جلسات الثقة والحماس المفقود

80

تجربة آخر ثلاثة برلمانات خلقت حالة من الإحساس العميق بالغربة بين الناس وممثليهم ولعل نتائج مراكز استطلاع الرأي خلال العشر سنوات الأخيرة والتي تضع نسبة الرضا عن الأداء البرلماني في أدنى مستوياتها وفي أفضلها لم تتجاوز 18 %، بل كان رصيد الحكومات وهي عملياً من يملك صناعة القرار يرتفع على حساب مجالس النواب الثلاثة الأخيرة.

يغيب الحماس الذي اعتدنا عليه سابقاً في متابعة كلمات النواب أثناء مناقشة بيان الثقة على الحكومات بشكل عام؛ السمة العامة لدى الناس الفتور؛ ربما يكون الجو العام وظروف جائحة كورونا والإحباط من أداء البرلمانات والحكومات سببا في ذلك وهو إحساس يتعمق منذ سنوات ولا ينطبق على الأردن فقط ومن يتابع النقاشات في لبنان وتونس مثلا يجد تشابها كبيرا في تراجع الاهتمام.

يفترض أن ظروف كورونا تستدعي اختصار وقت النقاش أقصى ما يمكن بحيث يركز السادة النواب على العناوين الرئيسة المتعلقة بالسياسات الحكومية وترك المطالب الخدمية المتعلقة بدوائرهم لمناقشة الموازنة العامة أو تسليمها مكتوبة للأمانة العامة.

الخلط بين التشريعي والرقابي والخدمي يتكرر عند كل مفصل برلماني وهذا يتطلب أن يتم إعادة رسم وتعريف دور مجلس النواب ودور مجالس اللامركزية والمفترض أن قانون الإدارة المحلية الذي استرجعته الحكومة من مجلس النواب الحالي سيعالج الأمر بإعطاء مزيد من الصلاحيات لمجالس اللامركزية بما يعزز من دوره الخدمي لأنه الموجود في الميدان وهذا سيعطي مجلس النواب مساحة مريحة للتركيز على الرقابة والتشريع وهما أساس عمله.

النواب الجدد وهم يشكلون تقريبا 75 % من أعضاء المجلس سيكونون الأكثر مطلبية وربما جلداً للحكومة فتجربتهم جديدة وهذا مفهوم في سياق توجيه رسائل لناخبيهم بأنهم استخدموا حقهم في نقد الحكومة وإحراجها؛ ستعجب الخطابات جزءا من جمهورهم هذا لا يزعج الحكومة وتتفهمه ولكن المهم كيف ينجح النواب والحكومة معاً في عبور مرحلة ربما تكون الأصعب خلال عقود من عمر الدولة التي تدخل مئويتها الثانية.

الحكومة تقدمت ببيانها لنيل الثقة، وتعهدت فيه حسب مركز راصد بــ 157 التزاما وهي أكثر حكومة تتعهد بذلك منذ حكومة الدكتور فايز الطراونة؛ الالتزامات تتعلق بالإصلاح الاقتصادي والسياسي والإداري والتنمية والخدمات ومكافحة الفساد وتعزيز دور الإعلام وحقوق الإنسان ودعم القضاء والثوابت الأساسية من القضية الفلسطينية، سارعت بإجراء حوارات مع الكتل النيابية والمستقلين قبل وأثناء مناقشة البيان في بادرة إيجابية لشرح منطلقات ومضامين البيان الوزاري للتمكن من عبور امتحان الثقة.

حكومة الدكتور بشر الخصاونة تدرك أنها وقبل الذهاب للمجلس لنيل ثقته أنجزت في القطاع الصحي وغيره، ولكنه الأولوية في هذه المرحلة وخلال أقل من ثلاثة أشهر ما عجزت عنه حكومات سابقة استرخت كثيرا في الدوار الرابع دون أن تلتقط الإشارات الملكية واحتياجات الناس وتستجيب لها.

المرجح أن تنال الحكومة ثقة مريحة وقد تصل من 80 إلى 90 صوتا وفي تقديري أنها لا تسعى لأكثر من ذلك لأن تجربة الحكومات السابقة مع الثقة المرتفعة أخذت من رصيدها وساهمت في تآكله خاصة عندما تعجز عن تحقيق ما وعدت به.

ربما اختصر برلماني مخضرم بحجم وبتجربة السيد عبد الكريم الدغمي نظرة الناس للبرلمانات عندما وصف المجلس بمجلس الكلام مطالباً بمنح كل نائب الوقت الكافي لإكمال حديثه وكأنه يريد أن يقول طالما أن القصة مرتبطة بالكلام فأعطوا النواب الوقت الكافي للحديث لأن قدرة الحكومة- أي حكومة – على تنفيذ كل المطالب تلامس المستحيل بل تتجاوزه؛ مطالب النواب قد تكون في جوانب كثيرة محقة ولكنهم يعلمون أن العين بصيره واليد قصيرة.

الغد

اترك رد