية الأمن الإسرائيلية»، حتى وإن تخففت من بعض قيود هذه النظرية «القصوى» كما حصل في «صفقة القرن» … هذا الأمر سيكون محكوماً بتوجهات الساكن الجديد للبيت الأبيض، وتشكيلة الحكومة والائتلاف الحاكم في إسرائيل.
خلاصة القول، إن «صفقة القرن» لن تكون «كتاباً منزلاً» يتعين على الإدارات الأمريكية الالتزام به بحذافيره، لكن ظلالها الكثيفة والكئيبة ستكون حاضرة عند صياغة أي مبادرة جديدة … والأرجح أن تراوح مواقف الإدارات القادمة وتوجهاتها بين حدين: ورقة كلينتون 2000، وصفقة القرن 2020، على اعتبار أن ورقة كلينتون هي أقصى ما وصلت إدارة أمريكية من «كرم» حيال الفلسطينيين، وصفقة القرن، هي أسوأ ما صدر عن أي إدارة بهذا الصدد، حتى أن بعض الإسرائيليين أنفسهم قالوا أنها «مبادرة» أسوأ بكثير من الوضع الراهن، بالنسبة للفلسطينيين، وهي لقمة أكبر من أن يستطيع الإسرائيليون ابتلاعها.