الملك يضرب بلا حرّب

160

فايز الفايز
إن اختيار التصريحات النارية للملك عبدالله الثاني في تاريخ الاحتفال الإسرائيلي بذكرى تأسيس الكيان ونكبة العرب على أرض فلسطين، هو رسالة للأميركان والأوروبيين والإسرائيليين معا، أن الأردن لم يعد يملك تلك الفسحة من الزمن والرفاهية والصبر على السياسات الاسرائيلية والتعامل معها كطفل مدلل مشاكس، دون أي حساب للأردن الذي عاش 72 عاما وهو يعاني جراء صراع خارجي وداخلي مع موجات اللجوء كقناة خلفية للحلول غير النهائية، وعثرات اقتصادية متعاقبة أوصلته إلى حائط حديدي، واتهامات من كل جانب بمسؤوليات لم نعد ندرك ما الصحيح منها وما العمل لدحضها.
ولهذا جاءت تصريحات جلالته لتفتح قاموس الحرب الباردة مجددا ما بين إسرائيل الدولة الغريبة والأردن الدولة المُعاهدة، وهذا دليل أن السلام الهش هو مصلحة إسرائيلية وأفضل من سلام حقيقي، ومع التقدير ففي لغة السياسة تعتبر المفردات المنتقاة هي الذخيرة المُخبأة في قاموس الصراعات بين الدول، وكما نتابع التصعيد ما بين الرئيس ترمب والحكومة الصيننة وكذلك مع إيران، حيث يرى في الصين اليد الطولى في ضرب الاقتصاد العالمي وهي السبب في انتشار الفيروس الذي يهدد المجتمع الأميركي ودول العالم، ولكن في عالمنا العربي لم نعد نسمع مصطلحات تهديدية ضد إسرائيل، وكل التهديد والتنديد المتبقي هو مُخبأ للخصوم السياسيين العرب بعضهم البعض،
ومن الطريف أن أسبوعية ‘دير شبيغل’ نفسها، لم تسلم هي الأخرى من الإتهامات بمعاداة السامية رغم مهنيتها، ورغم تحقيقاتها الاستقصائية التي غيرت كثيرا في منهجيات السياسة في المانيا، وحاربت الفساد السياسي، فقد وصل الأمر باتهام المجلس اليهودي الألماني للصحيفة بأنها تغذي معاداة السامية، بعد نشرها مقالا يحذر البرلمان الألماني بوجود شبهة تأثير إسرائيلي على البرلمان الألماني لإصداره قرارا يندد بحركة مقاطعة إسرائيل BDS التي تناهض حركة الشراء من المستوطنات الإسرائيلية، وهذا دليل على شهوة السيطرة الإسرائيلية وإخضاع الكل لإرادتها.
ترجمة الصدام في تصريحات الملك، لا تعني أن حرباً ستنشب فجأة بين الأردن وإسرائيل كما حدث مثل هذه الأيام تحديدا عام 1948، ففي مثل هذا التاريخ قامت القوات الأردنية بإجلاء ما تبقى من المدنيين اليهود في القدس الشرقية وتأمينهم للقدس الغربية والصورة الوثائقية تظهر التعامل الإنساني معهم، فيما على جبهة القتال كانت المعارك ضارية وبميزان قوة غير متكافئ، ومع هذا لا يمكن أن نتخيل الحرب كبديل عن اللاسلم ، فالأصل أن يبحث الإسرائيليون عن السلام وليس العرب، الذين تبادلوا المواقف مع اليهود ويطلبون لهم السلام، وهذا ما عناه الملك من أن أي تقويض لمبدأ الدولة الفلسطينية ستكون نتيجته صداما مع الدولة الأردنية، ولكن ليس حربا ولا استخداما للقوة لحل العوالق بين الدول، ولكن في النهاية يبقى السؤال متى ينتهي كل ذلك الصراع الذي تجني أرباحه الحكومة الإسرائيلية، ويخسر الشعب الأردني والفلسطينيون وطنيا وسياسيا واقتصاديا، خصوصا بعد الانكفاء العربي على الذات الداخلية.
لقد شكلت تصريحات الملك صدمة حقيقية في الدوائر السياسية الاسرائيلية، ومفاجأة في غير وقتها بما يخص الدوائر الغربية، فهذا الوقت الحرج قبيل تسلم نتانياهو الحكومة، والانتخابات القادمة في الولايات المتحدة هذا الخريف، وانشغال الأردن والبلاد المحيطة بأزمة خانقة حانقة جرّاء الإجراءات المخيفة للتصدي لوباء كورونا، ومع هذا يضرب الملك على الخزان الفارغ مجددا ليسمع الجميع أن لا احد سيتخلى عن فلسطين والقدس وأهلها، وإن عاد نتانياهو مجددا بغير ما تشتهي أنفسنا، فسيبقى معزولا رغم سطوة علاقاته.

اترك رد