كتب أحمد عوض
رغم عمق الأزمة الاقتصادية التي أصابت الاقتصاد العالمي والاقتصادات الوطنية، الا أنها بالمنظور الاستراتيجي أزمة ستمر كغيرها من الأزمات الكبرى التي عانى منها الاقتصاد العالمي، وستتبعها حالة انتعاش، هكذا هي طبيعة الدورات الاقتصادية.
لطالما مر العالم والدول المختلفة بأزمات اقتصادية متباينة الشدة، إلا أن عجلة الاقتصاد عادت الى العمل، إذ ما تزال الأدبيات الاقتصادية تذكر أزمة الكساد الكبير التي بدأت في العام 1929، وأزمة العام 1973 حيث الارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط، وارتداداتها على مختلف الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، تلتها أزمة أسواق شرق آسيا العام 1997، ثم الأزمة المالية العالمية في العام 2008، وهنالك العديد من الأزمات الأخرى التي أحدثت اختلالات وتحولات في الاقتصادات العالمية.
جميع هذه الأزمات أصبحت جزءا من التاريخ، وبالتأكيد، ستصبح الأزمة الاقتصادية العميقة التي نجمت عن تفشي فيروس “كورونا المستجد” جزءا من التاريخ، وسيصبح الوباء نفسه أيضا جزءا من التاريخ كغيره من الأوبئة الكبرى التي ضربت البشرية سابقا.
جميع الأزمات الاقتصادية السابقة نتجت عنها تغييرات جوهرية في السياسات الاقتصادية والنظريات الاقتصادية التي استندت اليها، والأزمة الحالية ليست مختلفة في ذلك.
مراجعة سريعة للسياسات الاقتصادية الحكومية التي طبقتها الحكومات في غالبية دول العالم خلال الأشهر الثلاثة الماضية تؤشر الى أن الدولة كانت اللاعب الرئيسي في حماية الاقتصادات وتقديم الحمايات الاجتماعية لمواطنيها.
وهذا سيدفع العديد من النظريات الاقتصادية الى التراجع لصالح نظريات أخرى، ولكن ذلك لن يلغي النظريات التي ما تزال تعتقد أن أدوار الحكومات يجب أن تتراجع لصالح أدوار أوسع للشركات، إذ إن نفوذ الشركات ما يزال قائما وستدافع عن مصالحها، وسيبقى الصراع قائما.
الدروس المستفادة التي خلقتها الأزمة الصحية والاقتصادية الحالية، تذهب باتجاه يتمثل في أن أولى مهمات الحكومات يجب أن تذهب باتجاه بناء نظم حماية اجتماعية شاملة، لما لذلك من دور مركزي في الحفاظ على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها والمقيمين فيها، ولتفادي أي اضطرابات اجتماعية وسياسية يمكن أن تنشأ جراء انكشاف المجتمع.
ومن الدروس المستفادة أيضا من هذه الأزمة المركبة، أن المبالغ التي تخصصها الحكومات لتعزيز الحمايات الاجتماعية هي من أهم أوجه الانفاق الرأسمالي الذي من شأنه تعزيز متانة الاقتصاد، ودفع عجلة الاقتصاد لتسير بسرعات تضمن الحياة الكريمة للعاملين وأصحاب الأعمال والعاملين لحسابهم الخاص.
ومن الدروس المستفادة كذلك، أن مقياس نجاح أي اقتصاد في العالم بعيد كل البعد عن عدد “المليونيرات” الموجودين فيه، بل بمقدار ما يوفره هذا الاقتصاد من فرص عمل لائقة وحياة كريمة وحمايات لأكبر قدر ممكن من مواطنيه.
لدينا فرصة كبيرة في الأردن للخروج من هذه الأزمة أكثر تماسكا ومنعة وقوة، وهذا يتطلب إعادة النظر في العديد من السياسات الاقتصادية والاجتماعية، واستثمار حكومي أكبر وخاصة في الحمايات الاجتماعية، وتعزيز قدرات المواطنين والمقيمين –افرادا ومؤسسات– على التوسع في الانفاق، من خلال الحفاظ على دخولهم وتخفيض الضريبة العامة على المبيعات.
كذلك، هنالك فرصة للخروج أسرع من الأزمة من خلال تطوير سياسات اقتصادية واجتماعية “توازنيه” قائمة على تسويات اجتماعية بين مختلف مكونات المجتمع وتحفظ مصالح الجميع، دون تغول من جهة على أخرى، وهذا يتطلب توسيع دائرة المشاركين في عملية اتخاذ القرار.